(الصفحة 202)
عليها الرواية ويدخل في لبس المخيط وامّا اذا لم تكن كذلك فلا تشمله الرواية بوجه وان كان لا فرق بينهما من الحيثية المبحوث عنها في المقام فالرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب الكفارة هنا بل ترتبط بلبس المخيط ونحوه كالحرير ـ مثلاً ــ .
ثانيتها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: لكلّ شيء خرجت من حجّك فعليه (فعليك في ل) فيه دم يهريقه( فيهريقه) حيث شئت(1) . وقد مرّ مراراً ان الرواية ضعيفة من حيث السند بعبدالله بن الحسن العلوي ومن حيث الدلالة لتوقف الاستدلال بها على كون المتن جرحت مكان خرجت وهو لم يثبت مع انه لايناسب قوله من حجّك فتدبّر.
ثالثتها: مرسلة الخلاف قال في محكيه: «اذا حمل مكتلاً أو غيره لزمه الفداء دليلنا عموم ماروى فيمن غطى رأسه انّ عليه الفدية» والمكتل كمنبر هو الزنبيل الكبير قال في الجواهر يكفي هذا المرسل المنجبر بما عرفت مع الاجماع المحكى صريحاً وظاهراً دليلاً في الحكم خصوصاً بعد اعتضاده بنفي الخلاف الذي يشهد له التتبع.
وأورد على الاستدلال بها بعدم نقلها في شيء من الكتب الفقهية والروائية حتى ان الشيخ (قدس سره) بنفسه لم يذكره في كتابي التهذيب والاستبصار، فلم يحرز وجود الرواية حتى يكون استناد المشهور اليها جابراً لضعفها بالارسال.
ولكن يرد على الاستدلال بها ايضاً ان المدّعى في المقام ثبوت كفارة دم الشاة وما في الخلاف من الدليل والمدعى عبارة عن ثبوت الفداء وهو أعمّ من الشاة وقد مرّ ان الشيخ التزم بثبوت الكفارة في تغطية الرجل المحرم وجهه وظاهره ان المراد بها هي اطعام مسكين الذي وقع التصريح به في فتوى ابن ابي عقيل ورواية الحلبي المتقدمة
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح2.
(الصفحة 203)
وعليه فلا دلالة في المرسلة المزبورة على المدّعى.
وقد انقدح انه لم ينهض دليل على ثبوت كفّارة دم الشاة في تغطية الرأس إلاّ انّ الاحتياط الوجوبي يقتضي الثبوت لأنّ كلّ من تعرّض له، حكم بثبوتها إلاّ هذه العبارة الواردة في الخلاف على ما عرفت من عدم ظهورها في ثبوت كفارة الشاة وإلاّ ما عرفت من الوسائل على ما مرّ ايضاً.
بقي الكلام في اُمور:
الأمر الاوّل: هل الكفارة على تقدير ثبوتها في تغطية جميع الرأس ثابتة في تغطية بعض الرأس التي عرفت انّها محرمة ايضاً أم لا ؟
التحقيق ان يقال انه لو كان المستند في أصل الحكم هو الاجماع على تقدير تحققه وصحة الاستناد اليه فاللازم هو الاقتصار على تغطية الجميع لانّها القدر المتيقن من معقده وهو دليل لبّى لا اطلاق له يشمل تغطية البعض ايضاً كسائر الادلّة اللبيّة.
وان كان المستند هي صحيحة زرارة المتقدمة أو رواية علي بن جعفر المتقدمة ايضاً فالظاهر شمولهما لتغطية البعض ايضاً لأنّه يصدق عليه انه لبس ما لاينبغي له لبسه وكذا يتحقق الجرح من ناحية تغطية بعض الرأس وان كان المستند هي مرسلة الخلاف فظاهرها تغطية الجميع وان كان الاستدلال بها لصورة حمل المكتل كما في كلام الشيخ مشعر هل يدلّ على الشمول لتغطية البعض ايضاً لأن المكتل وان كان هو الزنبيل الكبير إلاّ انه لايشمل جميع الرأس خصوصاً اذا كان الاذنان جزئين من الرأس مع ان عطف عنوان الغير على المكتل لايختص بما اذا كان مغطيّاً لجميع الرأس.
وقد انقدح ممّا ذكرنا من عدم صحة الاستدلال بشيء من الروايات الثلاثة وان العمدة هو الاجماع الذي هو غير خال عن المناقشة انه لو قلنا بثبوت الكفارة في تغطية
(الصفحة 204)
الجميع فلا دليل على الثبوت في تغطية بعض الرأس فالأحوط فيها استحباباً ذلك بعدما كان أصل الحكم ثابتاً بنحو الاحتياط الوجوبي على ما مرّ.
الأمر الثاني: فيما لم يتعرض له في المتن بالصراحة وان كان ربما يشعر به ما أفاده في المسألة الآتية وهو ان الكفارة ثابتة في مورد الاضطرار الرافع للحكم التكليفي كما في مثل التظليل ولبس المخيط أو انّها ثابتة في خصوص صورة الاختيار ؟
الظاهر ما ذكرنا من ان المستند لو كان هو الاجماع فاللازم الاقتصار على القدر المتيقن وهي صورة الاختيار وان كان المستند هي الروايات فالظاهر اختصاصها بهذه الصورة لأن قوله لبس ما لاينبغي له لبسه لايتحقق في صورة الاضطرار الذي يكون اللبس جائزاً في حقّه ومشروعاً عنده وكذا لايتحقق الجرح بعد عدم ثبوت الحرمة والظاهر من قوله في المرسلة: «غطّى رأسه» هو التغطية الاختيارية ولكن صاحب الجواهر قد صرّح في العبارة التي يأتي نقلها في الأمر الثالث ان شاء الله تعالى، بانه لا فرق بين المختار والمضطر لا في أصل ثبوت الكفارة ولا في تكرارها مع التعدد وان الملاك في التعدّد فيهما واحد وسيأتي البحث في التكرّر في ذلك الأمر فانتظر.
الأمر الثالث: في تكرر الكفارة بتعدّد التغطية وعدمه قال صاحب الجواهر (قدس سره) في هذا المجال: «قد ذكر الحلبيان انّ على المختار لكل يوم شاة وعلى المضطّر لكل المدّة شاة بل عن ابن زهرة منهما الاجماع على ذلك وان كان التتبع يشهد بخلاف الاجماع المزبور فالأصل ـ ح ـ عدم الفرق بينهما. وفي الدروس عدم تكررها بتكرر تغطيته نعم لو فعل ذلك مختاراً، تعددّت ولا تتعدّد الغطاء مطلقاً، ووافقه ثاني الشهيدين إلاّ انه حكم بعدم التكرر ولو اتّحد المجلس، وربما نوقشا بعدم نص أو اجماع على ذلك فالأصل ـ ح ـ بحاله ولكن قد عرفت سابقاً في التظليل ما يستفاد منه صحة ذلك في الجملة».
(الصفحة 205)
وهذه الأقوال بعد اشتراكها في ثبوت الكفارة بالاضافة الى المضطر مع انّك عرفت في الأمر الثاني المناقشة فيه وبعد اشتراكها في عدم التعدد مع التكرر في صورة الاضطرار والتكرر في صورة الاختيار مختلفة في ملاك التعدد والتكرّر الموجب لتعدد الكفارة في هذه الصورة. فصريح الحلبيين ان الملاك هو اليوم فاذا تعدد تتكرر الكفارة وظاهر الدروس ان الملاك تعدّد التغطية فاذا تحققت مراراً ولو في اليوم الواحد تتعدّد الكفارة نعم لا عبرة بتعدد الغطاء وما يغطى به الرأس فاذا غطى رأسه بثلاثة أثواب ـ مثلاً ـ متلاصقة دفعة واحدة لايوجب تعدّد الكفارة بخلاف ما اذا كان الثوب والغطاء واحداً والتغطية به متعددة فانها تتكرر ـ ح ـ وظاهر كلام الشهيد الثاني ان الملاك وحدة المجلس وتعدّده.
هذا ولكن الظاهر انه بعد عدم ثبوت نص في خصوص التكرر في المقام ولا اجماع، يكون المرجع هو الأصل بمعنى القاعدة ومقتضاها انه لو كان المستند في أصل الكفارة في المقام هو الاجماع فكما انه لا اطلاق له يشمل صورة الاضطرار لأنه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن كذلك لا اطلاق له يشمل صورة التكرار ولو بعد تخلل التكفير فلا تتكرر الكفارة مطلقاً كما في المتن حيث نفى البعد عن عدم وجوب التكرر ولو في الصورة المذكورة.
ولو كان المستند هي الروايات الثلاثة المتقدمة على فرض تمامية دلالتها وسندها فالتكرر وعدمه مبني على المسألة الاصولية المعروفة التي وقع فيها الاختلاف في كون مقتضى الأصل التداخل أو عدمه لكن ينبغي هنا التنبيه على أمر وهو ان الملاك في التعدد في المقام هي التغطية وهي لا تتعدد بتكرر الغطاء وعدمه فاذا غطى رأسه بثوب ثم القى على الثوب ثوباً آخر لايتحقق التعدد بالاضافة الى التغطية لأن المغطى لايقبل
(الصفحة 206)مسألة 33 ـ تجب الكفارة إذا خالف عن علم وعمد فلا تجب على الجاهل ولا على الغافل والسّاهي والناسى 1 .
التغطية ثانياً وهذا بخلاف مثل لبس المخيط فانه اذا لبس القميص ثم لبس عليه القباء ثم العباء مثلاً يصدق لكل لبس انه لبس المخيط فيتحقق التعدّد فتدبّر.
(1) الدليل على اختصاص وجوب الكفارة بما اذا كانت المخالفة عن علم وعمد مضافاً الى قصور أصل دليل الثبوت الذي هو الاجماع على تقدير تمامية دليليته في المقام عن الشمول لغير هذه الصورة لما عرفت من انّه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن والى مثل حديث الرّفع المشتمل على رفع ما لايعلمون ورفع الخطأ والنسيان والى مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات الواردة في لبس القميص جاهلاً: «ايّما امرء ركب امراً بجهالة فلا شيء عليه»، دلالة بعض الروايات المتقدمة الواردة في أصل مسألة حرمة تغطية الرأس على عدم ثبوت كفارة الشاة فيما اذا غطّى رأسه ناسياً كصحيحة حريز قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن محرم غطّى رأسه ناسياً قال يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شيء عليه(1) . وصحيحة الحلبي انّه سئل اباعبدالله ـ عليه السلام ـ عن المحرم يغطي رأسه ناسياً أو نائماً فقال: يلبّي اذا ذكر(2). وغيرهما من الروايات وعليه فلا شبهة في الاختصاص بالعالم العامد.
ثم انه لم يقع التعرّض في المتن لثبوت الكفارة على المضطر وعدمه والجمود على ظاهر اللّفظ يقتضي دخوله في العالم العامد لأنّ المضطر ايضاً من مصاديق العالم العامد وان كان اصل العمل جائزاً في حقه ومشروعاً بالاضافة اليه لكنّه لاينافي ثبوت الكفارة كما في الاضطرار الى لبس المخيط أو التظليل ويؤيده عدم التعرض له في عداد
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح6.