(الصفحة 205)
وهذه الأقوال بعد اشتراكها في ثبوت الكفارة بالاضافة الى المضطر مع انّك عرفت في الأمر الثاني المناقشة فيه وبعد اشتراكها في عدم التعدد مع التكرر في صورة الاضطرار والتكرر في صورة الاختيار مختلفة في ملاك التعدد والتكرّر الموجب لتعدد الكفارة في هذه الصورة. فصريح الحلبيين ان الملاك هو اليوم فاذا تعدد تتكرر الكفارة وظاهر الدروس ان الملاك تعدّد التغطية فاذا تحققت مراراً ولو في اليوم الواحد تتعدّد الكفارة نعم لا عبرة بتعدد الغطاء وما يغطى به الرأس فاذا غطى رأسه بثلاثة أثواب ـ مثلاً ـ متلاصقة دفعة واحدة لايوجب تعدّد الكفارة بخلاف ما اذا كان الثوب والغطاء واحداً والتغطية به متعددة فانها تتكرر ـ ح ـ وظاهر كلام الشهيد الثاني ان الملاك وحدة المجلس وتعدّده.
هذا ولكن الظاهر انه بعد عدم ثبوت نص في خصوص التكرر في المقام ولا اجماع، يكون المرجع هو الأصل بمعنى القاعدة ومقتضاها انه لو كان المستند في أصل الكفارة في المقام هو الاجماع فكما انه لا اطلاق له يشمل صورة الاضطرار لأنه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن كذلك لا اطلاق له يشمل صورة التكرار ولو بعد تخلل التكفير فلا تتكرر الكفارة مطلقاً كما في المتن حيث نفى البعد عن عدم وجوب التكرر ولو في الصورة المذكورة.
ولو كان المستند هي الروايات الثلاثة المتقدمة على فرض تمامية دلالتها وسندها فالتكرر وعدمه مبني على المسألة الاصولية المعروفة التي وقع فيها الاختلاف في كون مقتضى الأصل التداخل أو عدمه لكن ينبغي هنا التنبيه على أمر وهو ان الملاك في التعدد في المقام هي التغطية وهي لا تتعدد بتكرر الغطاء وعدمه فاذا غطى رأسه بثوب ثم القى على الثوب ثوباً آخر لايتحقق التعدد بالاضافة الى التغطية لأن المغطى لايقبل
(الصفحة 206)مسألة 33 ـ تجب الكفارة إذا خالف عن علم وعمد فلا تجب على الجاهل ولا على الغافل والسّاهي والناسى 1 .
التغطية ثانياً وهذا بخلاف مثل لبس المخيط فانه اذا لبس القميص ثم لبس عليه القباء ثم العباء مثلاً يصدق لكل لبس انه لبس المخيط فيتحقق التعدّد فتدبّر.
(1) الدليل على اختصاص وجوب الكفارة بما اذا كانت المخالفة عن علم وعمد مضافاً الى قصور أصل دليل الثبوت الذي هو الاجماع على تقدير تمامية دليليته في المقام عن الشمول لغير هذه الصورة لما عرفت من انّه دليل لبّى يقتصر فيه على القدر المتيقن والى مثل حديث الرّفع المشتمل على رفع ما لايعلمون ورفع الخطأ والنسيان والى مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات الواردة في لبس القميص جاهلاً: «ايّما امرء ركب امراً بجهالة فلا شيء عليه»، دلالة بعض الروايات المتقدمة الواردة في أصل مسألة حرمة تغطية الرأس على عدم ثبوت كفارة الشاة فيما اذا غطّى رأسه ناسياً كصحيحة حريز قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن محرم غطّى رأسه ناسياً قال يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شيء عليه(1) . وصحيحة الحلبي انّه سئل اباعبدالله ـ عليه السلام ـ عن المحرم يغطي رأسه ناسياً أو نائماً فقال: يلبّي اذا ذكر(2). وغيرهما من الروايات وعليه فلا شبهة في الاختصاص بالعالم العامد.
ثم انه لم يقع التعرّض في المتن لثبوت الكفارة على المضطر وعدمه والجمود على ظاهر اللّفظ يقتضي دخوله في العالم العامد لأنّ المضطر ايضاً من مصاديق العالم العامد وان كان اصل العمل جائزاً في حقه ومشروعاً بالاضافة اليه لكنّه لاينافي ثبوت الكفارة كما في الاضطرار الى لبس المخيط أو التظليل ويؤيده عدم التعرض له في عداد
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح6.
(الصفحة 207)الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب وبرقع ونحوهما حتى المروحة، والاحوط عدم التغطية بما لايتعارف كالحشيش والطين، وبعض الوجه في حكم تمامه، نعم يجوز وضع يديها على وجهها، ولا مانع من وضعه على المخدّة ونحوها للنّوم 1 .
الجاهل والغافل ومثلهما ومع ذلك لايتحقق الاطمينان للنفس بكون مراد المتن ثبوت الكفارة بالنسبة الى المضطر ايضاً ونحن قد قدمنا البحث في ذلك في الأمر الثاني من الاُمور المتقدمة في المسألة السابقة فراجع.
(1) البحث في هذا الأمر أيضاً يقع من جهات:
الجهة الاُولى: في أصل ثبوت هذا الحكم في الجملة ونفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الاجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى انه قول علماء الامصار ويدلّ عليه نصوص متعدّدة.
منها صحيحة عبدالله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: المحرمة لاتتنقب لأنّ احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه(1) . ومقتضى التعليل عدم اختصاص الحكم بخصوص النقاب.
ومثلها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال مرّ ابو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقبة وهي محرمة فقال: احرمي واسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك فانّك ان تنقبتِ لم يتغيّر لونك قال رجل: الى أين ترخيه قال تغطي عينها قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال نعم(2).
ومنها رواية ابي عينية عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس وهي محرمة فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين والبرقع والحرير(3). الحديث.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح3.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والثلاثون، ح3.
(الصفحة 208)
ومنها رواية احمد بن محمد «بن ابي نصر خ» عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: مرّ ابو جعفر (عليه السلام)بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها(1) .
ومنها غير ذلك من الروايات لكن في مقابلها بعض الروايات التي عبّر فيها بالكراهة كرواية يحيى بن ابي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه كرّه للمحرمة البرقع والقفازين(2). وصحيحة عيص بن القاسم قال قال ابو عبدالله (عليه السلام) في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة وقال تسدل الثوب على وجهها قلت حدّ ذلك الى أين؟ قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر(3).
والرواية الاُولى ضعيفة بحيى بن ابي العلاء لعدم توثيقه والظاهر انه غير يحيى بن العلاء الذي هو ثقة والظاهر انّ المراد من الكراهة في الروايتين الحرمة لدلالة الروايات الظاهرة في الحرمة عليه ولا مجال لاحتمال العكس بجعل التعبير في الكراهة في هاتين الروايتين قرينة على ان المراد من قوله: «المحرمة لا تتنقب»، هو الكراهة لأن حمل مثله عليها لا يلائم مع التعليل الوارد فيها بان احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه مع انّك عرفت حرمة تغطية الرأس عليه وكذا لايلائم مع التعليل بقوله انّك ان تنقبت لم يتغير لونك وكذا مع اماطة الامام (عليه السلام) بنفسه المروحة عن وجهها.
الجهة الثانية: في التغطية بما لايتعارف كالحشيش والطين بعدما عرفت من دلالة بعض الروايات على حرمة التغطية بالمروحة ايضاً لكنها تغاير مثل الحشيش بثبوت التعارف فيها في الجملة دونه والظاهر انّ حكمهنّ بالاضافة الى مثل هذه التغطية حكم
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح4.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح9.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح2.
(الصفحة 209)
الرجال بالنسبة الى الرأس وتغطيته بمثلها، لكن التعليل الوارد في بعض الروايات المقام بقوله مخاطباً لامرأة محرمة متنقّبة انّك ان تنقبتِ لم يتغيّر لونك يزيد في وضوح حكم المقام فانه كما ان النقاب مانع عن تغيّر اللون المطلوب في باب الحج في وجه النساء كذلك الحشيش والطين ومثلهما مانع عن ذلك وعدم التعارف في الاستفادة في التغطية من مثلهما لايقدح في شمول التعليل واقتضائه للحرمة فيما لايتعارف ايضاً فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم التغطية بمثلهما.
الجهة الثالثة: في حكم تغطية بعض الوجه ظاهر الكلمات انه لا فرق بين المقام وبين ما تقدم من حرمة تغطية الرجل بعض رأسه وانّ كلتا المسألتين من ورد واحد ولا فرق بينهما اصلاً مع انّك عرفت هناك انّ جلّ الأدلّة الواردة في حرمة تغطية الرأس ظاهرها تغطية الجميع، غاية الأمر ان التعبير بالاصابة في بعض الروايات الصحيحة صار موجباً لتوسعة دائرة الحرمة والشمول لتغطية بعض الرأس لتحقّق الاصابة بسببها.
وامّا المقام فما دلّ على المنع من البرقع لايدلّ على أزيد من حرمة تغطية جميع الوجه لأنّ البرقع يكون ساتراً له ظاهراً وامّا ما دلّ على اماطة الامام (عليه السلام) المروحة عن وجه المرأة المحرمة فلا دلالة له على توسعة دائرة الحرمة لأنه لم يعلم كون المروحة ساترة لبعض وجهها واحتمال كونها ساترة للجميع نعم يدل على عدم اختصاص الحكم بخصوص الثوب بل يشمل المروحة ايضاً فلا ارتباط لهذه الرواية ايضاً بالمقام.
نعم يبقى ما دلّ على حرمة التنقّب والنهي عن النقاب بعد عدم كون النقاب ساتراً لجميع الوجه ولذا استدلّ صاحب الجواهر بهذا الدليل على شمول الحكم لتغطية بعض الوجه نظراً الى ما ذكرنا.
لكن لابد من ملاحظة انّ في النقاب خصوصيتين: احداهما كون المستور به بعض