(الصفحة 213)
ضده، التي هي معروفة في علم الاصول ضرورة انه لايرى تضاد بين الصلاة والاحرام بوجه بل لا مانع من الجمع بين رعاية التكليفين اصلاً بل التعارض انّما هو بين رعاية الحكم التحريمي المتعلق بالمحرمة وهي حرمة التغطية ورعاية الوجوب الشرطي المتعلق بستر الرأس، من جهة ان تحقق العلم بثبوت الشرط يقتضي ستر جزء من الوجه ايضاً من باب وجوب المقدمة العلمية والعلم بعدم تغطية بعض الوجه ايضاً يتوقف بكشف جزء ولو يسير من الرأس، ولا يتحقق الجمع بين الأمرين وان كان يمكن ان يقال بان وجوب المقدمة العلمية انّما هو بالاضافة الى الستر الذي هو واجب شرطي وامّا بالاضافة الى التغطية فحيث يكون الحكم المتعلق بها هي الحرمة فلا حاجة الى احراز عدم تحقق متعلقها بل يكفي عدم احراز تحقق المتعلق كما لايخفى إلاّ أن يقال بان الحكم الثابت في المقام ايضاً هو الوجوب ومتعلقه هو الاسفار عن الوجه كما وقع التعبير به في الشرايع وعليه فتجب مقدمته العلمية ايضا.
نقول لا مجال لترجيح الصلاة باعتبار كونها أهمّ فان الأهمية انّما تكون متحققة في أصل الصلاة ولا دليل على أهمية رعاية شرطها والوجوب الشرطي المتعلق به على الحرمة الاحرامية الثابتة عليها.
بل ترجيح الصلاة ورعاية شرطها انّما يستفاد من وجهين:
احدهما: استمرار سيرة المتشرعة من النساء المحرمات المتصلة بزمان الائمة (عليهم السلام)على رعاية الستر الصلوتي في حال الاحرام بعين رعايته في غير هذه الحالة ولا فرق عندهنّ عملاً بين الصلاة في الحالتين وهي شاهدة على تقدم الستر الصلوتي وكونه مرتكزاً لديهنَّ.
ثانيهما: انه حيث تكون هذه المسألة من المسائل المبتلى بها في الحج والعمرة
(الصفحة 214)مسألة 35 ـ يجوز اسدال الثوب وارساله من رأسها الى وجهها الى أنفها بل الى نحرها للستر عن الاجنبي، والأولى الأحوط ان يسدله بوجه لا يلصق بوجهها ولو بأخذه بيدها 1 .
والعمرة المفردة لاتكون مقيّدة بوقت خاص بل مشروعة في جميع الشهور فلو كان الستر الصلوتي متأخراً في حال الاحرام عن التغطية المحرّمة لكان اللاّزم صدور البيان من قبل الائمة (عليهم السلام) في هذا المجال ولو صدر لبان بلحاظ شدّة الابتلاء التي اُشير اليها.
ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه للتعبير بالجواز كما في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) بل الظاهر هو التعين والوجوب كما في المتن تبعاً لمن عرفت من الفقهاء في كلام صاحب الجواهر (قدس سره).
لكن لابد من الاقتصار على حال الصلاة والالتزام بانه اذا فرغت منها يجب عليها فوراً إزالة الغطاء ورفعها عن وجهها لأنه لا وجه لجواز البقاء على هذه الحالة بعد الفراغ عن الصلاة كما لايخفى.
(1) قال في الشرايع بعد الحكم بعدم جواز تغطية الرأس للرجل المحرم: «ويجوز ذلك للمرأة لكن عليها ان تسفر عن وجهها ولو أسدلت قناعها على رأسها الى طرف أنفها جاز» وذكر في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك نسبته الى اجماع الاصحاب وغيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا أجمع وهو قول عامة أهل العلم بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها. من الاجانب وانحصر فيه».
وكيف كان يحتمل في عبارة الشرايع ان يكون اسدال القناع على الرأس الى طرف الأنف مستثنى من تغطية الوجه المحرّمة عليها ويؤيده التحديد الى طرف الأنف ويحتمل فيها ان يكون مراده اَنَّ الاسدال أمر لاينافي التغطية المحرّمة واللازم في هذا
(الصفحة 215)
المقام ملاحظة النصوص المتعددة الواردة فيه ثم بيان وجه الجمع بينها وبين الروايات المتقدمة الناهية عن التغطية الشاملة لتغطية الكل والبعض معاً فنقول:
منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: قال ابو عبدالله (عليه السلام) في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة وقال تسدل الثوب على وجهها، قلت: حدّ ذلك الى أين ؟ قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر(1) . وقد عرفت انّ المراد بالكراهة فيها هي الحرمة وعليه فقوله: تسدل... هل يكون المراد به وجوب الاسدال على ما هو مقتضى ظاهر الجملة الخبرية الواقعة في مقام انشاء الحكم أو المراد به الجواز بلحاظ وقوعه في مقابل النقاب المحكوم بالحرمة والمقصود عدم جريان الحكم بالحرمة في الاسدال فيجوز لها ذلك.
ومنها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: مرّ ابو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقّبة وهي محرمة فقال: احرمي واسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك فانّك ان تنقبتِ لم يتغيّر لونك قال رجل: الى اين ترخيه قال تغطّي عينها، قال قلت تبلغ فمها؟ قال نعم(2). والمراد من قوله: احرمي ليس هو ايجاب الاحرام لعدم معلومية وجوب الاحرام عليها مع انّها كانت محرمة ولا معنى للايجاب عليها بل المراد هو انه بعدما صرت محرمة واتصفت بذلك يجب عليك الاسفار الذي يكون ظاهره اسفار الوجه ويجري الاحتمالان المذكوران في الرواية السابقة في قوله: وارخي ثوبك من فوق رأسك.
ومنها صحيحة حريز قال: قال ابو عبدالله (عليه السلام) المحرمة تسدل الثوب على وجهها
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والأربعون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح3 .
(الصفحة 216)
الى الذقن(1) .
ومنها صحيحة زرارة عن ابي عبدالله (عليه السلام) انّ المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها(2).
ومنها صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من اعلاها الى النحر اذا كانت راكبة(3).
ومنها رواية سماعة عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه سأله عن المحرمة فقال: ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها ولا تستتر بيدها من الشمس الحديث(4).
ومن طريق العامة ما روى عن عائشة قالت: كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاذا جاءونا سدلت احدانا جلبابها من رأسها على وجهها فاذا جاوزنا كشفنا(5).
ثم انّه يظهر من صاحب الجواهر انّ الجمع بين هذه الروايات الدالّة على جواز الاسدال والارخاء لو لم نقل بدلالة بعضها على الوجوب وبين الروايات المتقدمة الظاهرة في حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة يمكن بوجهين:
الوجه الأول: ما جعله دليلاً لما حكى عن المبسوط والجامع والقواعد بل في الدروس انه المشهور وان ناقش هو في تحقق الشهرة من عدم جواز الاسدال بنحو يكون الثوب مماساً للوجه ومصيباً له بل لابد ان تمنعه بيدها أو بخشبة من ان يباشر وجهها من ان مقتضى الجمع بين صحاح السّدل والنصوص المانعة من التغطية حمل
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح6.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح7.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح8.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح10.
- (5) سنن البيهقى : ج5 ص48.
(الصفحة 217)
الاولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية بل لعلّ المرتفعة ليست من التغطية.
ولكنه أورد عليه بقوله: «مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية وانّما فيه الاحرام بالوجه والأمر بالاسفار عن الوجه ان السدل بمعنييه تغطية عرفاً وانّها غير سافرة الوجه معه إلاّ ما خرج عنها الى حدّ التظليل ونحوه».
الوجه الثاني: ما جعله صاحب الجواهر (قدس سره) أولى من وجوه ووصفه في ذيل كلامه بانّه مقتضى التحقيق من قوله: «ان الجمع باخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة بل والفتوى أولى من وجوه ولا يقتضي اختصاص الحرمة ـ ح ـ بالنقاب كما في المدارك والذخيرة وغيرهما بل في الاوّل لايستفاد من الاخبار أزيد من ذلك، ضرورة تعدّد افراد التغطية بغير السدل كالشدّ ونحوه وخصوصاً مع ملاحظة اللطوخ ونحوه، ومن هنا تردد المصنّف ـ يعني المحقق في الشرايع ـ فيما يأتي في كراهة النقاب بل أفتى به الفاضل في الارشاد مع الجزم بحرمة التغطية بل في الدروس عدّ النقاب محرّماً مستقلاً عن حرمة التغطية وان كان قد علّله بها فالتحقيق استثناء السدل من ذلك بقسميه وان كان الاحتياط لاينبغي تركه».
وهنا وجوه اُخر للجمع:
احدها: حمل ما دلّ على حرمة تغطية الوجه على صورة عدم وجود الناظر الأجنبي وحمل ما دلّ على جواز الاسدال على صورة وجوده.
وأورد عليه بان الشاهد على هذا الجمع حديث عائشة المتقدم وحيث انه ضعيف من حيث السند فلايمكن ان يصار الى هذا الجمع لأنه بلا شاهد.
مع ان رواية سماعة المتقدمة المعتبرة ايضاً شاهدة على هذا الجمع كما ان صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على التقييد بما اذا كانت راكبة تنطبق على هذا