(الصفحة 217)
الاولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية بل لعلّ المرتفعة ليست من التغطية.
ولكنه أورد عليه بقوله: «مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية وانّما فيه الاحرام بالوجه والأمر بالاسفار عن الوجه ان السدل بمعنييه تغطية عرفاً وانّها غير سافرة الوجه معه إلاّ ما خرج عنها الى حدّ التظليل ونحوه».
الوجه الثاني: ما جعله صاحب الجواهر (قدس سره) أولى من وجوه ووصفه في ذيل كلامه بانّه مقتضى التحقيق من قوله: «ان الجمع باخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة بل والفتوى أولى من وجوه ولا يقتضي اختصاص الحرمة ـ ح ـ بالنقاب كما في المدارك والذخيرة وغيرهما بل في الاوّل لايستفاد من الاخبار أزيد من ذلك، ضرورة تعدّد افراد التغطية بغير السدل كالشدّ ونحوه وخصوصاً مع ملاحظة اللطوخ ونحوه، ومن هنا تردد المصنّف ـ يعني المحقق في الشرايع ـ فيما يأتي في كراهة النقاب بل أفتى به الفاضل في الارشاد مع الجزم بحرمة التغطية بل في الدروس عدّ النقاب محرّماً مستقلاً عن حرمة التغطية وان كان قد علّله بها فالتحقيق استثناء السدل من ذلك بقسميه وان كان الاحتياط لاينبغي تركه».
وهنا وجوه اُخر للجمع:
احدها: حمل ما دلّ على حرمة تغطية الوجه على صورة عدم وجود الناظر الأجنبي وحمل ما دلّ على جواز الاسدال على صورة وجوده.
وأورد عليه بان الشاهد على هذا الجمع حديث عائشة المتقدم وحيث انه ضعيف من حيث السند فلايمكن ان يصار الى هذا الجمع لأنه بلا شاهد.
مع ان رواية سماعة المتقدمة المعتبرة ايضاً شاهدة على هذا الجمع كما ان صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الدالة على التقييد بما اذا كانت راكبة تنطبق على هذا
(الصفحة 218)
الوجه ايضاً لظهور ان الركوب بما هو ركوب لا مدخل له في ذلك بل لأجل كون المرأة في حال الركوب في معرض نظر الأجنبي غالباً كما لايخفى.
ثانيها: ما أفاده بعض الاعلام (قدس سرهم) ممّا حاصله ان ما دلّ على ان حدّ الاسدال الى طرف الأنف وهو الجانب الأعلى من الأنف صريح في عدم جواز الاسدال الى الزائد من ذلك فيكون ما دل على جواز الاسدال الى الفم أو الذقن والنحر معارضاً له فهذه الروايات تسقط بالمعارضة والمرجع ـ ح ـ ما دلّ على ان احرام المرأة في وجهها فالواجب عليها بمقتضى الاطلاق عدم ستر الزائد من طرف الأنف الأعلى بأيّ ساتر كان نعم لا بأس بالعمل برواية معاوية بن عمّار الدالة على الجواز الى النحر مقيّداً بما اذا كانت راكبة لأنه لا معارضة بينها وبين روايات الحدّ لأنّه لا علم بعدم الفرق بين حال الركوب وغيره وانّما جوّز الستر في حال الركوب لأنّها في معرض نظر الأجنبي فتقيد روايات الحدّ بحال الاختيار وبأنها اذا كانت مأمونة من النظر فالمتحصل انها اذا كانت مأمونة من النظر يجوز لها اسدال الثوب الى طرف الأنف حتى تتمكن من ان تبصر وترى الطريق واذا كانت في معرضه يجوز لها الاسدال الى الفم أو النحر.
ثالثها: ما احتمله بعض الاعاظم (قدس سرهم) على ما في تقريرات بحثه في الحج من انه لا معارضة بين الاخبار حتى تحتاج الى الجمع بتقريب يرجع ملّخصه ان قوله (عليه السلام)«احرام المرأة في وجهها» انما يدلّ على محل الاحرام ولا دلالة له على كيفية الاحرام وانّها عبارة عن كشف تمام الوجه بل لابد من الاستفادة من دليل آخر وعليه فيمكن ان يقال ان المستفاد من صحيحة الحلبي المتقدمة الواردة في المرأة المتنقبة هي حرمة تغطية تمام الوجه لا بعضه للجمع بين ايجاب الاسفار وجواز الارخاء وعليه فالمراد من قوله (عليه السلام) «اسفري» هو لزوم اسفار بعض الوجه ومن قوله (عليه السلام) «وارخي ثوبك» هو
(الصفحة 219)
جواز السدل بحيث يستر بعض الوجه لا تمامه واما ما دلّ على جواز الاسدال الى الذقن أو الى النحر فيمكن ان يقال انّ المراد منه انها تجعل الثوب الذي وضعت على رأسها بحيثية يستر جانبي وجهها أو أحد جانبيه به مع بقاء مقدار من وسط الوجه مكشوفاً أو مع الجانب الآخر كذلك.
والتحقيق في المقام ان يقال اوّلاً انك عرفت في مسألة حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة ان تغطية البعض الخارج عن المحدودة التي يسترها النقاب لا دليل على حرمتها وان قلنا بالاحتياط الوجوبي نظراً الى الفتاوى التي ظاهرها انه لا فرق بين الرجل المحرم والمرأة المحرمة فكما ان تغطيته لبعض الرأس محرمة كذلك تغطيتها لبعض الوجه ولكن الدليل لايساعد على ذلك.
وثانياً ان في جملة من الروايات المتقدمة الدالّة على وجوب الاسدال أو جوازه لم يقع التعرض اوّلاً لبيان الحدّ بل التحديد قد تحقق بعد السؤال عن الحدّ ومرجعه الى انه لو لم يتحقق السؤال لكان مقتضى الاطلاق الاسدال بنحو يشمل جميع الوجه كما لايخفى.
وثالثاً ان في بعض الروايات ما ظاهره تقييد مشروعية الاسدال بما اذا مرّ بالمرأة المحرمة رجل اجنبي أو بما اذا كانت راكبة ومرجعة، الى كونها في معرض النظر.
ورابعاً ان في بعض الروايات قد جمع بين ايجاب الاسفار ووجوب الارخاء المضاف الى الثوب أو جوازه.
وحيث انّ الرواية الجامعة لجميع هذه الخصوصيات هي صحيحة الحلبي المتقدمة فلابد من التكلم في مفادها والدقة في مدلولها فانّها مفتاح حلّ اعضال الجمع بين الروايات لاشتمالها على الخصوصيات المزبورة خصوصاً الاخيرة التي لها كمال
(الصفحة 220)
المدخلية في وجه الجمع فنقول:
نفس حكاية الامام الصادق (عليه السلام) انّ ابا جعفر (عليه السلام) مرّ بامرأة متنقبة وهي محرمة تدلّ على عدم اجتماع التنقب مع الاحرام بمعنى انه لايجوز للمحرمة التنقب في حال الاحرام وقد عرفت سابقاً انّ في النقاب خصوصيتين احداهما كونه ساتراً لبعض الوجه، والاُخرى كونه ساتراً للبعض المعين من الوجه دائماً وبلحاظ هذا البحث الذي نحن فيه نقول بان فيه خصوصية ثالثة أيضاً، وهي كيفية ساتريته لبعض الوجه وهي شدّ الثوب على ذلك البعض لا مجرد وضعه عليه فتدبّر.
واما قوله (عليه السلام) مخاطباً للمرأة المتصفة بما ذكر: احرمي واسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك فنقول نفس هذه المخاطبة ظاهرة في كون المرأة المذكورة واقعة في معرض نظر الأجنبي وامّا قوله: احرمي فقد مرّ معناه في ذيل نقل الرواية وامّا قوله: اسفري فالظاهر بملاحظة كون المرأة متنقبة هو لزوم الاسفار بالاضافة الى المحدودة التي يسترها النقاب ويوجب التنقب عدم تغيّر لونها والتعليل بقوله «فانك ان تنقبت لم يتغيّر لونك» يؤيد بل يدل على عدم كون المراد بالاسفار هو اسفار تمام الوجه وكشفه بل الاسفار بالنسبة الى المحدودة المذكورة ولا شبهة في كون الرواية ظاهرة في وجوب الاسفار.
وامّا قوله: ارخي ثوبك من فوق رأسك فالظاهر ان المراد به هو وجوب الارخاء الظاهر في ستر جميع الوجه بلحاظ كونها في معرض نظر الأجنبي فان قلنا بوجوب ستر الوجه على المرأة عند المعرضية للنظر فظاهر الرواية باق على حاله وان قلنا بالعدم كما حققناه في كتاب الصلاة في بحث لباس المصلي الذي وقع التعرض فيه للستر الواجب النفسي ايضاً في الرجل والمرأة فاللازم ان يقال بان مفاد هذا القول مجرد المشروعية
(الصفحة 221)
لا الوجوب وقد مرّ ان الظاهر منه مع قطع النظر عن التحديد الواقع بعده هو جواز الارخاء بنحو يشمل جميع الوجه لكنه بعد سؤال رجل عن حدّ الارخاء أجاب بقوله: تغطي عينها والظاهر ان المراد من هذه العبارة هو التحديد بما وقع في صحيحة العيص المتقدمة التعبير عنه بقدر ما تبصر فانه مع تغطية العين لاتتمكن من السير والحركة فالمراد هو التغطية الى حدّ العين.
وامّا قوله: نعم في مقام الجواب عن السؤال عن بلوغ الفم فلابد اوّلاً من ملاحظة انه كيف يجتمع مع التحديد الاوّل فان جعل الحدّ هو العين لايجتمع مع تجويز البلوغ الى الفم وثانياً من ملاحظة انه كيف يجتمع التحديد مع اطلاق الحكم بارخاء الثوب ولا محيص من ان يقال ان المراد مجرّد تجويز الارخاء المضاف الى الثوب سواء بلغ الى حدّ العين أو الى حدّ الفم وبقرينة ساير الروايات يستفاد الجواز الى حدّ الذقن بل الى حدّ النحر.
وعليه فهذه الصحيحة شاهدة على انه لا تنافي بين الحدين ولا تعارض بين الأمرين فما عرفت في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) من انه لو كانت هذه التحديدات واقعة في كلام واحد لكانت من المتنافيات، يدفعه هذه الصحيحة المشتملة على الجمع بين التحديدين فاللازم ان يقال بعدم ثبوت التنافي بوجه بل مرجعه الى جواز الجميع ومشروعية الاسدال بكل حدّ غاية الأمر انه حيث يكون موردها ما اذا كانت المحرمة في معرض نظر الأجنبي وقد وقع التصريح بهذا القيد في روايتي سماعة ومعاوية المتقدمتين فلابد من الاقتصار على هذا المورد والحكم بالجواز في هذه الصورة بالاضافة الى جميع الحدود المذكورة في الروايات وامّا في غير هذه الصورة فالحكم فيه ما تقدم في مسألة تغطية الوجه.
|