(الصفحة 219)
جواز السدل بحيث يستر بعض الوجه لا تمامه واما ما دلّ على جواز الاسدال الى الذقن أو الى النحر فيمكن ان يقال انّ المراد منه انها تجعل الثوب الذي وضعت على رأسها بحيثية يستر جانبي وجهها أو أحد جانبيه به مع بقاء مقدار من وسط الوجه مكشوفاً أو مع الجانب الآخر كذلك.
والتحقيق في المقام ان يقال
اوّلاً انك عرفت في مسألة حرمة تغطية الوجه للمرأة المحرمة ان تغطية البعض الخارج عن المحدودة التي يسترها النقاب لا دليل على حرمتها وان قلنا بالاحتياط الوجوبي نظراً الى الفتاوى التي ظاهرها انه لا فرق بين الرجل المحرم والمرأة المحرمة فكما ان تغطيته لبعض الرأس محرمة كذلك تغطيتها لبعض الوجه ولكن الدليل لايساعد على ذلك.
و
ثانياً ان في جملة من الروايات المتقدمة الدالّة على وجوب الاسدال أو جوازه لم يقع التعرض اوّلاً لبيان الحدّ بل التحديد قد تحقق بعد السؤال عن الحدّ ومرجعه الى انه لو لم يتحقق السؤال لكان مقتضى الاطلاق الاسدال بنحو يشمل جميع الوجه كما لايخفى.
و
ثالثاً ان في بعض الروايات ما ظاهره تقييد مشروعية الاسدال بما اذا مرّ بالمرأة المحرمة رجل اجنبي أو بما اذا كانت راكبة ومرجعة، الى كونها في معرض النظر.
ورابعاً ان في بعض الروايات قد جمع بين ايجاب الاسفار ووجوب الارخاء المضاف الى الثوب أو جوازه.
وحيث انّ الرواية الجامعة لجميع هذه الخصوصيات هي صحيحة الحلبي المتقدمة فلابد من التكلم في مفادها والدقة في مدلولها فانّها مفتاح حلّ اعضال الجمع بين الروايات لاشتمالها على الخصوصيات المزبورة خصوصاً الاخيرة التي لها كمال
(الصفحة 220)
المدخلية في وجه الجمع فنقول:
نفس حكاية الامام الصادق (عليه السلام) انّ ابا جعفر (عليه السلام) مرّ بامرأة متنقبة وهي محرمة تدلّ على عدم اجتماع التنقب مع الاحرام بمعنى انه لايجوز للمحرمة التنقب في حال الاحرام وقد عرفت سابقاً انّ في النقاب خصوصيتين احداهما كونه ساتراً لبعض الوجه، والاُخرى كونه ساتراً للبعض المعين من الوجه دائماً وبلحاظ هذا البحث الذي نحن فيه نقول بان فيه خصوصية ثالثة أيضاً، وهي كيفية ساتريته لبعض الوجه وهي شدّ الثوب على ذلك البعض لا مجرد وضعه عليه فتدبّر.
واما قوله (عليه السلام) مخاطباً للمرأة المتصفة بما ذكر: احرمي واسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك فنقول نفس هذه المخاطبة ظاهرة في كون المرأة المذكورة واقعة في معرض نظر الأجنبي وامّا قوله: احرمي فقد مرّ معناه في ذيل نقل الرواية وامّا قوله: اسفري فالظاهر بملاحظة كون المرأة متنقبة هو لزوم الاسفار بالاضافة الى المحدودة التي يسترها النقاب ويوجب التنقب عدم تغيّر لونها والتعليل بقوله «فانك ان تنقبت لم يتغيّر لونك» يؤيد بل يدل على عدم كون المراد بالاسفار هو اسفار تمام الوجه وكشفه بل الاسفار بالنسبة الى المحدودة المذكورة ولا شبهة في كون الرواية ظاهرة في وجوب الاسفار.
وامّا قوله: ارخي ثوبك من فوق رأسك فالظاهر ان المراد به هو وجوب الارخاء الظاهر في ستر جميع الوجه بلحاظ كونها في معرض نظر الأجنبي فان قلنا بوجوب ستر الوجه على المرأة عند المعرضية للنظر فظاهر الرواية باق على حاله وان قلنا بالعدم كما حققناه في كتاب الصلاة في بحث لباس المصلي الذي وقع التعرض فيه للستر الواجب النفسي ايضاً في الرجل والمرأة فاللازم ان يقال بان مفاد هذا القول مجرد المشروعية
(الصفحة 221)
لا الوجوب وقد مرّ ان الظاهر منه مع قطع النظر عن التحديد الواقع بعده هو جواز الارخاء بنحو يشمل جميع الوجه لكنه بعد سؤال رجل عن حدّ الارخاء أجاب بقوله: تغطي عينها والظاهر ان المراد من هذه العبارة هو التحديد بما وقع في صحيحة العيص المتقدمة التعبير عنه بقدر ما تبصر فانه مع تغطية العين لاتتمكن من السير والحركة فالمراد هو التغطية الى حدّ العين.
وامّا قوله: نعم في مقام الجواب عن السؤال عن بلوغ الفم فلابد اوّلاً من ملاحظة انه كيف يجتمع مع التحديد الاوّل فان جعل الحدّ هو العين لايجتمع مع تجويز البلوغ الى الفم وثانياً من ملاحظة انه كيف يجتمع التحديد مع اطلاق الحكم بارخاء الثوب ولا محيص من ان يقال ان المراد مجرّد تجويز الارخاء المضاف الى الثوب سواء بلغ الى حدّ العين أو الى حدّ الفم وبقرينة ساير الروايات يستفاد الجواز الى حدّ الذقن بل الى حدّ النحر.
وعليه فهذه الصحيحة شاهدة على انه لا تنافي بين الحدين ولا تعارض بين الأمرين فما عرفت في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) من انه لو كانت هذه التحديدات واقعة في كلام واحد لكانت من المتنافيات، يدفعه هذه الصحيحة المشتملة على الجمع بين التحديدين فاللازم ان يقال بعدم ثبوت التنافي بوجه بل مرجعه الى جواز الجميع ومشروعية الاسدال بكل حدّ غاية الأمر انه حيث يكون موردها ما اذا كانت المحرمة في معرض نظر الأجنبي وقد وقع التصريح بهذا القيد في روايتي سماعة ومعاوية المتقدمتين فلابد من الاقتصار على هذا المورد والحكم بالجواز في هذه الصورة بالاضافة الى جميع الحدود المذكورة في الروايات وامّا في غير هذه الصورة فالحكم فيه ما تقدم في مسألة تغطية الوجه.
(الصفحة 222)مسألة 36 ـ لا كفارة على تغطية الوجه، ولا على عدم الفصل بين الثوب والوجه وان كانت أحوط في الصورتين 1 .
التاسع عشر: التظليل... 2 .
والظاهر ان قوله (قدس سره) في المتن: للستر عن الأجنبي راجع الى أصل الحكم بجواز الاسدال بناء منه على حرمة تغطية بعض الوجه ايضاً وامّا بناء على ما اخترناه فلا يتوقف جواز الاسدال الى الأنف على ان يكون الغرض هو الستر عن الأجنبي بل يجوز مطلقاً كما ان الاحتياط المستحبي المذكور فيه انّما هو للخروج عن خلاف من اعتبر عدم الالصاق بالوجه مثل الشيخ (قدس سرهم) على ما عرفت.
(1) وجه عدم ثبوت الكفارة عدم الدليل على ثبوتها بنحو الخصوص وامّا الدليل العام فهي رواية علي بن جعفر (عليه السلام) التي تقدم البحث فيها مراراً وقلنا انها ضعيفة سنداً بعبدالله بن الحسن الذي هو حفيد علي بن جعفر (عليه السلام) ودلالة لعدم ثبوت نسخة «جرحت» بل المحكى في الوسائل «خرجت» مضافاً الى عدم ملائمة كلمة الجرح لمثل هذه المقامات.
وامّا الاحتياط المستحبي فمنشأه ما ذكره الشيخ (قدس سره) عقيب الفتوى بلزوم الفصل في مسألة الاسدال بين الثوب والوجه من وجوب الدم مع تعمّد المباشرة واستظهر منه صاحب الجواهر ثبوت الكفارة المذكورة حتى اذا زال أو ازاله بسرعة فاذا كانت الكفارة في هذه الصورة ثابتة ففي التنقب ومثله بطريق أولى لكنك عرفت ان الاسدال جائز ولو كان مصيباً للوجه وملصقاً به وفي التغطية المحرمة لم ينهض دليل على ثبوت الكفارة بوجه.
(2) قد قدّمنا البحث عن التظليل مفصّلاً في أوّل محرّمات الاحرام لأجل شدّة الابتلاء به خصوصاً في هذه الأزمنة فلا مجال للإعادة.
(الصفحة 223)العشرون: اخراج الدم من بدنه ولو بنحو الخدش أو السواك، وامّا اخراجه من بدن غيره كقلع ضرسه أو حجامته فلا بأس به كما لابأس باخراجه من بدنه عند الحاجة والضرورة، ولا كفارة في الادماء ولو لغير ضرورة 1 .
(1) قال المحقق في الشرايع في عداد محرّمات الاحرام: «واخراج الدّم إلاّ عند الضرورة وقيل يكره وكذا قيل في حكّ الجسد المفضى الى ادمائه وكذا السّواك والكراهة أظهر» وحكى في الجواهر حرمة اخراج الدم عن المقنعة وجمل العلم والعمل والنهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والاقتصاد والكافي والغنية والمراسم والسرائر والمهذب والجامع مع اضافة قوله: على ما حكى عن بعضها وعليه فالشهرة انّما هي على الحرمة والمراد من القائل بالكراهة الذي اشار اليه المحقق في عبارته المتقدمة هو الشيخ في الخلاف لكن مورده الاحتجام وعن المصباح ومختصره كراهيته والفصد والكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:
المقام الاوّل: في عنوان الادماء واخراج الدم من نفسه بنحو الاطلاق فنقول الدليل على حرمته عدّة روايات:
منها صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال باظافيره مالم يدم أو يقطع الشعر(1) . فان المتفاهم العرفي منها انّ حكّ الرأس بالاظافير اذا اتّصف بالادماء وتعقبه خروج الدم يكون محرّماً من جهة الادماء واخراج الدم لا من جهة كون حكّ الرأس متعقّباً بخروج الدم، كما ان الأمر كذلك بالاضافة الى قطع الشعر الذي عرفت انه من الاُمور المحرّمة على المحرم ولا فرق بين ان يكون موجبه حكّ الرأس أو شيئاً آخر غيره، فهذه الرواية تامة من حيث السند والدلالة.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح1.