(الصفحة 227)
الطائفة الاولى: ما ظاهره المنع في صورة الادماء مثل:
صحيحة الحلبي قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يستاك ؟ قال: نعم ولا يدمي(1) .
الطائفة الثانية: ما ظاهره الجواز في الصورة المذكورة مثل:
صحيحة علي بن جعفر ـ في كتابه ـ عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك ؟ قال: لا بأس ولا ينبغي ان يدمى فيه(2). بناء على كون قوله: لاينبغي، ظاهراً في الكراهة المقابلة للحرمة وامّا لو كان المراد به الحرمة فيما لم يقم دليل على خلافها فهذه الرواية تصير من جملة الطائفة الاولى كما انه لو قيل بان المراد به هو الأعم من الكراهة والحرمة لكانت صحيحة الحلبي قرينة على ان المراد بها خصوص الحرمة كما انه على القول الاوّل تصير هذه الرواية قرينة على ان المراد بقوله: ولا يدمي في الصحيحة المزبورة هي الكراهة.
وصحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) في المحرم يستاك؟ قال: نعم، قلت: فان أدمى يستاك؟ قال: نعم هو من السنّة(3). وفي الوسائل ان الكليني (قدس سره) بعد نقل الرواية بهذه الكيفية عن معاوية بن عمار، قال: قال الكلينى : وروى ايضاً لايستدمي.
واحتمل ان يكون: روى بصيغة المعلوم فيكون ضمير الفاعل راجعاً الى معاوية بن عمّار وعليه فمقتضاه كون الرواية مسندة بنفس السند المذكور قبله واللازم ـ ح ـ ان
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح5.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والتسعون، ح1.
(الصفحة 228)
يقال بان موضع «لايستدمي» مكان الجواب عن السؤال الثاني وهو قوله: نعم هو من السنّة فتدلّ الرواية على عدم جواز الاستدماء والظاهر انه لا فرق بينها وبين الادماء المذكورة في السؤال.
ولكن الظاهر ان هذا الاحتمال في غاية الضعف وذلك لأنّه عليه كان اللازم التصريح بكون معاوية روى ذلك بهذا السند كما انه كان اللازم بيان محلّ قوله: لايستدمي بل الرواية مرسلة على نقل الكليني والظاهر ان مراده هي صحيحة الحلبي المتقدمة غاية الأمر ان الشيخ رواها مسندة والكليني مرسلة.
وكيف كان فالمعارضة متحققة بين الطائفتين ولا سبيل الى الجمع الدلالي المخرج لهما عن عنوان المتعارضين وحيث ان الاولى موافقة للشهرة الفتوائية حيث ان جملة من الاصحاب وان اقتصروا على ذكر بعض العناوين كالاحتجام وحكّ الجسد والاستياك ونحوها إلاّ ان المشهور على ما عرفت في أوّل البحث حكموا بحرمة مطلق الادماء من أي طريق تحقق، وعبارة الشرايع المتقدمة التي استظهر فيها الكراهة تحتمل ان تكون راجعة الى العنوانين لا الى عنوان الادماء على سبيل الاطلاق كما فسرها بذلك ابتداء صاحب الجواهر وهو الظاهر وان احتمل في ذيل كلامه رجوعها الى المطلق فاللازم الأخذ بالطائفة الناهية والحكم بحرمة الاستياك مع الادماء.
العنوان الثالث: حكّ الجسد المؤدّي الى ادمائه وقد اقتصر عليه في محكى الاقتصاد والكافى.
ويدلّ على حرمته صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحكّ رأسه؟ قال: باظافيره مالم يدم أو يقطع الشعر(1) .
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح1.
(الصفحة 229)
ورواية عمر بن يزيد التي في سندها ابنه محمد وهو لم يوثق عن ابي عبدالله (عليه السلام)قال: لابأس بحكّ الرأس واللحية مالم يلق الشعر وبحكّ الجسد مالم يدمه(1) .
ولا ينافيهما رواية زرارة قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) هل يحكّ المحرم رأسه ويغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه مالم يتعمّد قتل دابة الحديث(2). بعد كون اطلاقها محمولاً على صورة عدم الادماء خصوصاً مع كون الغالب عدم ايجاب حكّ الرأس لادمائه كما لا يخفى.
العنوان الرابع: عصر الدّمل وقد وردت فيه صحيحة معاوية بن عمّار انه سأل ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يعصر الدّمل ويربط عليه الخرقة فقال: لا بأس(3). ومقتضى اطلاق السؤال وترك الاستفصال وان كان هو عدم الفرق بين صورة خروج الدم وصورة عدمه خصوصاً مع كون عصر الدمل يتعقبه خروج الدم ايضاً غالباً إلاّ ان الرواية محمولة على صورة الضرورة للتأذي ببقاء الدّمل على حاله وعدم عصره بقرينة ما تقدم من الروايات.
العنوان الخامس: الجرب وقد وردت فيه موثقة عمّار بن موسى عن ابي عبدالله (عليه السلام)قال سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال: يحكّه فان سال الدم فلا بأس(4).
وامّا قلع الضرس فهو من محرمات الاحرام وقد وقع البحث فيه مستقلاً وسيأتي انشاء الله تعالى.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح4.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السبعون، ح1.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والسبعون، ح3.
(الصفحة 230)الواحد والعشرون: قلم الاظفار و قصّها ـ كلاًّ أو بعضاً ـ من اليد أو الرجل من غير فرق بين آلاته كالمقراضين والمدية ونحوهما، والأحوط عدم ازالته ولو بالضرس ونحوه، بل الأحوط عدم قصّ الظفر من اليد الزائدة أو الاصبع الزائد وان لايبعد الجواز لو علم انّهما زائدان 1 .
ثم انه لم ينهض دليل على ثبوت الكفارة في الادماء وان حكى عن الدروس ان فدية اخراج الدم شاة وحكاه عن بعض اصحاب المناسك وعن الحلبي في حكّ الجسم حتى يدمي مدّ طعام مسكين لكن لم يعرف الدليل المعتبر على شيء منهما.
(1) الظاهر انه لا اشكال ولا خلاف في اصل الحكم وفي الجواهر بعد نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الاجماع بقسميه عليه قال: بلى في المنتهى والتذكرة نسبته الى علماء الامصار.
والأصل في المسألة النصوص المتعددة الواردة فيها وهي على طائفتين:
الطائفة الاولى: ما تدلّ لعى حرمة القصّ أو وجوب الابقاء بالمطابقة مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار التي رواها الشيخ (قدس سره) عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل المحرم تطول اظفاره قال: لايقصّ شيئاً منها ان استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصّها «فليقلمها خ ل» وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام(1) .
قال في الوسائل بعد نقل الرواية: ورواه الصدوق في المقنع مرسلا.
ولكنه رواه في باب آخر عن الصدوق مسنداً بسند صحيح مع اضافة قوله في السؤال: أو ينكسر بعضها فيؤذيه(2).
ودلالتها على حرمة القصّ بالمعنى الأعم الشامل لمطلق الإزالة والقطع ظاهرة
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والسبعون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثاني عشر، ح4.
(الصفحة 231)
خصوصاً لو فرض كون التعبير في صورة الايذاء بالقلم كما في بعض النسخ كما ان دلالتها على حرمة قصّ شيء من الاظفار ايضاً كذلك وعليه فتدلّ على حرمة قصّ ظفر أصبع واحد بل بعضه والاستطاعة المأخوذة في لسان الدليل يكون المراد هي الاستطاعة العرفية كسائر العناوين المأخوذة في الادلّة والظاهر انّ مقابلتها مع الأذية تقتضي ان لايكون المراد بالأذية مطلقها الشامل لما اذا كانت قابلة للتحمل عادة ولا تكون موجبة للعسر والجرح بل خصوص الأذية غير القابلة لذلك الواقعة في مقابل الاستطاعة العرفية وكيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على الحرمة بالمطابقة.
وموثقة اسحاق بن عمّار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن رجل أحرم فنسي ان يقلّم اظفاره، قال: فقال يدعها قال قلت انّها طوال قال وان كانت قلت فان رجلاً أفتاه أن يقلّمها ويغتسل ويعيد احرامه ففعل قال: عليه دم(1) .ورواه صاحب الوسائل في موضع آخر(2) وقد توهم لأجله انّهما روايتان مع وضوح انّهما رواية واحدة خصوصاً مع عدم الاختلاف بينهما في العبارة إلاّ يسيراً كتوصيف الرجل المفتى بكونه من أصحابنا ومثل ذلك.
وظاهر ان مرجع الضمير وان كان هو المحرم الذي قلّم اظفاره استناداً الى فتوى الرجل الذي هو من اصحابنا إلاّ ان الظاهر كون المراد منه هو الرجل المفتى لوجهين:
الاوّل دلالة الروايات المتعددة على نفي ثبوت الكفارة في المقام بالاضافة الى الناسي والساهي والجاهل وسيأتي التعرض لبعضها ومن المعلوم كون المحرم في مورد الرواية جاهلاً واستند في عمله الى فتوى المفتى.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والسبعون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثالث عشر، ح2.