(الصفحة 25)
الرواية أربع روايات أوردها في باب واحد والذي دعاه الى ذلك الاقتصار في اثنتين منهما على صدر هذه الرواية وفي الثالثة على ذيلها مع ان الراوي عن معاوية في اثنتين هو صفوان مع فضالة أو مع ابن ابي عمير وفي الآخرتين هو ابراهيم النخعي ومن الواضح هي الوحدة المشتملة على ما نقلنا.
و
منها: موثقة ابن ابي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الطيب: المسك والعنبر والزعفران والعود(1) .
و
منها: موثقة عبدالغفار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: الطيب: المسك والعنبر والزعفران والورس...(2) وقد رواها في الوسائل في ابواب تروك الاحرام عن الشيخ بهذا النحو ولكنه رواها في ابواب آداب الحمام عن الكليني وفيها العود مكان(3) الورس...
والظاهر كما مرّ ان هذا النحو من التعبير ناظر الى الحكم المترتب على الطيب في الشريعة وهو ليس إلاّ الحرمة الاحرامية المعهودة بين المسلمين فضلاً عن المؤمنين ولسانه لسان الحكومة وانّ الطيب المحرّم على المحرم وان كان مذكوراً بنحو الاطلاق في دليل التحريم أي الدليل المحكوم لكن المراد به خصوص الأنواع الأربعة.
وقد اشترك جميع هذه الروايات في ان المراد هي أربعة أنواع لكن الاختلاف بينها انّما هو في النوع الرابع وانه هل هو الورس أو العود فمقتضى رواية معاوية بن عمّار ورواية عبدالغفار على أحد نقليها ان الرابع هو الورس ومقتضى رواية ابن أبي يعفور ورواية عبدالغفار على النقل الآخر ان الرابع هو العود.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح15.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح16.
- (3) ابواب آداب الحمام، الباب السابع والتسعون، ح2.
(الصفحة 26)
وعلى أيّ حال فهذه الروايات مختلفة من هذه الجهة.
وربما يُقال كما قاله جملة من المحققين بانه لاتعارض بينها في الحقيقة لأن دلالة كل من الطرفين على حرمة خصوص المذكورات فيها انّما هي بالصراحة وعلى عدم حرمة ما عداها انّما هي بالظهور فيتصرف في ظهور كل منهما بنصّ الآخر بمقتضى قاعدة حمل الظاهر على الأظهر أو النص فان صحيحة معاوية بن عمّار وان كانت مشتملة على اداة الحصر ومتعرضة لعنوان الأربعة مضافاً الى كون الأنواع المذكورة فيها أربعة إلاّ ان كل ذلك لايوجب صراحتها في عدم حرمة عنوان خامس غير العناوين الأربعة المذكورة فيها بل مقتضى الوضع وكون كلمة «انّما» موضوعة للحصر لايتجاوز عن الظهور كظهور الأسد في معناه الحقيقي المستند الى الوضع وكذا عنوان «الأربعة» وعدّ العناوين كذلك فان شيئاً منهما وكذا المجموع لايوجب الصراحة في نفي الخامس بل لايكون في البين إلاّ مجرّد الظهور، وكذا الروايتان الآخرتان فانهما وان كانتا بلسان الحكومة وناظرتين الى تفسير عنوان الطيب الذي وقع متعلقاً للحرمة الاحرامية في أدلّة التحريم إلاّ ان دلالتهما لاتبلغ حدّ الصراحة في جانب النفي وان كانت صريحة بالاضافة الى جانب الاثبات فمقتضى الجمع هو الحكم بكون المحرّم هو العناوين الخمسة.
ومن أضاف اليها الكافور فمستنده ما دلّ عل يمنع الميّت المحرم منه فالحيّ أولى وان كان مخدوشاً لمنع الأولوية فان المحرم اذا عرض له الموت لايبقى له وصف المحرمية بوجه بل الظاهر انه حكم تعبدي لايجوز التعدّي عن مورده.
هذا ويمكن المناقشة في الجمع المذكور بعدم كونه مقبولاً عند العقلاء والعرف موجباً لخروج الطرفين عن عنوان المتعارضين الذي هو الموضوع في الأخبار العلاجية
(الصفحة 27)
مثل مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة.
نعم ما يترتب على الجمع المزبور هو وجود الضعف في دلالة هذه الأخبار في مقابل الأخبار الدالة على حرمة مطلق الطيب ولابد من ملاحظتها ايضاً ثم النظر فيما يقتضيه الجمع فنقول:
منها: صحيحة محمد بن اسماعيل ـ يعني ابن بزيع ـ قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام)كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من ريحه(1) .
والظاهر انه لايستفاد منها حرمة الطيب بنحو الاطلاق لأنّ الحاكي لفعل الامام (عليه السلام)هو الرّاوي لا امام آخر حتى يمكن التمسك باطلاق كلامه في مقام الحكاية اذا كان بصدد بيان الحكم كما نبهّنا عليه مراراً ومن الظاهر ان الطيب المكشوف بين يدي الامام (عليه السلام) كان نوعاً خاصاً فلا دلالة لهذه الرواية على الاطلاق.
ومنها رواية سدير قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لاينبغي أن يأكل شيئاً فيه زعفران، ولا شيئاً من الطيب...(2) وفي نسخة من الوسائل: ولا يطعم شيئاً من الطيب والظاهر ان «لا» في هذه النسخة للنهي لا زائدة وعلى كلتا النسختين فلا شبهة في كون المراد لاينبغي هي الحرمة لحرمة الزعفران.
ومنها رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تمسّ ريحاناً وأنت محرم، ولا شيئاً فيه زعفران ولا تطعم طعاماً فيه زعفران(3). ونقل مثلها عن الشيخ في الوسائل وجعلهما روايتين وأوردهما في باب واحد.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني عشر، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح3.
(الصفحة 28)
ومنها مرسلة حريز عمّن أخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذّذ به ولا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته(1) .
وقد رواها في الوسائل عن الكليني هكذا ولكنه رواها عن الشيخ مسنداً وجعلها رواية اُخرى أورد كلتيهما في باب واحد مع وضوح وحدة الرواية وكون الاختلاف في المتن يسيراً جدّاً حيث لاتكون الرواية الثانية مشتملة على قوله: ولا بريح طيبة وذكر فيها مكان «قدر سعته»: بقدر شبعه يعني من الطعام، والظاهر ان قربهما في الكتابة يوجب الظن بكون أحدهما تصحيف الآخر.
ومنها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث ان المرأة المُحْرِمة لاتمسّ طيباً(2). ومن الواضح عدم اختصاص الحكم بالمرأة المحرمة لأنه لا قائل بالفرق بينها وبين الرجل في هذا الحكم والمناقشة في السند باعتبار اشتماله على سهل بن زياد مدفوعة بكون استناد المشهور الى مثلها جابراً لضعفها.
ومنها رواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال اذا كنت متمتعاً فلا تقرّبنّ شيئاً فيه صفرة حتى تطوف بالبيت(3). والظاهر ان المراد من الصفرة الزعفران والورس ولا تشمل الرواية غيرهما.
ومنها رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله ـ عزّوجلّ ـ: ثم ليقضوا تفثهم قال: التفث حفوف الرجل من الطيب فاذا قضى نسكه حلّ له الطيب(4).
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح6.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح7.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح12.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح17.
(الصفحة 29)
والمراد من الحفوف بعد العهد بسبب الاحرام من تطييب الرجل الذي كان معمولاً في تلك الأزمنة وعليه فالمراد من الآية انه بعد قضاء مناسك الحج يجوز لهم العود الى ما كانوا عليه والرواية ظاهرة في حرمة الطيّب حال الاحرام وان حليته متوقفة على قضاء النسك.
ومنها مرسلة الصدوق المعتبرة قال: وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) اذا تجهّز الى مكّة قال لأهله: ايّاكم ان تجعلوا في زادنا شيئاً من الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعمه(1) . ولكنه، حيث يكون الحاكي لفعل الامام (عليه السلام) هو غيره من الرواة فلا دلالة في الحكاية على كون العلّة في النهي هي حرمة الطيب مطلقاً ومن الممكن ان يكون بعض أنواعه مكروهاً غير محرّم عنده (عليه السلام) وكانت الكراهة هي العلّة في النهي كما لايخفى.
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسياً فلا شيء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه(2). وهذه الرواية من أحسن الروايات التي يمكن الاستدلال بها للمشهور ولا مجال لحملها على الكراهة بوجه حيث انّها لاتجتمع مع ثبوت الكفارة خصوصاً كفارة الدّم.
ومنها رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل مسّ الطيب ناسياً وهو محرم قال: يغسل يده ويلبيّ(3).
والسؤال ظاهر في كون حرمة الطيب على المحرم مفروغاً عنها عند السائل وانما السؤال عن خصوص حال النسيان والجواب تقرير له، مضافاً الى ظهوره في وجوب
- (1) ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح18.
- (2) الوسائل، ابواب بقيّة كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح1.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح2.