(الصفحة 253)
الجهة الثانية: في محدودة المستثنى في هذا المورد فنقول:
انّ المحقق في الشرايع جعل عنوان المستثنى قوله: إلاّ ان ينبت في ملكه، والظاهر انّ مراده استثناء ما اذا كان الشجر أو الحشيش نابتاً في الأرض التي هي ملكه وظاهره كونه مالكاً لعينها فلا يشمل المستأجر الذي لايكون مالكاً إلاّ للمنفعة وكذا الأرض المباحة أو المغصوبة بطريق أولى، واحتمال كون مراد المحقق من العبارة المذكورة جعل «ملكه» فيها مصدراً على معنى كون النبات في ملكه في مقابل المغصوب ونحوه في غاية البعد ولا مجال لحملها عليه.
وامّا المتن فقد وقع فيه التفصيل بين ما نبت في داره ومنزله بعدما صارت داره ومنزله فان غرسه وأنبته بنفسه جاز قلعهما وقطعهما وبين ما لو اشترى داراً فيه شجر وحشيش فلا يجوز له قطعهما ـ وبطريق أولى قلعهما ـ وفي الصورة الأولى فيما اذا لم يغرس الشجر بنفسه ولم ينبت الحشيش كذلك جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي في الاول الترك ومقتضى الاحتياط الوجوبي في الثاني الترك واللازم ملاحظة النصوص الواردة في هذا المجال فنقول:
عمدتها صحيحة حريز المتقدمة وظاهره ان عنوان المستثنى كون الانبات أو الغرس مستنداً اليه من دون فرق بين ما اذا كان بالمباشرة أو بالتسبيب وكذا من دون فرق بين ان يكون النبات أو الشجر ملكاً له أو مباحاً أو مغصوباً وكذا من دون فرق بين ما اذا كان المحلّ الذي ينبته فيه أو يغرسه ملكاً له أو مباحاً أو مغصوباً فانه في جميع هذه الموارد يصحّ الاسناد اليه حقيقة.
ومنها رواية حمّاد بن عثمان التي رواها الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله عن محمّد بن الحسين بن ابي الخطّاب عن محمد بن يحيى عنه قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام)
(الصفحة 254)
عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها، وان كانت طريّة عليه فله قلعها(1) . والرواية ضعيفة بمحمد بن يحيى لأن الظاهر ان المراد به هو محمد بن يحيى الصيرفي الذي وقع التصريح به في سند الرواية الآتية وهو مجهول وامّا من حيث الدلالة فموردها قلع الشجرة ولا تعرض فيه للحشيش ولكنها عامة من جهة عدم الاختصاص بالدار والمنزل للتصريح بالمضرب الذي معناه هو محلّ ضرب الخيمة والفسطاط كما انّها عامة من جهة جعل المناط في جواز القلع كون الشجرة طارئة على بناء الدار ـ مثلاً ـ من دون فرق بين ان يكون غرسها مستنداً اليه وبين غيره.
ومنها رواية اُخرى لحمّاد بن عثمان التي رواها الشيخ أيضاً باسناده عن سعد بن عبدالله عن محمد بن الحسين عن ايوب بن نوح عن محمد بن يحيى الصيرفي عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له ان يقلعها، وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها(2). وليس فيها تعرض لغير المنزل كما ان ذيلها ظاهر في ان اضافة المنزل اليه اضافة ملكيته الظاهرة في ملكية العين كما ان المراد من قوله (عليه السلام): وان كانت نبتت ليس هو النبات بنفسها حتى يخرج ما اذا كان انباتها مستنداً الى مالك الدار بل المراد هو لحوق نباتها على بناء الدار وطروه عليه في مقابل السبق.
هذا والعجب من صاحب الوسائل حيث جعلهما روايتين تبعاً للشيخ في التهذيب مع انه من الواضح وحدة الرواية خصوصاً بعد كون الراوي عن حمّاد في كلتيهما هو
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح2 .
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح3.
(الصفحة 255)
محمد بن يحيى الصيرفي وأعجب من ذلك انه أورد صاحب الوسائل في نفس هذا الباب رواية ثالثة لحمّاد بن عثمان قد رواها الكليني عن الحسين بن محمّد عن معلى بن محمّد عن الحسن بن علي الوشاء عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّ الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم قال: ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له ان يقعلها، وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقعلها(1) . مع وضوح انّها ايضاً لاتكون رواية اُخرى بل هي بعينها رواية حمّاد غاية الأمر ان الكليني قد رواها باسناده عنه وسنده ايضاً ضعيف.
نعم هنا رواية موثقة لاسحاق بن يزيد انه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يدخل مكّة فيقطع من شجرها، قال: اقطع ما كان داخلاً عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك(2).وقد رواها الصدوق باسناده عنه وفي سنده علي بن الحسين السعد آبادي وهو موثق بالتوثيق العام لوروده في اسناد كتاب كامل الزيارات وهو حجّة مالم يعارضه قدح خاص والفقرة الاولى وان كانت خالية عن ذكر المنزل إلاّ ان التعرض له في الذيل قرينة على كون المراد من الصدر أيضاً ذلك وان كان يحتمل ان يكون ذكر المنزل باعتبار كونه ملكاً له نوعاً من دون ان يكون له خصوصية.
وكيف كان فهذه الروايات الأخيرة واردة في الشجرة وليس في شيء منها التعرض للحشيش بخلاف صحيحة حريز الواردة في مورد كل ما ينبت في الحرم الشامل لكليهما والظاهر ان منشأ التفصيل المذكور في المتن بينهما هي هذه الجهة مع ان الظاهر عدم خصوصية بنظر العرف للشجرة المذكورة في هذه الروايات وشمول حكمها للحشيش ايضاً وعليه فلا مجال للاحتياط الوجوبي بالاضافة اليه.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح8.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح6.
(الصفحة 256)
وامّا العنوان المستثنى فالظاهر انّ مقتضى الجمع بين صحيحة حريز وبين سائر الروايات الواردة في هذا المقام التي لايبعد دعوى انجبارها باستناد المشهور اليها ولذا نفى صاحب الجواهر (قدس سره) وجدان خلاف محقق بالاضافة الى الدار أو المنزل ويبعد كون مستندهم خصوص الموثقة بعد عدم ذكر «المنزل» في الفقرة الاولى خصوصاً بعدما عرفت من الاحتمال المتقدم في ذكر المنزل في الفقرة الثانية ودعوى ان ذكر عنوان «المنزل» في غير الموثقة من سائر الروايات قد وقع في مورد السؤال وهو لايدلّ على ثبوت مدخليّة له، مدفوعة بان التعرض في كلام السائل وان كان لا دلالة له على ذلك إلاّ أن توصيف المنزل في بعضها بقوله (عليه السلام): وهو يدلّ على ثبوت خصوصية من هذه الجهة.
وكيف كان فالظاهر ان مقتضى الجمع هو الالتزام بان العنوان المستثنى هو أحد أمرين على سبيل منع الخلّو امّا ان يكون انبات الشجر أو الحشيش مستنداً اليه ومضافاً بنفسه لا في مقابل التسبيب بل في مقابل ما اذا أنبته الغير أو نبت بنفسه من دون فرق بين ان يكون في ملكه فضلاً عن منزله وداره وبين ان يكون في ملك الغير أو في أرض مباحة، وامّا ان يكون الشجر والحشيش نابتاً في ملكه بعدما صار ملكه من دون فرق بين المنزل والدار وبين مثل المزرعة سواء كان نباتهما بانباته أو بنفسهما كما لايخفى.
المورد الثاني: شجر الفواكه والنخيل سواء أنبته الله أو الآدمي وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر ثم قال: بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب كما عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه.
والأصل في ذلك روايتان:
أحداهما مارواه الشيخ بسند فيه الطاطري ـ الذي هو واقفي ولكنّه ثقة كما ذكرنا
(الصفحة 257)
سابقاً عن سليمان بن خالد، والصدوق بسند صحيح عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: لاينزع من شجر مكّة شيء إلاّ النخل وشجر الفاكهة(1) .
ثانيتهما مرسلة عبدالكريم عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لاينزع من شجر مكّة إلاّ النخل وشجر الفاكهة(2). وقد استدلوا بهاتين الروايتين على جواز قلع شجرة النخل والفاكهة فضلاً عن القطع وعن قطع بعض أغصانه وأوراقه وفاكهته وقد صرّح المحقق بجواز القلع مع انه من المستبعد جدّاً أن يكون اشتمال الشجرتين على الفاكهة والنخل موجباً لجواز قلعهما في مقابل الشجرة التي لايترتب عليها أثر إلاّ مجرد الخضروية والاشتمال على الظلّ الموجودين في شجرة الفاكهة مع اضافة الفاكهة ويغلب على الظن بمقتضى التأمّل في الروايتين المشتملتين على ذكر عنوان «النزع» مع ضمّ كلمة «من» ان المراد جواز النزع من الشجرتين الراجع الى جواز نزع ثمرتهما لكونهما موضوعتين لذلك ولازمه جواز نزع الأغصان الزائدة المانعة عن الاثمار أو كماله وبالجملة لا دلالة في شيء من الروايتين على جواز قلع الشجرة المثمرة أو قطعها على ما هو ظاهر المتن تبعاً للمشهور والاحكام المرتبطة بمسائل الحرم والمناسك وان كانت تعبدية محضة إلاّ ان الالتزام بها انّما هو في صورة قيام الدليل عليها ومع عدمه لا مجال للزوم التعبّد بها بوجه.
المورد الثالث الأذخر الذي هو نبات بريّ له رائحة طيبة ويدلّ على استثنائه صحيحة حريز المفصلّة المتقدمة في أوّل هذا الأمر(3). الدالة على انّ العبّاس عمّ
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح9.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والثمانون، ح1.