(الصفحة 259)
كون المراد من الاراك هي الشجرة الصغيرة لأنه هي الشجرة التي يؤخذ منها السواك وهي صغيرة. ومن الفداء هو الشاة.
لكنه قد استشكل في الروايه من جهة السند والدلالة معاً امّا من جهة السنّد فلأنّ في طريق الصدوق الى منصور بن حازم محمد بن علي ماجيلويه وقد وثّقه العلاّمة في الخلاصة ولا عبرة بتوثيقه فيها ومجرّد الشيخوخة لايوجب الوثاقة.
وامّا من جهة الدلالة فلأنه لا دليل على كون المراد بالفداء هي الشاة بل الظاهر من الفداء هو البدل كما هو الشايع في الاستعمالات الواردة في الآيات والروايات ومرجعه الى المثل في المثليات والقيمة في القيميات فالمراد من الفداء في الرواية هو ثمن الشجر وقيمته.
والجواب عن الأوّل مضافاً الى ان ضعف السند غير قادح في مثل المقام مما كانت الرواية الضعيفة مورداً لاستناد المشهور اليها والى ما ذكره المستشكل في ذيل كلامه من انه قد يكون للصدوق طريقان الى كتب الاصحاب والرواة ومع ذلك لايذكر في مشيخة الفقيه إلاّ الطريق الذي يكون ضعيفاً ولا يذكر الطريق الآخر لكن الشيخ (قدس سره) في الفهرست أو في مشيخة التهذيب يتعرض لذلك الطريق الذي لايكون ضعيفاً والمقام من هذا القبيل.
انّ عدم العبرة بتوثيق العلاّمة في الخلاصة لا وجه له بعد وضوح ثبوت المستند له في التوثيق ولا يكون مجرّد الفصل الزماني الكثير بينه وبين الرواة مانعاً عن اعتبار توثيقه ضرورة ان هذا الفصل موجود في النجاشي والكشي بالاضافة الى أصحاب الباقر أو الصادق (عليهما السلام).
وعن الثاني ان الفداء وان كانت لغة بالمعنى المذكور إلاّ ان الظاهر كون المراد بها
(الصفحة 260)
في باب كفارات الحج هي الشاة دون البدل يعني المثل أو القيمة ويؤيده مضافاً الى فهم المشهور منه ذلك مع كون أكثرهم من أجلّة علماء الأدبيّة والمطلّعين على اللغة العربية انه لو كان المراد منه القيمة لما كان وجه للعدول عن التعبير عنها به خصوصاً مع ملاحظة التصريح بالثمن في الرواية الآتية الواردة في قطع الابعاض والظاهر ان كلمة الفداء في باب كفارات الحج انما هي كاطلاق كلمة «الدم» المنصرف الى خصوص دم الشاة كما مرّ مراراً وعليه فالاستناد الى الرواية لما ذهب اليه المشهور بالاضافة الى الشجرة الصغيرة تامّ لا مناقشة فيه.
ثانيتهما رواية سليمان بن خالد التي قد عرفت انّها موثقة على نقل الشيخ وصحيحة على نقل الصدوق عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يقطع من الاراك بمكّة قال عليه ثمنه يتصدّق به ولا ينزع من شجر مكّة شيئاً إلاّ النخل وشجر الفواكه(1) . وظاهرها ثبوت الثمن على بعض الشجر المقطوع من الاراك من أغصانه وفروعه لظهور الفرق بين قطع الاراك الظاهر في قطع الجميع كما هو مورد السؤال في الروايه المتقدمة حيث وقع التعبير فيه بقوله: فاقطعه وبين القطع من الاراك كما هو مورد السؤال في هذه الرواية فان ظاهره قطع بعضه من أغصانه وفروعه وعليه فدلالة الرواية على ثبوت كفارة القيمة في قطع ابعاض الشجرة ظاهرة ودعوى انّها تدلّ بالأولوية على ثبوت الكفارة في القلع يدفعها انه ان كان المراد الأولوية بالنسبة الى أصل الكفارة فهو واضح ولكنه لايستلزم كون الكفارة الثابتة فيه هو الثمن والقيمة ايضاً ومن الممكن ان تكون كفارته الشاة كما في الرواية السابقة وان كان المراد الاولوية بالنسبة الى خصوص كفارة الثمن فهو ممنوع جدّاً وكيف كان فدلالة الرواية على بعض مدّعي المشهور لا مجال للارتياب فيها
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن عشر، ح2.
(الصفحة 261)
بوجه.
ثالثتهما مارواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم قال روى اصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام)انه قال اذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع، فان أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين(1) . هذا وفي محكى التهذيب الذي هو مصدر الرواية وكل من حكى عنه ذكر فان أراد نزعها نزعها وكفّر....
هذا وقد استشكل بعض الاعلام (قدس سرهم) سنداً ودلالة في هذه الرواية التي وقع فيها التعرض للبقرة فقط ولا يكون في هذا المجال رواية دالة على ثبوت كفارة البقرة غير هذه الرواية.
امّا من جهة السند فقال: «انّ المراد باحدهما كما هو الشايع في كثير من الروايات هو الباقر والصادق (عليهما السلام) وموسى بن القاسم من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام) وله روايات عنهما وله رواية من بعض أصحاب الصادق (عليه السلام) كعبد الله بن بكير، ومن كان من اصحاب الجواد والرضا (عليهما السلام) كيف يمكن له الرواية من اصحاب الباقر (عليه السلام) ولا نحتمل انّه يروي مباشرة ومشافهة من أصحاب الباقر (عليه السلام) خصوصاً عن جماعة منهم لبعد الزمان فمن المطمئن به انه روى وسمع ممّن روى له رواية الأصحاب عن أحدهما (عليهما السلام) ويؤيد ما ذكرناه انه لو كان ما رواه رواية عنهم لقال موسى بن القاسم عن أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) فالتعبير بـ قال روى اصحابنا ظاهري الارسال».
والجواب عنه ـ مضافاً الى انّ غاية ما أفاده ثبوت الضعف في السند بسبب الارسال وهو لايقدح بناء على ما اخترناه من ان استناد المشهور الى رواية والفتوى على طبقها يجبر ضعف السند وتصير الرواية سبب الاستناد حجة معتبرة ـ انه قد ذكرنا مراراً ان
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن عشر، ح3.
(الصفحة 262)
مرسلات مثل الصدوق تكون على قسمين فان التعبير الواقع قد يكون بصورة الاسناد الى الرواية مثل قوله: روى وقد يكون بصورة الاسناد الى شخص الامام (عليه السلام) من دون واسطة وذكرنا ان القسم الثاني معتبر مع وصف الارسال لأنّ مرجعه الى توثيق الوسائط بنحو لايحتمل الكذب في روايتهم أصلاً ولذا يسند الى نفس الامام (عليه السلام) بقوله: وقال الصادق (عليه السلام) مثلا.
والظاهر ان المقام من هذا القبيل فان قول موسى بن القاسم: روى اصحابنا ظاهر في ثبوت الرواية قطعاً وان الواسطة لم يكن يجري فيه احتمال الكذب بوجه ولذا لم يتعرض له ولو بنحو الاجمال والابهام وبدونه يكون عدم التعرض للواسطة اغراء بالجهل غير الملائم لشأن الثقة ومن الظاهر ان التعبير باصحابنا بصورة الجمع انّما هو نظير «عدّة من اصحابنا» أو «غير واحد من أصحابنا من التعابير غير الملائمة مع كون الجميع ضعافاً فالانصاف انه لا مجال للمناقشة في الرواية من حيث السّند.
وامّا من جهة الدلالة فأورد عليها
أوّلاً بان مدلولها لزوم ذبح البقرة لمطلق الشجرة صغيرة كانت أو كبيرة وهذا ممّا لم يفت به أحد فظاهر الرواية معرض عنها.
و
ثانياً انّها تدلّ على وجوب الكفارة قبل القطع يعني اذا أراد قلع الشجرة كفّر أولاً بذبح بقرة ثم يقلعها فالقلع يكون جائزاً بعد التكفير مع انه غير جائز قطعاً هذا بناء على نسخة الوسائل وامّا بناء على نسخة التهذيب فلا يرد هذا الاشكال بل يرد اشكال آخر وهو انّها تدلّ على جواز القلع في نفسه ولكن مع التكفير فلا يكون القلع محرّماً وهذا مقطوع البطلان. والجواب عن الايراد الأوّل ظاهر فانّ الاطلاق انما يكون مقيّداً بسبب الروايتين المتقدمتين سيّما رواية منصور بن حازم الواردة في قطع شجر الاراك سواء قلنا بانّ المراد بالفداء فيها هو الشاة كما اخترناه أو القيمة كما هو مختاره (قدس سره) فانّه على أيّ
(الصفحة 263)
تقدير يكون مقيّداً لإطلاق هذه الرواية فلا مجال لدعوى كونها معرضاً عنها كما لايخفى.
وعن الايراد الثاني بناء على نقل التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّه مع دلالة صدر الرواية وظهورها في عدم جواز نزع شجر من شجر الحرم ومن الواضح انّ المراد من النزع المحرم هو النزع عن ارادة وقصد ضرورة انّ النزع غير الاختياري لايكون محرّماً قطعاً كيف يمكن ان يكون مفاد الذيل هو الحكم بالجواز مع ارادة النزع ولكن يجب ان يكفّر بعده بل كيف يجتمع الحكم بالجواز مع ثبوت الكفارة وقد مرّ مراراً ان الجواز الذي يجتمع مع الكفارة هو الجواز بحسب الحكم الثانوي كالتظليل الاضطراري أو لبس المخيط كذلك وامّا الجواز بحسب الحكم الأولي فلا يلتئم مع الكفارة بوجه ولذا استفدنا أصل حرمة جملة من محرمات الاحرام من طريق الحكم بثبوت الكفارة فيه كما تقدم.
وعليه فالمراد من التفريع انّه ان أراد النزع ومخالفة الحكم التحريمي لابد وان يتوجّه الى ان النزع لايكون مجرد معصية ومخالفة للحكم التحريمي بل يترتب عليه كفارة مهمة وهي ذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين وعليه فالمراد من قوله: نزعها، ليس الحكم بجواز النزع بل هو بيان للسبب الموجب للكفارة ومثل هذا التعبير شايع في الاستعمالات العرفية فانه ربما ينهي الوالدة ولده عن شيء ويقول بعده مخاطباً له ان خالفت ما نهيتك عنه فخالف ولكن انتظر للعقوبة المترتبة على مخالفتك ومن المعلوم انّ مرجع ذلك ليس الى جواز المخالفة بل كان ذكرها تمهيداً لبيان ما يترتب عليها من التبعات فالانصاف انه لا مجال للمناقشة في الرواية من حيث الدلالة أيضاً وعليه فينقدح تمامية التفصيل الذي أفتى به المشهور.