(الصفحة 297)
المترتبة عليه التي هي امر اعتباري موضوع لاحكام كثيرة تكليفية وجوبية وتحريمية وغيرهما ومن الواضح ان الامر الاعتباري امره دائر بين الوجود والعدم فامّا ان يكون متحققاً وامّا ان لا يكون كذلك ولا يجري فيه التبعض بان يكون ثابتاً في الجملة وغير ثابت كذلك نعم قد يكون بعض احكامه ثابتاً بعد انتفائه وارتفاعه ولكن لا دلالة له على ثبوت الموضوع في الجملة.
اذا عرفت ذلك نقول اِنّه في احرام الحج يتحقق الخروج عنه بالاتيان بمناسك منى يوم النحر ولا يبقى من الاحرام فيه شيء ولاجله يرتفع اكثر محرمات الاحرام فجواز لبس المخيط مثلاً بعد تلك المناسك ليس لاجل التخصيص في دليل حرمة لبس المخيط على الرجل المحرم وكذا ليس لاجل خروجه عن الاحرام بمثل هذا المقدار بل انّما هو لاجل خروجه عن الاحرام رأساً كما هو المرتكز في ذهن المتشرعة وبقاء حرمة الطيب المتوقف حليته على الطواف والسعي لا دلالة على بقاء الاحرام بوجه كما ان توقف حلية النساء على طوافهن لا يدلّ على بقاء الاحرام بالاضافة اليهن.
وعلى ما ذكرنا فلا مجال للشبهة في باب الحج في انّ ترك الطواف نسياناً لا يوجب بقاء الاحرام ولو في الجملة بل اللازم عند ارادة الرجوع الى الاتيان به ان يصير محرماً عند التجاوزعن الميقات كما في النائب الذي لم يكن محرماً بعد.
وامّا في عمرة التمتع التي هي محل البحث في المقام فحيث انّها لابد وان تتحقق قبل حجّه ولذا يعدل الى حج الافراد في موارد عدم امكان الاتمام لضيق الوقت او الحيض او مثلهما كما تقدم كما انه لابدّ وان يقع التحلّل من احرامها ثم الاحرام لحج التمتع في يوم التروية ـ مثلاً ـ فاذا قام الدليل على صحّتها مع نسيان طوافها وان كان يجب قضائه بعدها فاللازم ان يقال بخروجه عن احرامها ولو نسى طوافها والاّ يلزم احد
(الصفحة 298)
الامرين اللذين يكون كلاهما باطلين لانه لابد امّا ان يقال بعدم افتقار الحج الى احرام جديد وكفاية بقاء احرام العمرة لفرض نسيان طوافها او يقال بانّ المحرم يمكن له ان يحرم ثانياً مع وضوح لزوم احرام خاص في حجّ التمتع ولزوم حصول التحلل من احرام العمرة وعدم امكان الاحرام لمن يكون محرماً ومقتضى كلام صاحب الجواهر عدم كون الاحرام في عمرة التمتع في الجملة وبالنسبة الى بعض محرمات الاحرام لان الطواف في العمرة يغاير الطواف في الحج من حيث حصول التحلّل قبله في الحج بالنسبة الى كثير من محرّمات الاحرام وعدم حصول التحلل قبله في العمرة بوجه اصلاً.
وعلى ما ذكرنا فاذا تذكر في اثناء الحج انه ترك الطواف في عمرة التمتع فلا مجال لدعوى كونه محرماً باحرامين كما انه لا مجال لاحتمال كونه محرماً باحرام عمرة التمتع بل لا محيص عن الالتزام بحصول التحلل من عمرة التمتع بعد اقتضاء الدليل صحّتها وكونه محرماً باحرام الحج فاذا كان هذا التذكر بعد الرجوع الى بلده البعيد فهل هناك وجه لاحتمال كونه محرماً في الجملة حتى لا يجب عليه الاحرام عند التجاوز عن الميقات ولعمرى انّ هذا من الوضوح بمكان وعليه فلا فرق بين النائب وبين نفسه في لزوم الاحرام من الميقات عند التجاوز عنه.
ثم انه بعد الاحرام ودخول مكّة هل يكون مخيّراً بين تقديم قضاء الطواف المنسيّ وبين الاتيان باعمال العمرة المفردة ـ مثلاً ـ او يتعين الاوّل ذكر في الجواهر ان الاتيان به بعد اعمال العمرة احوط، والاقوى الاتيان به قبلها والظاهر ان مقتضى الاحتياط ايضاً الاتيان به قبلها للزوم رعاية الفورية في القضاء ولو احتياطاً وهذا بخلاف اعمال العمرة فانّها وان كانت لازمة الاتمام الاّ انه لا فورية فيها فتدبّر.
المقام الخامس قال المحقق في الشرايع: «من نسى طواف الزيارة حتى رجع الى
(الصفحة 299)
اهله وواقع قبل عليه بدنة والرجوع الى مكّة للطواف وقيل لا كفارة عليه وهو الاصحّ ويحمل القول الاوّل على من واقع بعد الذكر».
وحكى في الجواهر القول الاوّل عن الشيخ في محكىّ النهاية والمبسوط وابنى البرّاج وسعيد والقول الثاني عن الحلّي والفاضل والشهيدين بل عن بعض نسبته الى الاكثر وعليه فنسبة القول بثبوت البدنة الى الاكثر كما في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) لا تكون في محلّها ومورد النزاع ما اذا تحققت المواقعة لا مجرّد نسيان الطّواف والظاهر ان مراد القائلين بثبوت الكفارة ثبوتها على من واقع في حال النسيان لا بعد ارتفاعه وزواله وحصول الذكر ولذا حكى عن كشف اللثام ان عبارات المبسوط والنهاية والجامع لا تقبل ذلك يعنى الحمل المذكور في الشرايع.
وكيف كان فالعمدة ملاحظد الادلة العامّة والخاصّة فنقول قد استدل لنفي الكفارة مضافاً الى حديث رفع الخطأ والنسيان الدالّ على عدم الكفارة في مثل المقام ببعض الروايات الواردة في خصوص المجامعة مع الزوجة نسياناً في الحج مثل صحيحة زرارة المروية في محكى العلل عن ابي جعفر (عليه السلام) في المحرم يأتي اهله ناسياً قال لا شيء عليه انّما هو بمنزلة من اكل في شهر رمضان وهو ناس(1) .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصّادق (عليه السلام) في حديث: ان جامعت وانت محرم الى ان قال: وان كنت ناسياً او ساهياً او جاهلاً فلا شيء عليك(2).
هذا ولكن مقتضى ما تقدم منّا من التحقيق انّ نسيان الطواف سواء كان طواف الحج او طواف العمرة ووقوع المواقعة في حال النسيان ليس مواقعة في حال الاحرام
- (1) الوسائل، ابواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 7.
- (2) الوسائل، ابواب كفارات الاستمتاع، الباب الثاني، ح 5.
(الصفحة 300)
بوجه بل الناسي للطواف قد خرج عن الاحرام بالمرّة وان وجب عليه قضائه بعداً نظير السجدة الواحدة المنسيّة او التشهد المنسي فانه وان كان يجب الاتيان بهما لكن ظرف ايقاعهما بعد الصلوة والفراغ منها وبعنوان القضاء فالرواية بمدلولها المطابقي لا دلالة لها على حكم المقام لوقوع المواقعة في غير حال الاحرام الاّ ان يقال بالدلالة على عدم ثبوت الكفارة فيما نحن فيه من طريق الاولوية ولكنه انما يتم على تقدير عدم نهوض دليل على ثبوت الكفارة في خصوص المقام.
وامّا القول بثبوت الكفارة فعمدة مستنده صحيحة على بن جعفر المتقدمة عن اخيه (عليه السلام)قال سئلته عن رجل نسى طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النّساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدى ان كان تركه في حج بعث به في حجّ وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه(1) . قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ (قدس سره): «ورواه الحميري في قرب الاسناد عن عبداللّه بن الحسن عن جدّه على بن جعفر (عليهما السلام) الاّ انه قال: فبدنة في عمرة» وظاهر الاخيرة ثبوت البدنة في خصوص العمرة التي هي محل البحث فعلاً لكن في الطريق عبدالله بن الحسن وهو ضعيف وحكى عن البحار: انه يبعث ببدنة وظاهره ثبوت البدنة في الحج والعمرة معاً لكن الظاهر ان طريق البحار ايضاً هو نفس طريق قرب الاسناد الذي عرفت انه ضعيف وكيف كان فالظاهر انّ مورد السؤال هو وقوع المواقعة في حال النسيان لا بعد زواله وارتفاعه ولا وجه لحمله على خلاف ظاهره وربما يستدل على ثبوت الكفارة بالروايتين المتقدمتين الواردتين في الجاهل خصوصاً رواية على بن ابي حمزة بناءً على نقل الصّدوق حيث روى بدل: جهل ان يطوف، سهى ان يطوف.
- (1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح 1.
(الصفحة 301)
ولكن من الواضح عدم صحة هذا الاستدلال لانّ الجاهل لا يشمل الناسي خصوصاً بعد ما عرفت من ثبوت الفرق بينهما من جهة ان النسيان لا يوجب البطلان بخلاف الجهل ولذا ورد في الجواب فيهما لزوم اعادة الحج مضافاً الى البدنة مضافاً الى ضعف سند الرواية الثانية بعليّ بن ابي حمزة.
كما انه قد يستدل بصحيحة معاوية بن عمّار قال سئلت ابا عبدالله (عليه السلام) عن متمتع وقع على اهله ولم يزر قال ينحر جزوراً وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالماً وان كان جاهلاً فلا شيء عليه وسئلته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة وان كان جاهلاً فلا شيء عليه(1) . وحكاه في الجواهر في صدر كلامه في الصورة الاولى مكان فلا شيء عليه، فلا بأس به ولكنه حكى عن المدارك في ذيل كلامه مثل ما في الوسائل ولكن الظاهر مضافاً الى ظهور الرواية في طواف الحج وعدم شمولها لعمرة التمتع انّه لا دلالة لها على حكم الناسى خصوصاً بعد كون النسيان في العمرة غير موجب لبطلانها بحيث تجب الاعادة من قابل بخلاف الجهل الذي عرفت ان الترك معه يوجب بطلان العمرة ولزوم الحج من قابل وعليه فيمكن ان يكون الحكم في النسيان ثبوت الكفارة مكان الاعادة من قابل بخلاف الجهل الموجب للبطلان مضافاً الى دلالة الروايتين المتقدمتين الواردتين في الجاهل الدالتين على لزوم كلا الامرين.
وكيف كان فالعمدة في المقام هي صحيحة على بن جعفر الدالة على ثبوت كفارة الهدي الشامل للشاة ايضاً ولم تثبت شهرة على خلافها حتى يرفع اليد بسببها عنها غاية الامر نسبة القول بعدم الكفارة الى الاكثر والنسبة مضافاً الى عدم ثبوتها يكون المنسوب
- (1) الوسائل، ابواب كفارات الاستمتاع، الباب التاسع، ح 1.