(الصفحة 381)
صحة الطواف في موردها ولكنه لا اشعار فيها بالاختصاص بما اذا كان المنسىّ شوطاً واحداً لوجود الفرق بين ما اذا كان المورد مفروضاً في كلام الامام (عليه السلام)وبين ما اذا كان مذكوراً في كلام السّائل حيث انه يجري في الاوّل احتمال الاختصاص دون الثاني نعم حيث انه وقع في جملة من الموارد التفصيل بين صورتي التجاوز عن النصف وعدمه لا يبقى مجال للاستناد اليها بالاضافة الى صورة عدم التجاوز ايضاً وامّا ما في ذيل الرواية من قوله (عليه السلام): يأمر من يطوف عنه فيجري فيه احتمال لزوم الاستنابة في جميع الطواف واحتمال لزوم الاستنابة في خصوص الشوط الواحد المنسي وقد عبّر عنه بالطوّاف في الرواية في الجملة السّابقة.
ثانيتهما موثقة اسحق بن عمّار قال قلت لابي عبدالله (عليه السلام) رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصّفا فطاف بين الصفا والمروة فبينما هو يطوف اذ ذكر انّه قد ترك بعض طوافه بالبيت قال: يرجع الى البيت فيتم طوافه ثم يرجع الى الصّفا والمروة فيتمّ ما بقى(1) . وكلمة «البعض» وان كانت مطلقة بحسب اللغة شاملة للجزء القليل والكثير من المركب المشتمل على اجزاء متعددة الاّ انّها بحسب العرف ظاهرة في الجزء القليل الذي يكون اقلّ من النصف نعم مقتضي اطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق في الحكم المذكور بين ما اذا خرج الى الصفا للسعي بعد الطواف بلا فصل او اخّر السّعي حيث انّه يجوز تأخيره عن الطواف الى الليل كما سيأتى.
هذا والرواية في المقام منحصرة بهاتين الرّوايتين وامّا صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال قلت رجل طاف بالبيت واختصر شوطاً واحداً في الحجر قال: يعيد
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الثاني والثلاثون ح ـ 2 .
(الصفحة 382)
ذلك الشوط(1) . فلا ترتبط بالمقام لان موردها، اذا طاف من داخل الحجر جهلاً منه بلزوم كون الطواف واقعاً خارجاً عن الحجر ومورد البحث في المقام هو النسيان ولا يجب فيه اعادة مجموع الشوط حتى الاجزاء الواقعة صحيحة وعليه فالرواية لا تكون من روايات المقام وان عدّها صاحب الجواهر منها.
وكيف كان فقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعد نقل الروايات المتقدمة ما لفظه: «قلت يمكن ان يكون مستند التفصيل المزبور فحوى ما تسمعه من النصوص في مسئلة عروض الحدث في الاثناء بل قد تقدم في بحث ان الحائض والنفساء اذا منعهما عذرهما عن اتمام العمرة يعد لان الى الافراد والقران من النصوص ما هو مشتمل على التعليل الشامل للمقام ففي خبر ابراهيم بن اسحاق عمن سئل ابا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت اربعة اشواط وهي معتمرة ثم طمثت قال: تتمّ طوافها فليس عليها غيره ومتعتها تامة فلها ان تطوف بين الصفا والمروة وذلك لانّها زادت على النصف وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحجّ(2). وخصوص المورد لا يقدح في عموم التعليل المؤيّد بما سمعت وفحوى ما تسمعه في المريض وغيره ممّا هو ظاهر في كون المدار في صحة الطواف تجاوز النصف وعدمه مضافاً الى فتوى الاصحاب».
هذا ولكن الظاهر ان دعوى توسعة دائرة التعليل وعمومها لمثل المقام مما يكون الاخلال بالطواف ونقصه من ناحية الجزء لامن ناحية الشرط مشكلة جدّاً بل يمكن ان يقال بانه لا دليل على العموم في ناحيه الشرط اذا كان الاخلال به اختياريّاً كما اذا احدث بعد التجاوز عن النصف اختياراً نعم فيما اذا عرض له الحدث من غير اختيار
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الواحد والثلاثون ح ـ 1 .
- (2) الوسائل ابواب الطواف الباب الخامس والثمانون ح ـ 4 .
(الصفحة 383)
سواء كان هو الاصغر والاكبر مثل الجنابة غير الاختيارية العارضة له بعد التجاوز عنه في الطواف يكون مقتضي عموم التعليل جريان الحكم فيه وامّا في مثل المقام فلا يحصل الاطمينان بالعموم المذكور ويمكن ان يقال بانّ ضمّ الروايتتين الواردتين في المقام مع ملاحظة انّ رواية ابن عطيّة وان كانت لا اختصاص له بخصوص ما اذا كان المنسىّ خصوص شوط واحد الاّ انّ الغاء الخصوصية منها ليس بمقدار يشمل ما اذا كان المنسىّ متجاوزاً عن النصف بل يشمل ما اذا كان شوطين او ثلاثة اشواط ورواية ابن عمّار يكون الظاهر من عنوان «البعض» المنسىّ من الطواف المتذكّر له في اثناء السعي هو البعض غير البالغ حدّ النصف على ما هو المتفاهم منه في الاستعمالات العرفية فانّ ضمّهما الى التعليل الذي يصلح لان يكون مؤيّداً وان كانت صلاحيته للاستدلال به مخدوشة على ما عرفت ينتج صحة التفصيل الذي ذهب اليه المشهور.
هذا ولكن بعض الاعاظم (قدس سره) على ما في تقريرات بحثه ناقش في الاستناد بعموم التعليل بوجوه عمدتها وجهان:
الوجه الاوّل ان التعليل الوارد في بعض روايات الحيض يكون بالتعبير بقوله (عليه السلام): لانّها زادت على النصف وقد بين في محلّه ان خبر انّ المفتوحة يؤول الى المصدر فيكون نظير قولنا اكرم زيداً لعلمه لا نظير قولنا اكرمه فانه عالم و ـ ح ـ يكون ملاكاً لا علّة والعلة التي يراد بها الموضوع يؤخذ بعمومها لان الحكم دائر مدارها وجوداً وعدماً بخلاف الملاك فان الحكم وان كان لا يمكن ان يكون بلا ملاك الاّ انه يمكن ان يكون الملاك موجوداً والحكم غير موجود لوجود مانع عنه نظير ان الصلوة لم تكن واجبة في صدر الاسلام مع كون الملاك ثابتاً فيها وذلك لوجود المانع وهذا بخلاف العلّة التي هي الموضوع فلا يمكن انفكاك الحكم عنها وجوداً وعدماً.
(الصفحة 384)
ويرد عليه انّ مرجع كلامه الى الفرق بين قوله: اكرم زيداً لانه عالم وبين قوله اكرم زيداً فانه عالم مع انه لا فرق بينهما في المتفاهم العرفي بوجه وان كان احدهما مع اللام وانّ المفتوحة والاخر مع الفاء وانّ المكسورة نعم يمكن قبول الفرق بين المثالين اللذين ذكرهما وامّا في المقام فَلا ويمكن ان يكون الاوّل الى المصدر المذكور في انّ المفتوحة لم يكن بمثابة ترجع الى كونه قائماً مقام المصدر في جميع الجهات وتمام الآثار فتدبر وكيف كان فالمناقشة في عموم التعليل من هذا الطريق لا تكون مقبولة بوجه.
الوجه الثاني تعارض عموم التعليل مع رواية حبيب بن مظاهر التي رواها عنه حمّاد بن عثمان قال: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطاً واحداً فاذاً انسان قد اصاب انفي فادماه فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لابي عبدالله (عليه السلام)فقال: بئس ما صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت ثم قال اما انه
ليس عليك شيء(1) . نظراً الى صراحتها في صحة الطواف مع قطعه لغسل انفه من الدّم مع انه لم يأت الاّ بشوط واحد فتخالف التعليل المذكور.
ولكنه اجاب عن هذا الوجه بضعف سند الرواية قال: فانه مع قطع النظر عن اصل اسناد الصدوق (قدس سره) الى حمّاد نقول: انه ضعيف بحبيب بن مظاهر فانه لو كان المراد به الشهيد بالطف فلا اشكال في وثاقته لكنه لم يكن في زمان ابي عبدالله (عليه السلام) وهذا الحديث مروّي عنه مع ان الراوي عنه هو حمّاد وهو كان في زمان ابي عبدالله (عليه السلام) فلا نعرف انّ حبيباً هذا من هو، الاّ ان يقال ان المراد من ابي عبدالله (عليه السلام) هو الحسين بن على (عليه السلام)(ولا جله وصفه صاحب الوسائل بالحسين في نقل الرواية) والمراد من
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الواحد والاربعون ح ـ 2 .
(الصفحة 385)
حبيب بن مظاهر هو الشهيد بالطف وان حماد بن عثمان في ذلك الزمان كان موجوداً وبقي الى زمان الصادق (عليه السلام) فهو من المعمرين ولكن مع ذلك كلّه هذا صرف احتمال لا يوجب تصحيح الخبر فيتعين طرحه لضعف سنده.
اقول: كما انه لا يجدي في تصحيح الخبر كون حمّاد من اصحاب الاجماع لما مرّ غير مرة من انّ كون الراوي من اصحاب الاجماع لا يراد به الاّ مجرد كونه مجمعاً على وثاقته وصحة روايته من حيث نفسه وامّا انه لا يحتاج الى النظر في حال من قبله في السّند فلا يستفاد من ذلك بوجه.
ويمكن ان يقال بانه على تقدير الصحة ايضاً لا تعارض بين الرواية والتعليل بعد كون مورده الحدث والرواية واردة في الخبث وعليه فالعمدة في مستند المشهور ما ذكرنا.
بقي الكلام في المسئلتين في امرين:
الامر الاوّل انه وقع في المتن بعد الحكم بوجوب الاتمام فيما اذا جاوز النصف استثناء صورة تخلل الفعل الكثير واحتاط فيه وجوباً بالاتمام والاعادة وهذا الاستثناء غير موجود في كلام المشهور والظاهر انه ليس المراد من تخلل الفعل الكثير ما يرجع الى الموالات فانه يمكن الاخلال بها من دون ان يتحقق الفعل الكثير وعليه فيقع الكلام في ستند هذا الاستثناء.
والظاهر ان مستنده رواية ابن عطية المتقدمة المشتملة على قول السائل فانه فاته ذلك حتى اتى اهله وجوابه (عليه السلام) بقوله يأمر من يطوف عنه نظراً الى ان الرجوع الى الوطن والاهل مستلزم للفعل الكثير عادة والجواب ظاهر في لزوم الاستنابة في مجموع الطواف لاخصوص الشوط الواحد المنسىّ وحيث انه لم يقع الفتوى به من المشهور