(الصفحة 46)
الأدهان والمناسب كونه دهن الورد كما عن المنهاج.
هذا ولكن أفاد الماتن (قدس سره) ان خلوق الكعبة مجهول عنده بمعنى انه لايعلم كونه من أي قسم من أقسام الطيب وانه مركب من أزيد من قسم واحد أو غير مركّب بعد كون استثنائه مقتضى النص والفتوى بل في المنتهى ومحكىّ الخلاف الاجماع عليه وظاهر المتن انه مع الجهالة يكون مقتضى القاعدة لزوم الاحتياط عن الطيب المستعمل في الكعبة حيث انه فرّع الاحتياط عليها ويرد عليه انه على هذا التقدير يكون مقتضى القاعدة عدم لزوم الاحتياط وذلك لأنّ أدلّة استثناء الخلوق بمنزلة المقيد للأدلة الدالة على حرمة الطيب بقول مطلق بناء على مختاره أو خصوص الأنواع الخمسة بناء على ما اخترناه واذا كان الدليل المقيد مجملاً بحسب المفهوم وكان دائراً بين المتبائنين ـ مثلاً ـ دون الأقل والأكثر لا مجال للرجوع الى اصالة الاطلاق أو اصالة العموم في شيء منهما بل تجري اصالة البراءة فاذا قال المولى اكرم العلماء ثم قال بدليل منفصل لايجب اكرام زيد العالم وكان زيد العالم مردداً بين زيد بن عمرو وزيد بن بكر لكون كليهما عالمين تجري اصالة البرائة عن وجوب اكرام كل منهما لمعارضة اصالة العموم في كل واحد مع اصالة العموم في الآخر وليس هنا علم اجمالي بثبوت التكليف في البين ولا ما يقوم مقامه مثل البنية بل ليس في البين إلاّ أصالة العموم وهي في كل واحد منهما معارضة مع الاُخرى ولازم التعارض التساقط والرجوع الى اصالة البرائة والمقام من هذا القبيل.
وكيف كان فالروايات الواردة في هذا الباب متعددة مثل:
صحيحة عبدالله بن سنان قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة يصيب
(الصفحة 47)
ثوب المحرم قال: لابأس ولا يغسله فانه طهور(1) . والمراد بالطهور بعد كون مقتضى صيغته هو الطاهر بنفسه المطهر لغيره وبعد وضوح عدم كون المراد هنا التطهير من النجاسة الخبيثة التي يجب الاجتناب عنها في الصلاة وغيرها هو ما يوجب زوال الأوساخ والقذارات العرفية الملتصقة بالكعبة لأجل كثرة استلامها ومسّها من الطوائف المختلفة من المسلمين مع اختلافهم في رعاية النظافة وعدمها فالخلوق يوجب زوال تلك الأوساخ وعدم التلطّح بها بعد الزوال سريعاً لأنه ليس مثل الماء بل أمر باق يمنع عن التلطّح كذلك وعليه فمرجع التعليل الى انه ليس المراد من طلي الكعبة بالخلوق هو حصول الريح الطيبة لها بل الغرض كونه مطهّراً لها عن الأوساخ العرفيّة ولأجله لابأس بان يصيب ثوب المحرم ولا يجب عليه غسله وفي هذه الأزمنة يستعمل ماء الورد فى هذه الجهة وتستعمل كلمة «شست شو» بالفارسية التي هي عبارة عن المطهرية عن الاوساخ.
وصحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال: لايضرّه ولا يغسله(2). ويستفاد من هذه الرواية كون الزعفران من الأجزاء الركنية للخلوق والظاهر ان الوجه فيه اشتمال الزعفران على خصوصيتين الرائحة واللون الجالب، واحتمال كون الزعفران في الرواية أمراً آخر غير مرتبط بالخلوق في غاية البعد.
وصحيحة حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة وخلوق
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والعشرون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والعشرون، ح2.
(الصفحة 48)
القبر يكون في ثوب الاحرام فقال: لابأس بهما، هما طهوران(1) . وقد أفتى باستثناء خلوق القبر أيضاً ابن سعيد استناداً الى هذه الرواية والظاهر بمقتضى ما ذكرنا ان المراد هي القبور التي كانت مزاراً لجماعة من المسلمين وكانت الزيادة لانتقال بعض الأوساخ اليها لارتفاعها عن سطح الأرض، كما كانت متعارفة في تلك الأزمنة وفي بلادنا في هذه الأزمنة أيضاً.
وموثقة سماعة انه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة وهو محرم فقال لابأس به وهو طهور فلا تتقّه ان تصيبك(2).
ومرسلة ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أيغسل منه الثوب قال لا هو طهور ثم قال ان بثوبي منه لطخاً(3).
انه بملاحظة هذه الروايات لايبقى مجال للاشكال في أصل الحكم ومورد الجميع وان كان هي اصابة الخلوق أو الزعفران الذي فيه ثوب المحرم وانه لابأس بهما ولا يجب غسل ما أصاب منه اليه إلاّ انّه يستفاد منها انه لا مانع من شمّ الطيب الذي في الخلوق لأنّه وان اُريد به الطهورية بالمعنى الذي ذكرنا إلاّ انه لايخلو من الرائحة الطيبة لا محالة فاستلام الكعبة ومسّها يلازم الشمّ عادة ولا مجال لاحتمال كون مفاد الروايات مجرد نفي البأس عن اصابة الثوب ولا دلالة لها على جواز الشم ايضاً فان المتفاهم العرفي منها كون الخلوق مستثنى بجميع الأفعال المحرّمة المتعلقة بالطيب لا خصوص اصابة الثوب وإلاّ يلزم ان تكون اصابة البدن ايضاً محرّمة لخروجها عن مورد الروايات
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والعشرون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والعشرون، ح4.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والعشرون، ح5.
(الصفحة 49)مسألة 11 ـ لايجب الاجتناب عن الفواكه الطيبة كالتُّفاح والاترج أكلاً واستشماماً، وان كان الأحوط ترك استشمامه 1 .
مع ان وضوح خلافه لا شبهة فيه.
ثمّ انّ قوله (عليه السلام) فانه طهور في صحيحة عبدالله بن سنان الظاهر في كونه علّة للحكم بعدم وجوب الاجتناب يدلّ على عدم اختصاص الحكم بالخلوق لدوران الحكم سعة وضيقاً مدار العلّة كذلك فكل طيب يكون متّصفاً بالطهورية لايلزم الاجتناب عنه وعليه فماء الورد المستعمل في تطهير الكعبة في هذه الأزمنة يكون مستثنى من الطيب المحرَّم بناء على مقالة المشهور لوجود العلّة فيه وهذا بخلاف التجمير الذي يحمل على الخلوق ويكون زائداً عنه فان هذه الروايات لا دلالة لها على جواز شمّه لعدم كونه طهوراً بالمعنى الذي ذكرناه.
وعليه فيشكل حكمه بل المحكى عن المسالك انه حرّم غير الخلوق اذا طيبت به الكعبة بالتجمير أو غيره اقتصاراً على المنصوص.
قال: لكن لايحرم عليه الجلوس فيها وعندها ـ ح ـ وانّما يحرم الشمّ ولا كذلك الجلوس في سوق العطّارين وعند المتطيّب فانّه يحرم.
هذا ولكن يردّ عليه مضافاً الى انّ التجنب عن شمّه عسر ومناف لاحترام الكعبة لاستلزامه الامساك بالأنف والقبض عليه بل يستفاد من الأدلة الدالة على جواز الجلوس عندها بل استحبابها عدم لزوم القبض على الأنف خصوصاً مع عدم اشعار شيء منها بذلك.
انّ الرواية الواردة في جواز شمّ المحرم الطيب من ريح العطارين بين الصفا والمروة ربما يستفاد منها جواز شمّ طيب الكعبة بالأولوية أو بالغاء الخصوصية وهي صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول لابأس بالريح الطيبة
(الصفحة 50)
فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يسمك على أنفه(1) .
ودعوى انه لامجال للتعدي عن موردها في غاية الاستبعاد نعم الظاهر اختصاص الحكم بالجواز في الموردين بما اذا لم يكن غرضه من الذهاب الى المسعى أو الجلوس عند الكعبة هو الاستشمام والالتذاذ من الريح الطيبة الموجودة فيهما بل كان الغرض الجلوس عند الكعبة الذي هو أمر مستحب بل جائز، ولو فرض عدم استحبابه بل ربما يحتمل اختصاص مورد الرواية بما اذا كان في حال السعي أو في اثنائه ولو كان جالساً لأجل التعب، وامّا لو لم يكن كذلك بل كان غرضه العبور من بين الصفا والمروة مع عدم ارادة السعي فلايجوز بل يجب الامساك على الأنف ـ ح ـ هذا ولكن دعوى ثبوت الاطلاق في الرواية من هذه الجهة غير بعيدة ومقتضى الاحتياط الوجوبي الترك.
وكيف كان فالظاهر عدم حرمة شمّ طيب الكعبة وان لم يكن حلوقاً ولا طهوراً.
(1) يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:
الامر الاوّل: في جواز أكل الفواكه الطيبة الريح ويدلّ عليه رواية عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن المرحم يأكل الاترج قال: نعم، قلت له رايحة طيبة قال: الاترج طعام ليس هو من الطيب(2): ومورد السؤال وان كان هو أكل الاترج إلاّ ان الجواب الثاني يدلّ على ضابطة كليّة وهي ان ما كان الغرض المهمّ منه هو الأكل ويعدّ من الأطعمة لابأس بأكله وان كان له رائحة طيبة فتدلّ على جواز أكل جميع الفواكه المتّصفة بهذا الوصف وعلى جواز أكل الرياحين التي تقدم وجوب الاجتناب عنها وان حرمة الأكل تختص بما كان طيّباً كالزعفران الذي وقع التصريح بثبوت الكفارة على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب العشرون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والعشرون، ح2.