(الصفحة 50)
فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يسمك على أنفه(1) .
ودعوى انه لامجال للتعدي عن موردها في غاية الاستبعاد نعم الظاهر اختصاص الحكم بالجواز في الموردين بما اذا لم يكن غرضه من الذهاب الى المسعى أو الجلوس عند الكعبة هو الاستشمام والالتذاذ من الريح الطيبة الموجودة فيهما بل كان الغرض الجلوس عند الكعبة الذي هو أمر مستحب بل جائز، ولو فرض عدم استحبابه بل ربما يحتمل اختصاص مورد الرواية بما اذا كان في حال السعي أو في اثنائه ولو كان جالساً لأجل التعب، وامّا لو لم يكن كذلك بل كان غرضه العبور من بين الصفا والمروة مع عدم ارادة السعي فلايجوز بل يجب الامساك على الأنف ـ ح ـ هذا ولكن دعوى ثبوت الاطلاق في الرواية من هذه الجهة غير بعيدة ومقتضى الاحتياط الوجوبي الترك.
وكيف كان فالظاهر عدم حرمة شمّ طيب الكعبة وان لم يكن حلوقاً ولا طهوراً.
(1) يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:
الامر الاوّل: في جواز أكل الفواكه الطيبة الريح ويدلّ عليه رواية عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن المرحم يأكل الاترج قال: نعم، قلت له رايحة طيبة قال: الاترج طعام ليس هو من الطيب(2): ومورد السؤال وان كان هو أكل الاترج إلاّ ان الجواب الثاني يدلّ على ضابطة كليّة وهي ان ما كان الغرض المهمّ منه هو الأكل ويعدّ من الأطعمة لابأس بأكله وان كان له رائحة طيبة فتدلّ على جواز أكل جميع الفواكه المتّصفة بهذا الوصف وعلى جواز أكل الرياحين التي تقدم وجوب الاجتناب عنها وان حرمة الأكل تختص بما كان طيّباً كالزعفران الذي وقع التصريح بثبوت الكفارة على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب العشرون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والعشرون، ح2.
(الصفحة 51)
أكله في بعض الروايات المتقدمة في الطيب.
ثم ان صاحب الوسائل أورد في هذا الباب مضافاً الى رواية عمّار روايتين اخرتين مع ان الأولى منهما لاتكون رواية بل هي نقل فتوى ابن ابي عمير والثانية رواية مرسلة رواها ابن ابي عمير عن بعض اصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن التفاح والاترج والنبق وما طاب ريحه فقال: يمسك على شمّه ويأكله(1) . واتحاد هذه الرواية مع فتواه يكشف عن كون الفتوى ايضاً انما هي بعينها الرواية المرسلة وقد مرّ غير مرّة ان مراسيل ابن ابي عمير كساير المراسيل ولا تكون حجّة.
والنبق هي ثمرة السّدر يشبه العنّاب قبل ان تشتد حمرته والمراد من قوله: وما طاب ريحه، هو ما طاب ريحه من الفواكه التي هي أطعمة معدّة للأكل لا مطلق ما طاب ريحه، والمراد من قوله: يمسك على شمه، يحتمل ان يكون المراد هو الامساك في حال الأكل ويحتمل ان يكون المراد هو الامساك على شمّه مستقلاً بحيث كان الغرض منه هي حرمة الاستشمام ولو لم يكن مقروناً بالأكل كما اذا أخذ تفّاحاً لأجل شمّه دون أكله ولكن حيث ان الرواية غير معتبرة لاتصلح لإفادة حكم الزامي وكيف كان لاشبهة في جواز أكل الفواكه المذكورة ولو لم يكن في المقام إلاّ هذه الرواية لكان المستفاد منها جواز الاستشمام الملازم للأكل لقرب عضويهما فاللازم ملاحظة الأمر الثاني.
الامر الثاني: في جواز استشمام الفواكه الطيبة الريح وعدمه وقد عرفت ان الاستشمام تارة يكون مقروناً بالأكل وملازماً معه واُخرى يكون مستقّلاً خالياً عن الأكل كما في المثال المتقدم.
والظاهر انه لو قلنا بانحصار دائرة حرمة الطيب بخصوص الأنواع الخمسة
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والعشرون، ح3.
(الصفحة 52)
المتقدمة لا مجال للحكم بحرمة استشمام الفواكه المذكورة لأنّه وان كان قد ورد في روايتين الأمر بالامساك من الريح الطيبة إلاّ انه لابدّ بناء على هذا القول من الحمل على الاستحباب والروايتان هما صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المتقدمة في الطيب التي ذكرنا ان ذيلها قرينة على كون النهي عن مسّ مطلق الطيب اما يراد به خصوص الأنواع المذكورة في ذيلها أو محمول على الكراهة وعلى كون الأمر بالامساك كذلك ويؤيد الاحتمال الثاني التعليل بقوله (عليه السلام): فانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة.
وصحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك على أنفسه من الريح الخبيثة(1) . وعلى ما ذكرنا تصير الصحيحة الأولى قرينة على حمل هذه الصحيحة ايضاً على الاستحباب وقد انقدح انه بناء على هذا القول الذي اخترناه يكون الامساك المزبور مستحباً لما عرفت.
وامّا بناء على عموم دائرة حرمة الطيب كما اختاره المتن تبعاً للمشهور فالظاهر انه لا محيص عن الحكم بوجوب الامساك ورواية عمار بن موسى لاتكون بازاء مادلّ على الوجوب لأن محط النظر فيها سؤالاً وجواباً هو مجرد الأكل ولا ملازمة بين جوازه وبين جواز الاستشمام وان قلنا بان المتفاهم العرفي منها هو جواز الاستشمام ايضاً إلاّ ان هذه الدلالة انما هي مع عدم وجود الدليل على وجوب الامساك والمفروض وجوده ثم انه على تقدير الدلالة، فغايتها الدلالة على جواز الاستشمام الملازم مع الأكل وامّا الاستشمام مستقّلاً فلا دلالة لهما على جوازه بوجه ومما ذكرنا ينقدح الاشكال على المتن حيث انه جمع بين الحكم بحرمة مطلق الطيب وبين جعل الاحتياط في ترك الاستشمام استحبابيّاً فتدبّر.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والعشرون، ح1.
(الصفحة 53)مسألة 12 ـ يستثنى ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا والمروة فيجوز ذلك 1 .
مسألة 13 ـ لو اضطر الى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب امساك أنفسه، ولا يجوز امساك انفه من الرائحة الخبثية نعم يجوز الفرار منها والتسخي عنها 2 .
(1) الدليل على جواز ما مرّت الاشارة اليه في بحث استثناء خلوق الكعبة من صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سمعته يقول لابأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يسمك على أنفسه(1) . وقد رواها المشايخ الثلاثة وأفتى الاصحاب على طبقها وقد مرّ ان القدر المتيقن من موردها بل لعلّه المتفاهم عند العرف منها مااذا كان في حال السعي الشاملة للجلوس للاستراحة عند التعب لإدامة السعي أيضاً وامّا المرور من السوق في غير تلك الحال فشمول الرواية له مشكل والاحتياط الوجوبي يقتضي الترك كما انه لو كان غرضه من الذهاب الى السوق المزبور مجرد الاستشمام لا تشمله الرواية ومورد الجواز هو استشمام الريح المنتشرة في فضاء السوق المذكور فلو أخذ قارورة من أحد الدكاكين واستشمها لايجوز قطعاً.
ثم انه على تقدير الاطلاق وعدم الاختصاص بحال السعي لايبعد ان يقال بعدم اختصاص الحكم بالسوق الواقع بين الصفا والمروة الذي كان في الأزمنة السالفة ولايكون منه أثر في هذه الأزمنة بل يشمل سائر اسواق العطارين الواقعة في طريق الحجاج والمحرمين نوعاً.
(2) لا خفاء في انه لو اضطر الى الاستفادة من الطيب بالاضافة الى بعض استعمالاته كالأكل أو الشرب لايكون سائر الاستعمالات غير المضطر اليها جائزاً بسبب الاضطرار المذكور لأن محدودة رفع الحكم التحريمي انّما هي ما اضطر اليه من فعله
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب العشرون، ح1.
(الصفحة 54)
ولا مجال لتوهم ان يكون الاضطرار موجباً لتوسعة الرفع بالنسبة الى الخارج عن دائرته، وعليه فالاضطرار الى الأكل. لايسوّغ الاستشمام ايضاً بل يجب عليه امساك أنفه تحرّزاً عن الشم غير المضطر اليه وهذا من الوضوح بمكان فان الاضطرار الى أكل الميتة لأجل حفظ النفس لايجوز إلاّ الأكل بالمقدار الذي يتوقف حفظ النفس عليه ولا يسوغ به أزيد من ذلك المقدار ولذا نرى في جملة من الروايات الإرجاع في مقام العلاج والمداواة الى الأدهان غير المشتملة على الريح الطيبة ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال اذا خرج بالمحرم الخراج أو الدّمَل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت(1) .
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن محرم تشققت يداه قال فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو اهالة(2). والمراد بالأخير هو الشحم المذاب.
ونرى في بعض الروايات تجويز الاستعاط بالطيب في خصوص صورة الضرورة وهي رواية اسماعيل بن جابر التي رواها الشيخ بطريقين والصدوق باسناده عنه وقد جعله في الوسائل ثلاث روايات مع انه من الواضح كونها واحدة وان كان بينها اختلاف من حيث العبارة وهي على نقل الصدوق قد وقع التصريح في موردها بالاضطرار حيث انه سئل ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم اذا اضطر الى سعوط فيه مسك من ريح تعرض له في وجهه وعلّة تصيبه فقال استعط به(3).
هذا وامّا عدم جواز امساك الأنف من الرائحة الخبيثة فقد دلّ عليه من الروايات
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثلاثون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثلاثون، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع عشر، ح3.