(الصفحة 52)
المتقدمة لا مجال للحكم بحرمة استشمام الفواكه المذكورة لأنّه وان كان قد ورد في روايتين الأمر بالامساك من الريح الطيبة إلاّ انه لابدّ بناء على هذا القول من الحمل على الاستحباب والروايتان هما صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المتقدمة في الطيب التي ذكرنا ان ذيلها قرينة على كون النهي عن مسّ مطلق الطيب اما يراد به خصوص الأنواع المذكورة في ذيلها أو محمول على الكراهة وعلى كون الأمر بالامساك كذلك ويؤيد الاحتمال الثاني التعليل بقوله (عليه السلام): فانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة.
وصحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك على أنفسه من الريح الخبيثة(1) . وعلى ما ذكرنا تصير الصحيحة الأولى قرينة على حمل هذه الصحيحة ايضاً على الاستحباب وقد انقدح انه بناء على هذا القول الذي اخترناه يكون الامساك المزبور مستحباً لما عرفت.
وامّا بناء على عموم دائرة حرمة الطيب كما اختاره المتن تبعاً للمشهور فالظاهر انه لا محيص عن الحكم بوجوب الامساك ورواية عمار بن موسى لاتكون بازاء مادلّ على الوجوب لأن محط النظر فيها سؤالاً وجواباً هو مجرد الأكل ولا ملازمة بين جوازه وبين جواز الاستشمام وان قلنا بان المتفاهم العرفي منها هو جواز الاستشمام ايضاً إلاّ ان هذه الدلالة انما هي مع عدم وجود الدليل على وجوب الامساك والمفروض وجوده ثم انه على تقدير الدلالة، فغايتها الدلالة على جواز الاستشمام الملازم مع الأكل وامّا الاستشمام مستقّلاً فلا دلالة لهما على جوازه بوجه ومما ذكرنا ينقدح الاشكال على المتن حيث انه جمع بين الحكم بحرمة مطلق الطيب وبين جعل الاحتياط في ترك الاستشمام استحبابيّاً فتدبّر.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والعشرون، ح1.
(الصفحة 53)مسألة 12 ـ يستثنى ما يستشم من العطر في سوق العطارين بين الصفا والمروة فيجوز ذلك 1 .
مسألة 13 ـ لو اضطر الى لبس ما فيه الطيب أو أكله أو شربه يجب امساك أنفسه، ولا يجوز امساك انفه من الرائحة الخبثية نعم يجوز الفرار منها والتسخي عنها 2 .
(1) الدليل على جواز ما مرّت الاشارة اليه في بحث استثناء خلوق الكعبة من صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سمعته يقول لابأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يسمك على أنفسه(1) . وقد رواها المشايخ الثلاثة وأفتى الاصحاب على طبقها وقد مرّ ان القدر المتيقن من موردها بل لعلّه المتفاهم عند العرف منها مااذا كان في حال السعي الشاملة للجلوس للاستراحة عند التعب لإدامة السعي أيضاً وامّا المرور من السوق في غير تلك الحال فشمول الرواية له مشكل والاحتياط الوجوبي يقتضي الترك كما انه لو كان غرضه من الذهاب الى السوق المزبور مجرد الاستشمام لا تشمله الرواية ومورد الجواز هو استشمام الريح المنتشرة في فضاء السوق المذكور فلو أخذ قارورة من أحد الدكاكين واستشمها لايجوز قطعاً.
ثم انه على تقدير الاطلاق وعدم الاختصاص بحال السعي لايبعد ان يقال بعدم اختصاص الحكم بالسوق الواقع بين الصفا والمروة الذي كان في الأزمنة السالفة ولايكون منه أثر في هذه الأزمنة بل يشمل سائر اسواق العطارين الواقعة في طريق الحجاج والمحرمين نوعاً.
(2) لا خفاء في انه لو اضطر الى الاستفادة من الطيب بالاضافة الى بعض استعمالاته كالأكل أو الشرب لايكون سائر الاستعمالات غير المضطر اليها جائزاً بسبب الاضطرار المذكور لأن محدودة رفع الحكم التحريمي انّما هي ما اضطر اليه من فعله
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب العشرون، ح1.
(الصفحة 54)
ولا مجال لتوهم ان يكون الاضطرار موجباً لتوسعة الرفع بالنسبة الى الخارج عن دائرته، وعليه فالاضطرار الى الأكل. لايسوّغ الاستشمام ايضاً بل يجب عليه امساك أنفه تحرّزاً عن الشم غير المضطر اليه وهذا من الوضوح بمكان فان الاضطرار الى أكل الميتة لأجل حفظ النفس لايجوز إلاّ الأكل بالمقدار الذي يتوقف حفظ النفس عليه ولا يسوغ به أزيد من ذلك المقدار ولذا نرى في جملة من الروايات الإرجاع في مقام العلاج والمداواة الى الأدهان غير المشتملة على الريح الطيبة ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال اذا خرج بالمحرم الخراج أو الدّمَل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت(1) .
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن محرم تشققت يداه قال فقال يدهنها بزيت أو بسمن أو اهالة(2). والمراد بالأخير هو الشحم المذاب.
ونرى في بعض الروايات تجويز الاستعاط بالطيب في خصوص صورة الضرورة وهي رواية اسماعيل بن جابر التي رواها الشيخ بطريقين والصدوق باسناده عنه وقد جعله في الوسائل ثلاث روايات مع انه من الواضح كونها واحدة وان كان بينها اختلاف من حيث العبارة وهي على نقل الصدوق قد وقع التصريح في موردها بالاضطرار حيث انه سئل ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم اذا اضطر الى سعوط فيه مسك من ريح تعرض له في وجهه وعلّة تصيبه فقال استعط به(3).
هذا وامّا عدم جواز امساك الأنف من الرائحة الخبيثة فقد دلّ عليه من الروايات
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثلاثون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثلاثون، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع عشر، ح3.
(الصفحة 55)مسألة 14 ـ لابأس ببيع الطيب وشرائه والنظر اليه لكن يجب الاحتراز عن استشمامه 1 .
المتقدمة صحيحة معاوية بن عمّار التي فصلنا الكلام فيها في البحث الذي كان مورداً للاختلاف بين المشهور وغيره وهو ان الحرام هل هو مطلق الطيب أو خصوص بعض أنواعه وكذا صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم المتقدمة ايضاً وقد وقع في كلتيهما الجمع بين لزوم الامساك على الأنف من الريح الطيبة وحرمة الامساك على الأنف من الريح الخبيثة فان قلنا بان المحرَّم في باب الطيب هو مطلقة فالأمر والنهي في الجملتين باقيان على ظاهرهما من الوجوب والحرمة وان لم نقل بذلك بل باختصاص الحرمة ببعض أنواع الطيب فاللازم كما ذكرنا حمل الأمر على الاستحباب خصوصاً مع التعليل في الصحيحة الأولى بانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة وعليه فهل مقتضى وحدة السياق حمل النهي أيضاً على الكراهة أو ان اشتمال كل من الجملتين على حكم خاص يمنع عن التصرف في الظهور الذي لم ينهض دليل على التصرف فيه والظاهر هو الثاني خصوصاً لو قلنا بمثله في جملة واحدة كما في قوله اغتسل للجمعة والجنابة فان قيام الدليل على استحباب الأوّل لايوجب ثبوت الاستحباب للثاني أيضاً فتدبّر.
(1) قد مرّ البحث في ذلك فيما تقدم في تنقيح متعلق الحرمة في الأفعال المضافة الى الطيب وذكرنا ان مثل هذه الأفعال خارج عن دائرة المتعلق ويدلّ على جواز النظر خصوص صحيحة محمد بن اسماعيل يعني ابن بزيع قال رأيت أبا الحسن (عليه السلام)كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته (ريحهخل)(1) . فانّها ظاهرة في الاقتصار على الامساك على الأنف من دون اضافة غمض العين وعدم النظر خصوصاً مع كون الغرض من الكشف هو النظر اليه فتدلّ على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح1.
(الصفحة 56)مسألة 15 ـ كفارة استعمال الطيب شاة على الأحوط، ولو تكرّر منه الاستعمال فان تخلّل بين الاستعمالين الكفارة تكرّرت وإلاّ فان تكرّر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفارة، وان تكرّر في وقت واحد لايبعد كفاية الكفارة الواحدة 1 .
عدم حرمته بوجه.
(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الأولى:
في اصل ثبوت الكفارة في استعمال الطيب في الجملة ولا شبهة فيه نصّاً وفتوى وستأتي النصوص الدالة عليه انشاء الله تعالى.
الجهة الثانية:
ظاهر المتن تبعاً لأكثر الأصحاب ثبوت الكفارة في جميع أنواع استعمال الطيب من الشمّ والأكل وغيرهما بعنوان واحد وقد صرّح بذلك المحقق في الشرايع حيث قال: «فمن تطيّب كان عليه دم سواء استعمله صبغاً أو اطلاءً، ابتداءً أو استدامة أو بخوراً أو في الطعام» وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعده: بلا خلاف أجده فيه بل عن المنتهى الاجماع عليه بل حكى عن التذكرة والتحرير زيادة عناوين اُخر حتى انه قال في الأولى لو داس بنعله طيباً فعلق بنعله وجبت الفدية وكيف كان فاللازم في هذه الجهة ملاحظة الروايات فنقول انّها في بادئ النظر على طوائف أربع:
الطائفة الأولى ما ظاهره ثبوت كفارة الدم أو دم شاة في مورد الأكل وفي هذه الطائفة روايتان:
احداهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسياً فلا شيء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه(1) . ولايبعد
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح1.