(الصفحة 58)
والتوبة في صحيحة زرارة الأولى ممّا تقدم وكيف كان فهذه الطائفة لاتعارض الطائفة الأولى بوجه.
الطائفة الثالثة ما يتوهّم صحة الاستدلال به لثبوت كفارة الدم في غير مورد أكل الطيب ايضاً وهي روايتان:
احداهما صحيحة معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، وان كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه...(1)
ويرد على الاستدلال بها مضافاً الى ان الظاهر عدم كونها رواية عن المعصوم (عليه السلام) ولو بنحو الاضمار بل كونها فتوى معاوية بن عمار، والفتوى لاتصلح للاستناد اليها، ان الاظهر عدم كون دهن بنفسج من الطيب اصلاً وان الحرمة التي تكشف عنها الكفارة إنّما يكون متعلقها الأدهان الذي هو عنوان مستقل من محرّمات الاحرام وسيأتي البحث عنه انشاء الله تعالى ولأجله يرد على صاحب الوسائل عدم انطباق عنوان الباب وهو ثبوت الكفارة في انواع استعمال الطيب على هذه الرواية.
ويدلّ على عدم كون دهن البنفسج من أنواع الطيب رواية أبي الحسن الاحمسي قال سَأَل ابا عبدالله (عليه السلام) سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال: اجعل عليه بنفسج واشباهه ممّا ليس فيه الريح الطيبة(2).
ثانيتهما مارواه في قرب الاسناد عن عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال لكلّ شيء خرجت من حجّك فعليه «فعليك خ ل» فيه
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح5.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثلاثون، ح3.
(الصفحة 59)
دم يهريقه «تهريقه خ ل» حيث شئت(1) . وحكى عن الكتاب المذكور مكان «خرجت»: «فيه خرجت».
هذا والظاهر ان الرواية مضافاً الى ضعف سندها لما عرفت مراراً من عدم توثيق عبدالله بن الحسن لا مجال للاستدلال بها لأنه على تقدير كون النسخة «خرجت» وكون المراد بالخروج من الحج هو اكمال الحج والفراغ عنه يكون مفاد الرواية ان كل شيء صار ارتكابه موجباً لثبوت الدم ولزوم اهراقه يجوز لك ان تهريقه أيّ مكان شئت ولا خصوصية لمكّة ومنى لأنّه على هذا التقدير يكون قوله: فعليه فيه دمّ تتمة للموضوع وله دخل في ثبوته ولا مجال لتوهم التمامية بمجرد قوله لكل شيء خرجت من حجّك.
نعم على تقدير كون النسخة «جرحت» التي يكون معناها عروض الجرح والنقص في الحج ولو بارتكاب بعض ما لايجوز ارتكابه فيه أو كون المراد بالخروج هو الخروج عن الطريق التي يجب عليه طيّها والمشي عليها حيث انه يطلق على العاصي انه الخارج من اطاعة أو أمر الله ونواهيه يمكن ان يقال بكون الرواية مسوّقة لإفادة ثبوت الدم بسبب الجرح أو الخروج بالمعنى المذكور لتمامية الموضوع بمجرد قوله جرحت من حجّك أو خرجت منه بهذا المعنى ولا ينافيه الدلالة على ثبوت حكم ثان وهو جواز اراقة الدم حيث شاء وايّ مكان أراد.
كما انه على هذا التقدير ايضاً يمكن ان يكون تتمة للموضوع وناظراً الى موارد ثبوت الدم فتكون الرواية مسوّقة لإفادة حكم واحد ولا دلالة لها على ان الدم في أي مورد ثابت بل لابد من نهوض الدليل عليه.
وكيف كان فالرواية مخدوشة سنداً ودلالة ولا تصلح لإفادة ثبوت الدم بنحو
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح5.
(الصفحة 60)
الضابطة في جميع موارد التخلف وارتكاب شيء من محرّمات الاحرام حتى يكون المقام من مصاديقه لفرض عدم اختصاص الحرمة بأكل الطيب كما عرفت.
الطائفة الرابعة ما يتوهم دلالتها على ان كفارة الطيب مطلقاً أكلاً واستشماماً وغيرهما من الاستعمالات، هو التصدق دون الدم وهي روايات متعددة.
الأولى صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام)فمن ابتلى بشيء من ذلك فعليه غسله وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع وانما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء الخ(1) .
ولكن الظاهر عدم دلالتها على كون الكفارة هو التصدق امّا على ما اخترناه من اختصاص الحرمة في الطيب ببعض الأنواع فلما مرّ سابقاً من لزوم حمل الأمر بالتصدّق في استعمال مطلق الطيب الذي وقع النهي عنه قبل ذلك في الرواية على الاستحباب خصوصاً مع انه لا مناسبة بين الأمر بالتصدق اوّلاً ثم الحكم بالحرمة وبيانها كما في الرواية فلا محيص على هذا القول عن الحمل على الاستحباب.
واما على ما اختاره المتن تبعاً للمشهور من عموم حرمة الطيب بجميع أنواعه فالظاهر ان قوله: فمن ابتلى بشيء من ذلك يكون المتفاهم منه عرفاً صورة الجهل أو النسيان ولا يشمل صورة العمد كما في مثل حديث لاتعاد المعروف في باب الصلاة فان التعبير بالإعادة وعدمها انما يكون مورده المصلّي الذي يريد الامتثال والاتيان بالصلاة مع الاجزاء والشرائط وسائر الخصوصيات غاية الأمر انه منعه عن ذلك الجهل والنسيان وصار موجباً للاخلال ببعض ما يكون معتبراً فيها والمقام من هذا القبيل وان لم يكن بذلك الوضوح.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح8.
(الصفحة 61)
الثانية صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه يعني من الطعام(1) . ويردّ على الاستدلال بها ما أوردناه على الاستدلال بالرواية المتقدمة على كلا المبنيين هذا مضافاً الى ثبوت الاشكال هنا من حيث السند لأن الرواية بعينها هي مرسلة الحريز عمّن أخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام)(2) ولا اختلاف بينهما إلاّ يسيراً وقد مرّ ان تردد رواية واحدة بين الارسال والاسناد يخرجه عن الحجية والاعتبار.
الثالثة موثقة الحسن بن زياد التي رواها الكليني عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال قلت له: الاشنان فيه الطيب اغسل به يدي وانا محرم؟ فقال: اذا أردتم الاحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لاتحتاجون اليه وقال تصدّق بشيء كفارة للاشنان الذي غسلت به يدك(3).
والظاهر ان مورد السؤال صورة النسيان ويدلّ عليه أمران:
احدهما: قوله (عليه السلام): اذا أردتم الاحرام فانظروا مزاودكم... فانّ ذكره قبل الحكم بالتصدق بشيء كفارة لا مناسبة له اصلاً إلاّ على تقدير كون المراد انه عند ارادة الاحرام انظروا المزاود واعزلوا الذي لاتحتاجون اليه لئلا يتحقق الاستعمال المحرّم في حال النسيان.
ثانيهما: ان هذه الرواية بعينها رواها الصدوق باسناده عن الحسن بن زياد قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) وضّأني الغلام ولم أعلم بدستشان فيه طيب فغسلت يدي وانا محرم
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح11.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الصلاة، الباب الثامن عشر، ح6.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح8.
(الصفحة 62)
فقال تصدّق بشيء لذلك(1) .
فان الظاهر كون قوله: بدستشان مصحف به اشنان واحتمال كونه باللغة الفارسية التي تستعمل في بعض الروايات أحياناً كما استظهره بعض الاعلام (قدس سرهم) في غاية الضعف بل لايجتمع مع قوله: فيه طيب فتدبّر كما ان احتمال كونه معرب «دست شو» ايضاً كذلك بل المطمئن به لولا المقطوع كونه مصحف اشنان المذكور في رواية الكليني وعليه فالتصريح بعدم العلم في هذه الرواية مع اتحادها مع السابقة يفيد كون المورد صورة عدم العلم والتعمّد. نعم ربما يناقش في صحة اسناد الصدوق الى الحسن المذكور لعدم تعرّضه له في المشيخة والتحقيق في محلّه.
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ العمدة في باب الكفارة هي الطائفة الأولى وقد عرفت انه لاتبعد دعوى الغاء الخصوصية من عنوان الأكل الوارد في موردها وان المراد مطلق استعمال الطيب المحرّم وعليه فلا يبعد الذهاب الى ما عليه المشهور من ثبوت كفارة الدم مطلقاً في الأكل وغيره وعلى تقدير التنزل فالحكم في الأكل انما هو على سبيل الفتوى وفي غيره على نحو الاحتياط الوجوبي.
ومنه يظهر الاشكال على المتن حيث انّه جعل ثبوت الدم بنحو الاحتياط الوجوبي مطلقاً من دون فرق بين الأكل وغيره مع انّ الطائفة الأولى الدالة على ثبوته في الأكل لا مجال للمناقشة فيها سنداً ولا دلالة هذا تمام الكلام في الجهة الثانية.
الجهة الثالثة:
في تكرر الكفارة بتكرر استعمال الطيب وعدمه فنقول قد فصّل في المتن بين صورة تخلل الكفارة بين الاستعمالين فحكم بثبوت التكرر وبين صورة عدم التخلل
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح4.