(الصفحة 69)
سابقاً الحاكية لقصة رجل دخل محرماً في مسجد الحرام ملبيّاً وعليه قميص حيث حكم عليه ابو عبدالله (عليه السلام) بالاخراج من الرأس لأنه كان لبسه له قبل التلبية وتحقق الاحرام(1) . فان دلالتها على حرمة لبس القميص ظاهرة خصوصاً مع قوله (عليه السلام) أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه.
وكالقباء مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال اذا اضطّر المحرم الى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ولايدخل يديه في يدي القباء...(2)
وكالسراويل مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تلبس وأنت تريد الاحرام ثوباً تزره ولا تدرعه ولا تلبس سراويل إلاّ ان لايكون لك أزرار، ولا خفين إلاّ أن لايكون لك نعلان...(3)
وكالثوب المزرور أي المشتمل على الزّر الذي هو بالفارسية بمعنى التكمة وكالدرع الذي يعبّر عنه بالمدرعة والظاهر ان الخصوصية الموجودة فيه أمران أحدهما انه يلبس فوق جميع الثياب وعليها وثانيهما اشتماله على الكمين ولأجلها يعبّر عمّا يستفاد منه في الحرب بالدرع والدليل عليهما هي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وبعض الروايات الاُخر.
القسم الثالث ما يدلّ على جواز لبس مطلق الثياب إلاّ الدّرع وهي صحيحة زرارة عن احدهما (عليهما السلام) قال سألته عمّا يكره للمحرم ان يلبسه فقال: يلبس كل ثوب إلاّ ثوباً يتدرعه(4). والظاهر ان المراد من الكراهة في السؤال هي الحرمة فالجواب راجع الى
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والأربعون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والأربعون، ح1.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والثلاثون، ح2.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح5.
(الصفحة 70)
نفي الحرمة في غير الدرع.
هذا والظاهر ان القسم الأخير لا مجال للأخذ به بوجه لأنه لا وجه مع دلالة القسم الثاني على حرمة عناوين خمسة على تخصيص الحكم بالحرمة، بخصوص الدرع خصوصاً بعد ظهور الاتفاق على حرمة مثل القميص والقباء والسراويل وعليه فان التزمنا بتخصيص عموم هذا القسم بجميع تلك العناوين يلزم تخصيص الأكثر المستهجن لأنّه لايبقى تحت العام إلاّ أفراد قليلة مثل الازرار المخيط وما يشبه المخيط بناء على جوازه وسيأتي البحث فيه انشاء الله تعالى وان لم نلتزم بالتخصيص لا مساغ للأخذ به بعد تطابق النص والفتوى فاللازم اخراج هذا القسم والالتزام بكونه معرضاً عنه فيبقى القسم الأوّل.
فنقول بعد الاغماض عن المناقشة التي أشرنا اليها بالنسبة الى القسم الأوّل وهي انه يحتمل في بعض رواياتها ان لايكون لها دلالة على عموم حرمة لبس الثياب على الرجل المحرم بل كانت اشارة الى الثياب المحرَّمة المعهودة المبينة في محلها ووجه الاغماض عدم جريان هذه المناقشة في الروايات الآمرة بالتجرّد في ازار ورداء وكذا الروايات الدالة على تجريد الصبيان في ميقات فخ وعلى هذا التقدير يكون مقتضى هذا القسم حرمة مطلق الثياب سواء كانت مخيطة أم غير مخيطة ودعوى انصراف الثوب الى خصوص المخيط ممنوعة خصوصاً بعد ملاحظة استعماله في ثوبي الاحرام فتدبّر.
وبعد الاغماض عن المناقشة التي تجري في بعض روايات القسم الثاني وهي ما يدل على حرمة الثوب المزرور نظراً الى ان ظاهرها عدم حرمة لبس الثوب الذي له ازار بل ظاهرها حرمة زرّ الازار فان قوله: لا تلبس وانت تريد الاحرام ثوباً تزرّه ظاهره ذلك
(الصفحة 71)
وسيأتي مثله في الروايتين أو ازيد الواردتين في الطيلسان الذي له ازار الدالتين على حرمة ان يزرها المحرم ووجه الاغماض استفادة كون الحرمة لأجل كون وجود الازار مستلزماً لِلْمَخيطيّة وكذا ما يدلّ على حرمة لبس الدرع الظاهر في كون المانع الأدراع لا المخيطيّة، انه لاشبهة بملاحظة اتفاق الفتاوى قطعاً على ان لبس الثوب غير المخيط لايكون محرَّماً على الرجل المحرم بوجه فلابد من تخصيصها بذلك والحكم بان العموم في القسم الأوّل يختص بالثوب المخيط وامّا القسم الثاني فانه وان ورد فيها عناوين خاصّة إلاّ ان الجامع بينها حيث يكون هو عنوان المخيطية فيحتمل ان يكون المحرم هو ذلك العنوان العام فيكون مقتضاه ثبوت الحرمة في الأثواب المخيطة الخارجة عن تلك العناوين أيضاً. نعم يحتمل ان يكون المحرم خصوص تلك العناوين كما اختاره بعض الاعلام (قدس سرهم) وان احتاط وجوباً بالاضافة الى غيرها، ومع الشك لا محيص عن الرجوع الى عموم القسم الأوّل والحكم بثبوت الحرمة للبس مطلق الثوب المخيط كما اختاره في المتن تبعاً للمشهور وعليه لايبقى مجال لدعوى عدم قيام الدليل على حرمة غير العناوين الخمسة ولا لما أفاده الشهيد في عبارته المتقدمة في صدر المسألة.
نعم يبقى الكلام في أمور ثلاثة مذكورة في المتن:
الامر الأوّل: لبس ما يشبه المخيط كالقميص المنسوج أو المصنوع من اللبد وقد حكم في المتن بعدم جوازه والوجه فيه بناء على الطريق الذي سلكناه واضح فان مقتضى عموم القسم الأوّل من الروايات بعد منع انصراف الثياب المذكورة الممنوعة فيها الى الثياب المخيطة هي حرمة مطلقها ولم ينهض دليل في مقابله على جواز لبس ما يشبه المخيط كالمثالين المذكورين وقيام الدليل على جواز لبس غير المخيط وما يشابهه لايقتضي ذلك وعليه فكما ان مقتضى اصالة العموم حرمة لبس المخيط مطلقاً
(الصفحة 72)
من دون ان تختص بالعناوين الخمسة المذكورة في القسم الثاني كذلك مقتضاها حرمة لبس ما يشبه المخيط بعد عدم قيام الدليل على الجواز.
وامّا بناء على القول باختصاص الحرمة بتلك العناوين الخمسة فالوجه فيه صدق مثل عنوان القميص والسراويل والقباء على المنسوج منها فانه لاينبغي الارتياب في انّه كما ان القميص المخيط قميص كذلك، القميص المنسوج المتداول في هذه الأزمنة وحتى يستعمل فيه في الفارسية هذا العنوان ولا مجال لدعوى اختصاصها بخصوص المخيط منها بحيث يخرج ما يشبه المخيط منها، نعم لازم هذا المبنى الاقتصار على خصوص هذه العناوين فيما يشبه المخيط ايضاً فلو فرض ثبوت عنوان سادس يكون مشابهاً للمخيط لا دليل على حرمته بخلاف المبنى الذي اخترناه.
نعم لو قيل بان الأصل في دليل هذا الأمر هو الاجماع على حرمة لبس المخيط كما استدلّ به صاحب الجواهر ويؤيده عدم ورد هذا العنوان في شيء من الروايات حتى لايكون للاجماع اصالة واستقلال لكان لازمه الاقتصار على القدر المتيقن وهو خصوص المخيط وعدم تسرية الحكم الى ما يشابهه ايضاً. ولكن قد عرفت المناقشة في الاستناد الى الاجماع فالأقوى ما في المتن من عدم جواز لبس ما يشبه المخيط مطلقاً.
الامر الثاني: المخيط القليل كالقلنسوة والتكّة واحتاط في المتن وجوباً بالاجتناب عنه من دون ان يقع مورداً للفتوى والظاهر انه لا فرق في الحكم بالحرمة بين ما اذا كانت خياطة الثوب كثيرة وبين مااذا كانت قليلة فان المراد بالثوب المخيط كما صرح به بعض الاعلام (قدس سرهم) هو ما خيط بعض الثوب بالبعض الآخر منه، بمعنى كون الخياطة لها دخل في الهيئة التركيبية التي يشمل الثوب عليها بحيث لو لم تتحقق الخياطة
(الصفحة 73)
لا تتحقق تلك الهيئة وهذا المعنى لا فرق فيه بين صورتي الكثرة والقلّة بوجه ولعلّ وجه الشبهة ورود بعض الروايات في الطيلسان المشتمل على الازار الدالّة على جواز لبسه مع عدم شدّ ازاره فتوهم ان الجواز فيه انما هو لأجل كون الخياطة فيه قليلة لأجل ان التصاق الزّر فيه به انما هو بالخيط وامّا اصله فهو خال عن الخياطة والتفصيل فانه ثوب من صوف أوسداه منه ملبد أو منسوج وربما يقال انه معرب تالشان.
مع ان الطيلسان ليس ثوباً مخيطاً بوجه لما عرفت من معنى الثوب المخيط وعلى تقديره لا فرق بين شدّ أزاره وعدمه مع انّ الروايات الواردة تدلّ على التفصيل بين الصورتين.
منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال: نعم وفي كتاب علي (عليه السلام) لاتلبس طيلساناً حتى ينزع ازاره فحدّثني ابي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه...(1)
ومثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) مع زيادة قوله (عليه السلام) فامّا الفقيه فلا بأس ان يلبسه...(2)
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: وان لبس الطيلسان فلا يزرّه عليه(3).
وقد ظهر مما ذكرنا انه لادليل على جواز لبس الثوب المخيط وان كانت خياطته قليلة كما انه ظهر ان لبس الطيلسان جائز مع عدم شدّ ازاره من دون فرق بين صورتي
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح3.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثلاثون، ح4.