(الصفحة 122)
مساكين لكل مسكين نصف صاع ان كان صادقاً أو كاذباً فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة لأنّ الله تعالى قال: فلا رفث ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. الرفث الجماع والفسوق الكذب والجدال قول لا والله و بلى والله والمفاخرة(1) .
بتقريب ان الرواية وان كانت مرسلة من حيث السندومعرضاً عنها من حيث المفاد من جهات مختلفة إلاّ انّه يمكن ان يقال بان قوله: وعلى الكاذب بقرة اي في المرة الثانية مجبور باستناد المشهور اليه وموافقته للشهرة الفتوائية كما في الجواهر ولا يعارضها رواية ابي بصير الدالّة باطلاقها على ثبوت الجزور في المرة الثانية ايضاً بعدما عرفت من ضعفها وعدم الانجبار لها في هذه الجهة.
واما
المرة الثالثة فمقتضى طائفة من الروايات ثبوت البقرة فيها مثل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم فقيل له: الذي يجادل وهو صادق؟ قال عليه شاة والكاذب عليه بقرة(2).
وصحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال قلت فمن ابتلى بالجدال ما عليه ؟ قال اذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة(3).
ومقتضى اطلاق رواية ابي بصير ثبوت الجزور في هذه المرّة ايضاً وهي في هذه الجهة موافقة لفتوى المشهور وان كان تعبيرهم انّما هو بالبدنة وتعبير الرواية بالجزور وبينهما الفرق من بعض الجهات.
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأوّل، ح10.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح6.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح2.
(الصفحة 123)
كما ان مقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت ثلاث شياة في هذه المرتبة.
و ـ ح ـ ان قلنا بعدم كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند بوجه فاللازم ان يقال بثبوت شاتين في المرة الثانية وثبوت البقرة في المرة الثالثة لعدم حجيّة مرسلة العياشي هناك وعدم اعتبار رواية ابي بصير هنا واطلاق الصحيحة يقيد بالطائفة الدالة على ثبوت البقرة في خصوص المرّة الثالثة وهذا هو الذي اختاره بعض الاعلام (قدس سرهم).
وان قلنا بكون الشهرة الفتوائية جابرة فاللازم الالتزام في المرة الثالثة بثبوت الجزور بعد الالتزام بكون الشهرة المزبورة جابرة لضعف سند رواية ابي بصيرة وقادحة في الطائفة الدالة على ثبوت البقرة وموجبة لحمل اطلاق رواية ابي بصير على خصوص المرة الثالثة لعدم ثبوت الجزور في غيرها والالتزام بكون الشهرة مؤثرة بهذا المقدار مشكل ولأجله يشكل الفتوى على طبقها خصوصاً بعدما عرفت من اختلاف تعبير الرواية وتعبير المشهود وعليه فمقتضى الاحتياط الوجوبي في هذه المرة الجزور، كما ان تأثير الشهرة في المرة الثانية في جبران ضعف سند المرسلة وحذف الاحكام الكثيرة المذكورة فيها مضافاً الى اضطراب متنها لعدم كون الآية الشريفة التي استشهد بها فيها دالة على مسألة الكفارة بوجه لأن مفادها مجرد حرمة العناوين الثلاثة المذكورة فيها في الحج وامّا ترتب الكفارة فلا اشعار فيها اليه اصلاً، مشكل ايضاً بل مقتضى الاحتياط الوجوبي، ثبوت البقرة فيها ولو اُريد الاحتياط التام فاللازم الجمع بين البقرة والجزور في المرة الثالثة وبين البقرة والشاة بل الشاتين في المرة الثانية.
وامّا ما أفاده المحقق النائيني (قدس سره) في مناسكه من ان مقتضى الاحتياط الكامل ثبوت البدنة في الكاذب مطلقاً وفي جميع المراتب، فيرد عليه انه لا وجه لذلك، فان
(الصفحة 124)
رواية ابي بصير ان كانت معتبرة، يجب الفتوى على طبقها وان لم تكن معتبرة فلا وجه للحكم بالجزور في المرة الأولى بعد كون مقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ودلالة روايات خاصة ثبوت الشاة وكذا في المرة الثانية بعد كون مقتضاه ثبوت شاتين ولم ينهض دليل على كفاية الجزور عن الشاة في صورة تعيّنها وان كان الجزور اكثر قيمة وأعظم نفعاً مع ان رفع اليد عن الطائفة الدالّة على ثبوت البقرة في المرة الثالثة مع كونها روايات صحيحة كيف يكون مقتضى الاحتياط فالظاهر ان مقتضى الاحتياط التام ما ذكرنا لا ما أفاده (قدس سره).
نعم ذكر صاحب الجواهر في ذيل كلامه في بحث الجدال الذي يأتي التعرّض له انشاء الله تعالى في بحث تخلل التكفير انه ان لم يكن اجماع أمكن كون المراد من النص والفتوى وجوب الشاة بالمرّة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة في الثالث إلاّ ان يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة.
وظاهره دلالة نفس النصّ والفتوى على ذلك مع قطع النظر عن الاحتياط الذي عرفت ولكن سيأتي الكلام فيه عند ذلك البحث فانتظر.
«تتميم»
هل يعتبر في الجدال الصادق الذي تترتب الكفارة على المرتبة الثالثة منه على ما عرفت التتابع ووقوع الثلاث متواليات وفي مورد واحد وموضوع فأرد، بأن كان الاثبات في الجميع راجعاً الى شيء واحد والنفي في الجميع ايضاً كذلك، أم لايعتبر بل الملاك مجرد الجدال الصادق ثلاث مرّات من دون فرق بين صورتي التوالي وعدمه وبين صورتي وحدة الموضوع وتعدّده.
قال في الجواهر بعد نقل الميل الى الاوّل عن بعض متأخري المتأخرين وانه حكاه
(الصفحة 125)
عن العماني: إلاّ انه نادر يمكن دعوى اتفاق الاصحاب على خلافه خصوصاً بعد ان كان المحكى عنه يعمّ الصادق والكاذب قال: من حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل وعليه دم. ولم يفصل.
وكيف كان فظاهر بعض الروايات المتقدمة كصحيحة معاوية بن عمّار ورواية ابي بصير عن احدهما (عليهما السلام) قال اذا حلف بثلاث ايمان متعمداً متتابعات صادقاً فقد جادل وعليه دم، واذا حلف بيمين واحدة كاذباً فقد جادل وعليه دم(1) ، هو اعتبار التتابع بل ووقوعها في مقام واحد، ولكن جملة من الروايات الواردة فيه المتقدمة خالية عن شيء من القيدين.
قال في الجواهر ما حاصله: ان قاعدة الجمع بين الاطلاق والتقييد وان كانت تقتضي حمل المطلق على المقيّد إلاّ ان قوّة النصوص المطلقة على وجه لاتكافئها المقيدة توجب الأخذ بالمطلقة وحمل المقيدة على ارادة كونها أحد الأفراد أو على إرادة بيان اتحاد الجدال وتعدده بالنسبة الى المجادل فيه ونحو ذلك.
ومراده من قاعدة الجمع بين الاطلاق والتقييد هنا بعد كونهما مثبتين هو ان مفهوم النصوص المقيدة يقيد اطلاق منطوق النصوص المطلقة كما ان مراده من قوة النصوص المطلقة هو اعتضادها بالفتوى والشهرة المحققة و ـ ح ـ يرد عليه انه ان كان المراد كون الشهرة مرّجحة لإحدى الطائفتين المتعارضتين على الاخرى فالجواب انّ المطلق والمقيد ليسا من الخبرين المتعارضين أو المختلفين الذي هو الموضوع في الاخبار العلاجيّة مثل مقبولة ابن حنظلة لثبوت الجمع الدلالي بينهما فاللازم ان يقول امّا بكون الشهرة المذكورة قرينة على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية هنا لأن ثبوت
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح4.
(الصفحة 126)
المفهوم لها انّما هو بالظهور والقرينة المذكورة شاهدة على خلافه فلا مفهوم لها هنا.
وامّا ان يقول بانّ اعراض المشهور عن النصوص المقيدة صار موجباً لسقوطها عن الحجّية والاعتبار فلا يكون في البين إلاّ النصوص المطلقة.
و
التحقيق انه لا اشكال في عدم اعتبار القيدين بناءً على عدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية كما اخترناه في المباحث الاصولية لعدم التنافي بين الطرفين بعد كونهما مثبتين.
وامّا بناء على ثبوت المفهوم فقد أفاد بعض الاعلام (قدس سرهم) بانه لا دلالة له على عدم ثبوت الكفارة مع انتفاء أحد القيدين نظراً الى ان الشرط اذا كان متعدّداً أي مركّباً تدلّ القضية بالمفهوم على نفي الحكم عند نفي احدهما كما اذا قال: اذا جاء زيد من السفر وكان مجيئه في يوم الجمعة افعل كذا فلو فرض انه جاء في يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط كما اذا كان الشرط واحداً.
واذا كان الشرط غير متعدد بل كان احدهما مقيّداً بالآخر كما اذا قال اذا جاء زيد في يوم الجمعة بحيث كان الشرط هو المجيء المقيّد بيوم الجمعة، فلا تدلّ القضية إلاّ على انتفاء الحكم عند نفي المجيء ولا دلالة على الانتفاء عند نفي خصوص القيد بل القضية ساكتة عن ذلك، ولذا استكشل جماعة في التمسك بمفهوم آية النباء لحجية خبر العادل نظراً الى ان المفهوم عدم مجيء الفاسق بالنبأ لا مجيء غير الفاسق به، وروايات المقام من هذا القبيل نعم لابد من الالتزام بترتب فائدة على ذكر القيد ولعلّ الفائدة في المقام هو التعرّض للفرد الخفي حيث ان المرتكز في اذهان الناس خصوصاً العوام منهم، ان المرة الثانية تأكيد للمرة الأولى ولا يرون ذلك تأسيساً والروايات دلّت على انّ المعتبر تعدد الحلف وان كان ولاءً ووارداً في موضوع واحد.