(الصفحة 130)
هو لأجل كونه ساتراً للحق والواقع.
وكيف كان مقتضى كلام المشهور ان موجب التكرّر انّما هو الثلاث بعد التكفير فاذا جادل صادقاً ولو عشر مرات من دون ان يكفر اصلاً لايجب عليه إلاّ كفارة واحدة واذا كفّر بعد الثلاث الاوّل فالموجب للتكرّر هو الثلاث الثاني واذا كفّر بعده فالموجب هو الثلاث الثالث ومع عدم تخلل التكفير لاتجب إلاّ واحدة.
ومقتضى ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) في كلامه المتقدم هو ان الاعتبار بالثلاث، سواء تحقق التكفير أم لم يتحقق فاذا لم يكفر عن الثلاث الاول يكون في الثلاث الثاني كفارتان احداهما للأول والثانية للثاني هكذا في الثلاث الثالث.
ومقتضى ماذكره بعض الاعلام (قدس سرهم) انّ الملاك هو تحقق عنوان الزيادة على الاثنتين وعنوان فوقهما ولازم ذلك بعد تقييد اطلاق صحيحة ابن خالد الدالة على ثبوت الكفارة في مطلق الجدال واخراج المرة الأولى وكذا المرة الثانية منه، ترتب الكفارة على العنوان المذكور الذي يكون أول مصاديقه المرة الثالثة، وعليه فكما انه فيها شاة كذلك في المرّة الرابعة وكذا في المرّة الخامسة وهكذا بمعنى ثبوت الشاة في كل مرّة من الثلاث وما بعدها ويحتمل ضعيفاً ان يكون مراده عدم التكرار اصلاً من دون فرق بين ما اذا كفّر بعد الثلاث وما اذا لم يكفّر.
والتحقيق بناء على الطريق الذي سلكناه انّ الدليل في المقام لو كان منحصراً بما ورد في اليمين الثالث في الجدال الصادق، من الروايات المتقدمة، لامكن الذهاب الى ما أفاده صاحب الجواهر لكن صحيحتي الحلبي ومحمد بن مسلم المتقدمتان وان قلنا بثبوت الاعراض عنهما في اليمين الكاذبة لدلالتهما على ثبوت البقرة في الثالثة على خلاف المشهور إلاّ أنه لم يتحقق الاعراض عنهما بالاضافة الى الجدال الصادق في
(الصفحة 131)مسألة 27 ـ يجوز في مقام الضرورة لاثبات حق أو ابطال باطل القسم بالجلالة وغيرها1 .
الزائد على اثنين وعليه تكون الصحيحتان مفسرتين لما وقع فيه التعبير بالثلاث، ومقتضاهما ان الملاك في ثبوت الكفارة ليس هو عنوان الثلاث والخصوصية الموجودة فيه بل الملاك هو عنوان الزيادة على الاثنين والفوقية المضافة اليهما و ـ ح ـ لابد من ملاحظة ان من جادل أربع مرّات ـ مثلاً ـ هل يتحقق منه مصداقان للعنوان المذكور كما انه قد تحققت مصاديق أربعة لطبيعة الجدال وماهيته أو لايكون في البين إلاّ مصداق واحد.
والظاهر الذي يساعده فهم العرف هو الثاني فانه لو أمر المولى عبده بان يجيئه بازيد من رجلين فلا فرق في تحقق الموافقة وحصول الطاعة بين ان يجيء بثلاثة أو بأربعة أو بخمسة أو بأزيد وليس في الأربعة موافقتان وفي الخمسة موافقات ثلاث وهذا من دون فرق في المقام بين تخلل التكفير وعدمه فان كون الكفارة موجبة لصيرورة ما وجد وتحقّق كان لم يوجد ولم يتحقق، أمر يحتاج الى دليل، ومع عدمه يكون مقتضى الاطلاق عدم الفرق في ذلك.
وقد ظهر من ذلك انّ الجمود على مقتضى الروايات مع غمض النظر عن الفتاوى يقتضي الالتزام بعدم ثبوت كفارة واحدة في الجدال صادقاً ثلاثاً كان أو أزيد تخلّل التكفير أو لا، وقد مرّ انه يحتمله ضعيفاً كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) المتقدم.
(1) حكى عن الدروس وغيرها انه استقرب الجواز وانتفاء الكفارة فيما لو اضطر الى اليمين لاثبات حق أو نفي باطل والظاهر انه ليس المراد من الحقّ مثل الدين الذي له على الغير في مقابل الباطل بهذا المعنى بل المراد من الحق والباطل ما يرتبط بالشرع من الامور الاعتقادية والاحكام العملية واشباههما والدليل على الجواز انصراف ادلّة
(الصفحة 132)الثاني عشر: قتل هوامّ الجسد من القمّلة والبرغوث ونحوهما، وكذا هوامّ جسد ساير الحيوانات، ولايجوز القائها من الجسد، ولا نقلها من مكانها الى محلّ تسقط منه، بل الأحوط عدم نقلها الى محلّ يكون معرض السقوط، بل الاحوط الأولى ان لاينقلها الى مكان يكون الأوّل أحفظ منه، ولايبعد عدم الكفارة في قتلها لكن الاحوط الصدقة بكفّ من الطعام 1 .
حرمة الجدال على المحرم عن مثل هذا الجدال المؤثّر في اثبات الحق وابطال الباطل وامّا رواية ابي بصير المتقدمة الدالة على الجواز فيما اذا كان المقصود منه اكرام أخيه فلا دلالة لها على الجواز في المقام بلحاظ قوله في الذيل: «امّا ما كان فيه معصية» فلا بناء على المعنى الذي ذكرنا للذيل نعم لو كان المراد منه تخصيص الجدال المحرَّم بما كان فيه معصية كالكذب والغيبة ونحوهما يمكن الاستدلال بها ـ ح ـ لكن لازمه عدم حرمة الجدال مطلقاً على المحرم مع ان المفروض ثبوتها وترتب الكفارة في مطلقه مع الخصوصيات المتقدمة فتدبر جيداً.
(1) في هذا الأمر مباحث:
المبحث الاوّل: في قتل القمّلة والمنسوب الى المشهور عدم جوازه على المحرم. نعم اقتصر جماعة من القدماء على حرمة الالقاء من دون التعرّض للقتل ولكن الظاهر عدم كون مرادهم جواز القتل. نعم صريح ما حكى عن ابن حمزة التفصيل بين القتل والالقاء عن الجسد بجواز الاوّل دون الثاني.
ويدلّ على القول المشهور روايات دالة بالخصوص أو العموم على الحرمة مثل:
صحيحة زرارة قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) هل يحكّ المحرم رأسه ويغتسل بالماء قال: يحكّ رأسه مالم يتعمد قتل دابة الحديث(1) . ومن الظاهر انّ الدابة التي يمكن ان
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح4.
(الصفحة 133)
يتعمّد قتلها بالحكّ ليست إلاّ القملة التي تتولد وتتكون في الجسد فالرواية ظاهرة في حرمة قتل القمّلة مع التعمد.
ومعتبرة ابي الجارود قال سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم قال: بئس ما صنع قلت فما فدائها قال لا فداء لها(1) . وابو الجارود وان كان من الزيدية إلاّ انه موثق بالتوثيق العام وكذا بالتوثيق الخاص من الشيخ المفيد (قدس سره) ولا تنبغي المناقشة في ظهور الجواب في الحرمة فان التعبير بقوله: بئس لا يناسب الكراهة بوجه.
وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اتق قتل الدواب كلّها ولا تمس شيئاً من الطيب الحديث(2).
ولا مجال للخدشة في كون القملة من الدواب بعد تعبير صحيحة زرارة المتقدمة عنها بالدابة كما لايخفى.
نعم ربما يمكن ان يقال بدلالة صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمار على عدم الحرمة قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما تقول في محرم قتل قملّة؟ قال: لاشيء عليه في القمل ولا ينبغي ان يتعمد قتلها(3). وقد رواه بعينها صاحب الوسائل في بعض الأبواب الاُخر فتوهم انهما روايتان مع انها ليست إلاّ رواية واحدة وان كان الراوي عن معاوية مختلفاً والظاهر انّ محطّ السؤال ما يلزم على المحرم الذي قتل قملة بعد وقوعه وتحققه وهذا يكشف عن كون الحرمة مفروغاً عنها عند السائل وان مورد السؤال ما يترتب على فعله من الكفارة فالجواب ناظر الى عدم ثبوت شيء أي كفارة عليه فعليه فقوله: «ولا ينبغي
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الخامس عشر، ح8.
- (2) الوسائل ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح9.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح2.
(الصفحة 134)
ان يتعمد قتلها» انما يكون تأكيداً لما هو المفروغ عنه عند السائل فاللازم ان يكون المراد من قوله لاينبغي هي الحرمة وان ابيت عن ذلك وقلت بأنّ السؤال انّما هو عن الجواز التكليفي والكفارة معاً والجواب ناظر الى نفي الثاني وثبوت الأوّل، غاية الأمر ثبوت الكراهة.
فنقول اوّلاً منع كون لاينبغي ظاهراً في نفسه في خصوص الكراهة أو الأعم منها ومن الحرمة بل الظاهر كونه ظاهراً في الحرمة إلاّ في مورد ثبوت القرينة على الخلاف.
وثانياً على فرض تسليم ظهورها في عدم الحرمة ليس ظهورها فيه بأقوى من ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة ولا في رتبته بل الروايات المتقدمة تصير قرينة على كون المراد من قوله: «لاينبغي» هي الحرمة كما هو ظاهر.
ثم انه يدلّ على عدم جواز قتل القملة أيضاً ما يدلّ على عدم جواز القائها من الجسد ورميها منه مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلاّ القملة فانها من جسده، وان أراد ان يحولّ قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه(1) .
ورواية الحسين بن ابي العلاء قال: قال ابو عبدالله (عليه السلام): لايرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمّداً فان فعل شيئاً من ذلك فليطعم مكانها طعاماً قلت: كم ؟ قال: كفّاً واحداً(2).
نظراً الى ان المتفاهم من مثلهما عند العرف عدم جواز القتل أيضاً لا للأولوية حتى يناقش فيها بان الظنية منها لاتجدي والقطعية غير محققة، بل للاستفادة العرفية من
- (1) الوسائل ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح5.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح3.