(الصفحة 23)
الشرايع وقوّاه صاحب الجواهر في شرحها.
لكن المحكى عن الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة ما ظاهره الاختصاص بستّة أنواع: المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس، بل عن خلاف الشيخ الاجماع على اَنَّهُ لا كفارة في غيرها، نعم عدم وجوب الكفارة أعمّ من عدم الحرمة بخلاف الثبوت حيث انه يكشف عن ثبوتها كما مرّ غير مرّة. والورس بفتح الواو وسكون الراء نبات كالسمسم ينحصر باليمن ويؤخذ لحمرة الوجه وبعض الامور الاُخر وسحيقه كسحيق زعفران.
والمحكّى عن الجمل والعقود والمهذب والاصباح والاشارة حصره في خمسة باسقاط الورس بل في الغنية نفي الخلاف عن حرمتها، وهو لايدل على عدم ثبوت الحرمة لغيرها كما لايخفى.
واختار بعض الاعلام (قدس سرهم) الخمسة باسقاط الكافور من تلك الستة.
وعن الصدوق في المقنع بل المحكّى عن التهذيب وابن سعيد حصره في أربعة: المسك والعنبر والزعفران والورس وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) ان هذا القول في غاية الندرة حتى ان الشيخ الذي قال به في التهذيب قد رجع عنه في المبسوط الى العموم وفي الخلاف الى الستّة.
واللازم في هذه الجهة ملاحظة الروايات الواردة في الباب وينبغي قبل ذلك التنبيه على أمرين:
الاَمر الاوّل: انه لا مجال لاحتمال كون الطيب في زماننا هذا له مفهوم آخر غير الطيب في زمن صدور الروايات حتى نفتقر في الحكم ببطلانه الى استصحاب القهقرى وذلك لعدم خصوصية لهذا العنوان بين العناوين المشابهة له فالطيب من الألفاظ العربية
(الصفحة 24)
التي وضع لمعنى مخصوص ولا سبيل الى احتمال تغيّر معناه الموضوع له بوجه.
الاَمر الثاني: انه لاشبهة في ان تفسير الطيب كما يأتي في بعض الروايات لايكون من قبيل التعريف الواقع في اللغة غير المرتبط بباب الاحكام فان هذا المعنى ليس من شأن الائمة (عليهم السلام) في مقام بيان الحكم وان كانوا هم أعرف من كل لغويّ بالمراد من اللفظ لكن مقام بيان الحكم لايلائم مع ذلك فكما ان تفسير الصعيد في بعض الروايات لايرجع إلاّ الى كون المراد من الصعيد الواقع في آية التيمم ماذا، من دون ان يكون مرجعه الى توضيح اللغة بالنحو المتداول في كتب اللغة كذلك تفسير الطيب أيضاً ببعض الانواع لايكون مرجعه إلاّ الى ان ما ترتب عليه الحكم في باب الاحرام ماذا غاية الأمر انّ هذا النحو من التعبير انما يكون لسانه بنحو الحكومية كقوله لاشك لكثير الشك على ما قرّر في محلّه.
وبعد هذين الأمرين نقدّم البحث عن الروايات التي استدل بها على عدم العموم فنقول:
عمدتها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لاتمسّ شيئاً من الطيب وانت محرم، ولا من الدهن وامسك على أنفك من الريح الطيبة، ولا تمسك عليها من الريح المنتنة، فانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة، واتّق الطيب في زادك، فمن ابتلى بشيء من ذلك فليعد غسله، وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع، وانّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر والورس والزعفران، غير انه يكره للمحرم الادهان الطيّبة إلاّ المضطّر الى الزيت أو شبهه يتداوى به(1) . وحكى عن التهذيب: «فعليه غسله» مكان: «فليعد غسله» وهو الظاهر والعجب من صاحب الوسائل حيث انه جعل هذه
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح8.
(الصفحة 25)
الرواية أربع روايات أوردها في باب واحد والذي دعاه الى ذلك الاقتصار في اثنتين منهما على صدر هذه الرواية وفي الثالثة على ذيلها مع ان الراوي عن معاوية في اثنتين هو صفوان مع فضالة أو مع ابن ابي عمير وفي الآخرتين هو ابراهيم النخعي ومن الواضح هي الوحدة المشتملة على ما نقلنا.
و
منها: موثقة ابن ابي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الطيب: المسك والعنبر والزعفران والعود(1) .
و
منها: موثقة عبدالغفار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: الطيب: المسك والعنبر والزعفران والورس...(2) وقد رواها في الوسائل في ابواب تروك الاحرام عن الشيخ بهذا النحو ولكنه رواها في ابواب آداب الحمام عن الكليني وفيها العود مكان(3) الورس...
والظاهر كما مرّ ان هذا النحو من التعبير ناظر الى الحكم المترتب على الطيب في الشريعة وهو ليس إلاّ الحرمة الاحرامية المعهودة بين المسلمين فضلاً عن المؤمنين ولسانه لسان الحكومة وانّ الطيب المحرّم على المحرم وان كان مذكوراً بنحو الاطلاق في دليل التحريم أي الدليل المحكوم لكن المراد به خصوص الأنواع الأربعة.
وقد اشترك جميع هذه الروايات في ان المراد هي أربعة أنواع لكن الاختلاف بينها انّما هو في النوع الرابع وانه هل هو الورس أو العود فمقتضى رواية معاوية بن عمّار ورواية عبدالغفار على أحد نقليها ان الرابع هو الورس ومقتضى رواية ابن أبي يعفور ورواية عبدالغفار على النقل الآخر ان الرابع هو العود.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح15.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح16.
- (3) ابواب آداب الحمام، الباب السابع والتسعون، ح2.
(الصفحة 26)
وعلى أيّ حال فهذه الروايات مختلفة من هذه الجهة.
وربما يُقال كما قاله جملة من المحققين بانه لاتعارض بينها في الحقيقة لأن دلالة كل من الطرفين على حرمة خصوص المذكورات فيها انّما هي بالصراحة وعلى عدم حرمة ما عداها انّما هي بالظهور فيتصرف في ظهور كل منهما بنصّ الآخر بمقتضى قاعدة حمل الظاهر على الأظهر أو النص فان صحيحة معاوية بن عمّار وان كانت مشتملة على اداة الحصر ومتعرضة لعنوان الأربعة مضافاً الى كون الأنواع المذكورة فيها أربعة إلاّ ان كل ذلك لايوجب صراحتها في عدم حرمة عنوان خامس غير العناوين الأربعة المذكورة فيها بل مقتضى الوضع وكون كلمة «انّما» موضوعة للحصر لايتجاوز عن الظهور كظهور الأسد في معناه الحقيقي المستند الى الوضع وكذا عنوان «الأربعة» وعدّ العناوين كذلك فان شيئاً منهما وكذا المجموع لايوجب الصراحة في نفي الخامس بل لايكون في البين إلاّ مجرّد الظهور، وكذا الروايتان الآخرتان فانهما وان كانتا بلسان الحكومة وناظرتين الى تفسير عنوان الطيب الذي وقع متعلقاً للحرمة الاحرامية في أدلّة التحريم إلاّ ان دلالتهما لاتبلغ حدّ الصراحة في جانب النفي وان كانت صريحة بالاضافة الى جانب الاثبات فمقتضى الجمع هو الحكم بكون المحرّم هو العناوين الخمسة.
ومن أضاف اليها الكافور فمستنده ما دلّ عل يمنع الميّت المحرم منه فالحيّ أولى وان كان مخدوشاً لمنع الأولوية فان المحرم اذا عرض له الموت لايبقى له وصف المحرمية بوجه بل الظاهر انه حكم تعبدي لايجوز التعدّي عن مورده.
هذا ويمكن المناقشة في الجمع المذكور بعدم كونه مقبولاً عند العقلاء والعرف موجباً لخروج الطرفين عن عنوان المتعارضين الذي هو الموضوع في الأخبار العلاجية
(الصفحة 27)
مثل مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة.
نعم ما يترتب على الجمع المزبور هو وجود الضعف في دلالة هذه الأخبار في مقابل الأخبار الدالة على حرمة مطلق الطيب ولابد من ملاحظتها ايضاً ثم النظر فيما يقتضيه الجمع فنقول:
منها: صحيحة محمد بن اسماعيل ـ يعني ابن بزيع ـ قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام)كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من ريحه(1) .
والظاهر انه لايستفاد منها حرمة الطيب بنحو الاطلاق لأنّ الحاكي لفعل الامام (عليه السلام)هو الرّاوي لا امام آخر حتى يمكن التمسك باطلاق كلامه في مقام الحكاية اذا كان بصدد بيان الحكم كما نبهّنا عليه مراراً ومن الظاهر ان الطيب المكشوف بين يدي الامام (عليه السلام) كان نوعاً خاصاً فلا دلالة لهذه الرواية على الاطلاق.
ومنها رواية سدير قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لاينبغي أن يأكل شيئاً فيه زعفران، ولا شيئاً من الطيب...(2) وفي نسخة من الوسائل: ولا يطعم شيئاً من الطيب والظاهر ان «لا» في هذه النسخة للنهي لا زائدة وعلى كلتا النسختين فلا شبهة في كون المراد لاينبغي هي الحرمة لحرمة الزعفران.
ومنها رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تمسّ ريحاناً وأنت محرم، ولا شيئاً فيه زعفران ولا تطعم طعاماً فيه زعفران(3). ونقل مثلها عن الشيخ في الوسائل وجعلهما روايتين وأوردهما في باب واحد.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني عشر، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح3.