(الصفحة 28)
ومنها مرسلة حريز عمّن أخبره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذّذ به ولا بريح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته(1) .
وقد رواها في الوسائل عن الكليني هكذا ولكنه رواها عن الشيخ مسنداً وجعلها رواية اُخرى أورد كلتيهما في باب واحد مع وضوح وحدة الرواية وكون الاختلاف في المتن يسيراً جدّاً حيث لاتكون الرواية الثانية مشتملة على قوله: ولا بريح طيبة وذكر فيها مكان «قدر سعته»: بقدر شبعه يعني من الطعام، والظاهر ان قربهما في الكتابة يوجب الظن بكون أحدهما تصحيف الآخر.
ومنها رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث ان المرأة المُحْرِمة لاتمسّ طيباً(2). ومن الواضح عدم اختصاص الحكم بالمرأة المحرمة لأنه لا قائل بالفرق بينها وبين الرجل في هذا الحكم والمناقشة في السند باعتبار اشتماله على سهل بن زياد مدفوعة بكون استناد المشهور الى مثلها جابراً لضعفها.
ومنها رواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال اذا كنت متمتعاً فلا تقرّبنّ شيئاً فيه صفرة حتى تطوف بالبيت(3). والظاهر ان المراد من الصفرة الزعفران والورس ولا تشمل الرواية غيرهما.
ومنها رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله ـ عزّوجلّ ـ: ثم ليقضوا تفثهم قال: التفث حفوف الرجل من الطيب فاذا قضى نسكه حلّ له الطيب(4).
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح6.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح7.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح12.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح17.
(الصفحة 29)
والمراد من الحفوف بعد العهد بسبب الاحرام من تطييب الرجل الذي كان معمولاً في تلك الأزمنة وعليه فالمراد من الآية انه بعد قضاء مناسك الحج يجوز لهم العود الى ما كانوا عليه والرواية ظاهرة في حرمة الطيّب حال الاحرام وان حليته متوقفة على قضاء النسك.
ومنها مرسلة الصدوق المعتبرة قال: وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) اذا تجهّز الى مكّة قال لأهله: ايّاكم ان تجعلوا في زادنا شيئاً من الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعمه(1) . ولكنه، حيث يكون الحاكي لفعل الامام (عليه السلام) هو غيره من الرواة فلا دلالة في الحكاية على كون العلّة في النهي هي حرمة الطيب مطلقاً ومن الممكن ان يكون بعض أنواعه مكروهاً غير محرّم عنده (عليه السلام) وكانت الكراهة هي العلّة في النهي كما لايخفى.
ومنها رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسياً فلا شيء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه(2). وهذه الرواية من أحسن الروايات التي يمكن الاستدلال بها للمشهور ولا مجال لحملها على الكراهة بوجه حيث انّها لاتجتمع مع ثبوت الكفارة خصوصاً كفارة الدّم.
ومنها رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل مسّ الطيب ناسياً وهو محرم قال: يغسل يده ويلبيّ(3).
والسؤال ظاهر في كون حرمة الطيب على المحرم مفروغاً عنها عند السائل وانما السؤال عن خصوص حال النسيان والجواب تقرير له، مضافاً الى ظهوره في وجوب
- (1) ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح18.
- (2) الوسائل، ابواب بقيّة كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح1.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح2.
(الصفحة 30)
غسل اليد بعد زوال النسيان.
ومنها رواية الحسن بن زياد قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) وضّأني الغلام ولم أعلم "بدستشان" فيه طيب، فغسلت يدي وانا محرم، فقال: تصدّق بشيء لذلك(1) .
قيل: دستشان معرب دست شود ويحتمل كونه مصحف الاشنان الذي وقع التعرض له في بعض الروايات، ويحتمل ان يكون مجموع الكلمة فارسيّاً قد استعمل لكون السائل من الفرس.
ومنها رواية اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المحرم يمسّ الطيب وهو نائم لايعلم. قال: يغسله وليس عليه شيء. و «سئلته خ ل» عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لايعلم ما عليه، قال: لا شيء يغسله أيضاً وليحذر...(2)
ومنها رواية اُخرى للحسن بن زياد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: الاشنان فيه الطيب أغسل به يدي وانا محرم؟ فقال اذا أردتم الاحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لاتحتاجون اليه، وقال: تصدّق بشيء كفارة للاشنان الذي غسلت به يدك(3).
ومن المحتمل قوّياً ان تكون هذه الرواية هي رواية الحسن بن زياد المتقدمة وعليه فيظهر ان الكلمة في تلك الرواية اشنان لا الاحتمالات الاُخر واشتمال هذه على بعض الاُمور الاُخر لاينافي الاتحاد بوجه.
ومنها مرسلة المفيد (قدس سره) في المقنعة وهي معتبرة أيضاً قال: قال (عليه السلام): كفارة مسّ
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح4.
- (2) الوسائل، ابواب بقيّة كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح7.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح8.
(الصفحة 31)
الطيب للمحرم ان يستغفر الله...(1)
ومنها غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.
ثمّ ان صاحب الجواهر (قدس سره) تبع المحقق صاحب الشرايع في جعل القول بالعموم هو الأظهر وقال بعد توصيف القول بالأربعة بكونه في غاية الندرة: «ومنه يعلم المناقشة في الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من الكفارة بانه لابد من صرفه عن ظاهره بالنسبة الى الكافور والعود لما عرفت فيكون مجازاً بالنسبة الى ذلك وهو ليس بأولى من ابقاء العموم على حاله وحمله على ما هو أغلظ تحريماً أو المختص بالكفارة بل لعلّه أولى وان كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيث ما تعارضا، فان ذلك حيث لايلزم إلاّ أحدهما، وامّا اذا لزم المجاز على كلّ تقدير فلا ريب في انّ اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص كما لايخفى والعمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور بمضمونهما واشتمال بعضها على التعليل بانه لاينبغي للمحرم التلذذ بذلك المناسب لمعنى الاحرام ولما ورد في دعائه من احرام الايف وغيره فيكون الظنّ بها أقوى...».
ومحصله ـ مع تقريب منّا ـ انه في الدوران بين المجاز والتخصيص وان كان الترجيح مع الثاني امّا لعدم كون التخصيص مستلزماً للمجازية كما قد حقق في الاصول لأنه تصرف في الارادة الجدية ومانع عن جريان اصالة التطابق بين الارادتين: ـ الاستعمالية والجدية ـ ولا يستلزم التصرف في الإرادة الاستعمالية بحيث يكون كاشفاً عن ان المستعمل فيه غير العموم، وامّا لكونه أغلب من المجاز نظراً الى انه ما من عام إلاّ وقد خصّ كما اشتهر إلاّ ان مورد هذا الترجيح، ما اذا لم يكن التخصيص في مورد
- (1) الوسائل، ابواب بقيّة كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح9.
(الصفحة 32)
مستلزماً للمجازية أيضاً وامّا في صورة الاستلزام فالترجيح مع عدمه لبقاء اصالة المعموم على حالها والمقام من هذا القبيل للزوم التصرف في روايات الأربعة جميعاً حتى الصحيحة المشتملة على أداة الحصر الظاهر في الحصر الحقيقي خصوصاً مع التعرّض لعنوان «الأربعة» لأنك عرفت ان مقتضى الجمع بين هذه الروايات جعل الأنواع المحرّمة خمسة وبضميمة الكافور ستة وعليه فالتخصيص أيضاً يوجب الحمل على خلاف الظاهر فلا يبقى مجال لترجيح التخصيص على المجاز مع استلزام الطرفين له، امّا التخصيص فلما عرفت، وامّا العموم فلأن حمل هذه الروايات على تأكد الحرمة وأشديتها أو على كون المراد من الطيب المذكور هو الطيب المحرّم الموجب للكفّارة على خلاف الظاهر فالمجازية لازمة على كلا التقديرين والترجيح مع المجاز الذي لاينافي انحفاظ اصالة العموم خصوصاً مع وجود الشهرة المؤيدة وساير المؤيدات المذكورة في كلامه.
وقد أورد على هذا الكلام بعض الاعاظم (قدس سرهم) على ما في تقريرات بحثه بما حاصله: «انه لايلزم من تخصيص العمومات بالحصر المذكور في صحيحة معاوية بن عمّار مجاز أصلاً لا في العام لعدم كون التخصيص مستلزماً للمجازية في العام ولا في الحصر نظراً الى لزوم حمله على الاضافي بالنسبة الى العود والكافور لأن أدوات الحصر كألفاظ العموم تدلّ على حصر متلوّها فان قيل ما جائني إلاّ زيد يكون مفاد «ما و إلاّ» حصر المجيء في زيد، وان قيل إلاّ زيد وعمرو يكون الحصر ثابتاً في اثنين وهكذا فأداة الحصر نظير الفاظ العموم حيث انه لا فرق فيها بين ان يقول: اكرم كلّ رجل، وبين ان يقول اكرم كل رجل عالم وعليه فكلمة «انّما» في الصحيحة انما تفيد الحصر وامّا كون المحصور فيه خصوص الأربعة فمنوط بعدم دليل على حرمة غيرها ومعه يكون