(الصفحة 256)
وامّا العنوان المستثنى فالظاهر انّ مقتضى الجمع بين صحيحة حريز وبين سائر الروايات الواردة في هذا المقام التي لايبعد دعوى انجبارها باستناد المشهور اليها ولذا نفى صاحب الجواهر (قدس سره) وجدان خلاف محقق بالاضافة الى الدار أو المنزل ويبعد كون مستندهم خصوص الموثقة بعد عدم ذكر «المنزل» في الفقرة الاولى خصوصاً بعدما عرفت من الاحتمال المتقدم في ذكر المنزل في الفقرة الثانية ودعوى ان ذكر عنوان «المنزل» في غير الموثقة من سائر الروايات قد وقع في مورد السؤال وهو لايدلّ على ثبوت مدخليّة له، مدفوعة بان التعرض في كلام السائل وان كان لا دلالة له على ذلك إلاّ أن توصيف المنزل في بعضها بقوله (عليه السلام): وهو يدلّ على ثبوت خصوصية من هذه الجهة.
وكيف كان فالظاهر ان مقتضى الجمع هو الالتزام بان العنوان المستثنى هو أحد أمرين على سبيل منع الخلّو امّا ان يكون انبات الشجر أو الحشيش مستنداً اليه ومضافاً بنفسه لا في مقابل التسبيب بل في مقابل ما اذا أنبته الغير أو نبت بنفسه من دون فرق بين ان يكون في ملكه فضلاً عن منزله وداره وبين ان يكون في ملك الغير أو في أرض مباحة، وامّا ان يكون الشجر والحشيش نابتاً في ملكه بعدما صار ملكه من دون فرق بين المنزل والدار وبين مثل المزرعة سواء كان نباتهما بانباته أو بنفسهما كما لايخفى.
المورد الثاني: شجر الفواكه والنخيل سواء أنبته الله أو الآدمي وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر ثم قال: بل نسبه غير واحد الى قطع الأصحاب كما عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه.
والأصل في ذلك روايتان:
أحداهما مارواه الشيخ بسند فيه الطاطري ـ الذي هو واقفي ولكنّه ثقة كما ذكرنا
(الصفحة 257)
سابقاً عن سليمان بن خالد، والصدوق بسند صحيح عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: لاينزع من شجر مكّة شيء إلاّ النخل وشجر الفاكهة(1) .
ثانيتهما مرسلة عبدالكريم عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لاينزع من شجر مكّة إلاّ النخل وشجر الفاكهة(2). وقد استدلوا بهاتين الروايتين على جواز قلع شجرة النخل والفاكهة فضلاً عن القطع وعن قطع بعض أغصانه وأوراقه وفاكهته وقد صرّح المحقق بجواز القلع مع انه من المستبعد جدّاً أن يكون اشتمال الشجرتين على الفاكهة والنخل موجباً لجواز قلعهما في مقابل الشجرة التي لايترتب عليها أثر إلاّ مجرد الخضروية والاشتمال على الظلّ الموجودين في شجرة الفاكهة مع اضافة الفاكهة ويغلب على الظن بمقتضى التأمّل في الروايتين المشتملتين على ذكر عنوان «النزع» مع ضمّ كلمة «من» ان المراد جواز النزع من الشجرتين الراجع الى جواز نزع ثمرتهما لكونهما موضوعتين لذلك ولازمه جواز نزع الأغصان الزائدة المانعة عن الاثمار أو كماله وبالجملة لا دلالة في شيء من الروايتين على جواز قلع الشجرة المثمرة أو قطعها على ما هو ظاهر المتن تبعاً للمشهور والاحكام المرتبطة بمسائل الحرم والمناسك وان كانت تعبدية محضة إلاّ ان الالتزام بها انّما هو في صورة قيام الدليل عليها ومع عدمه لا مجال للزوم التعبّد بها بوجه.
المورد الثالث الأذخر الذي هو نبات بريّ له رائحة طيبة ويدلّ على استثنائه صحيحة حريز المفصلّة المتقدمة في أوّل هذا الأمر(3). الدالة على انّ العبّاس عمّ
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح9.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والثمانون، ح1.
(الصفحة 258)مسألة 45 ـ لو قطع الشجرة التي لايجوز قطعها فان كانت كبيرة فعليه بقرة، وان كانت صغيرة فعليه شاة على الأحوط 1 .
مسألة 46 ـ لو قطع بعض الشجر فالأقوى لزوم الكفارة بقيمته وليس في الحشيش كفارة إلاّ الاستغفار 2.
النبي (صلى الله عليه وآله) قد طلب منه استثناء الأذخر منه (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة بعد قوله (صلى الله عليه وآله) ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها مستنداً الى انه للقبر والبيوت فقبل منه النبي (صلى الله عليه وآله)واستثنى الأذخر.
ورواية زرارة قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول حرّم الله حرمه بريداً في بريد ان يختلي خلاه أو يعضد شجره إلاّ الأذخر أو يصاد طيره. الحديث(1)
(1) و (2) المشهور كما حكى عن غير واحد بل عن الخلاف الاجماع عليه ان قلع شجرة الحرم ان كانت كبيرة فيه بقرة ولو كان القالع محلاًّ وفي الصغيرة شاة وفي أبعاضها القيمة.
لكن عن ابن ادريس انه لا كفارة في هذا المورد مطلقاً، وعن القاضي ثبوت البقرة مطلقاً، وعن ابن الجنيد الاسكافي ثبوت القيمة مطلقاً واختاره العلاّمة في محكّى المختلف ومن المعاصرين بعض الاعلام (قدس سرهم) وعن الحلبيين في قطع الأبعاض ما يتيسر من الصدقة.
والروايات الواردة في هذا المقام لا تتجاوز عن ثلاث:
احديها ما أورده الصدوق باسناده عن منصور بن حازم انه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الاراك يكون في الحرم فأقطعه ؟ قال عليك فدائه(2). والاستدلال بها للمشهور مبني على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والثمانون، ح4.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن عشر، ح1.
(الصفحة 259)
كون المراد من الاراك هي الشجرة الصغيرة لأنه هي الشجرة التي يؤخذ منها السواك وهي صغيرة. ومن الفداء هو الشاة.
لكنه قد استشكل في الروايه من جهة السند والدلالة معاً امّا من جهة السنّد فلأنّ في طريق الصدوق الى منصور بن حازم محمد بن علي ماجيلويه وقد وثّقه العلاّمة في الخلاصة ولا عبرة بتوثيقه فيها ومجرّد الشيخوخة لايوجب الوثاقة.
وامّا من جهة الدلالة فلأنه لا دليل على كون المراد بالفداء هي الشاة بل الظاهر من الفداء هو البدل كما هو الشايع في الاستعمالات الواردة في الآيات والروايات ومرجعه الى المثل في المثليات والقيمة في القيميات فالمراد من الفداء في الرواية هو ثمن الشجر وقيمته.
والجواب عن الأوّل مضافاً الى ان ضعف السند غير قادح في مثل المقام مما كانت الرواية الضعيفة مورداً لاستناد المشهور اليها والى ما ذكره المستشكل في ذيل كلامه من انه قد يكون للصدوق طريقان الى كتب الاصحاب والرواة ومع ذلك لايذكر في مشيخة الفقيه إلاّ الطريق الذي يكون ضعيفاً ولا يذكر الطريق الآخر لكن الشيخ (قدس سره) في الفهرست أو في مشيخة التهذيب يتعرض لذلك الطريق الذي لايكون ضعيفاً والمقام من هذا القبيل.
انّ عدم العبرة بتوثيق العلاّمة في الخلاصة لا وجه له بعد وضوح ثبوت المستند له في التوثيق ولا يكون مجرّد الفصل الزماني الكثير بينه وبين الرواة مانعاً عن اعتبار توثيقه ضرورة ان هذا الفصل موجود في النجاشي والكشي بالاضافة الى أصحاب الباقر أو الصادق (عليهما السلام).
وعن الثاني ان الفداء وان كانت لغة بالمعنى المذكور إلاّ ان الظاهر كون المراد بها
(الصفحة 260)
في باب كفارات الحج هي الشاة دون البدل يعني المثل أو القيمة ويؤيده مضافاً الى فهم المشهور منه ذلك مع كون أكثرهم من أجلّة علماء الأدبيّة والمطلّعين على اللغة العربية انه لو كان المراد منه القيمة لما كان وجه للعدول عن التعبير عنها به خصوصاً مع ملاحظة التصريح بالثمن في الرواية الآتية الواردة في قطع الابعاض والظاهر ان كلمة الفداء في باب كفارات الحج انما هي كاطلاق كلمة «الدم» المنصرف الى خصوص دم الشاة كما مرّ مراراً وعليه فالاستناد الى الرواية لما ذهب اليه المشهور بالاضافة الى الشجرة الصغيرة تامّ لا مناقشة فيه.
ثانيتهما رواية سليمان بن خالد التي قد عرفت انّها موثقة على نقل الشيخ وصحيحة على نقل الصدوق عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يقطع من الاراك بمكّة قال عليه ثمنه يتصدّق به ولا ينزع من شجر مكّة شيئاً إلاّ النخل وشجر الفواكه(1) . وظاهرها ثبوت الثمن على بعض الشجر المقطوع من الاراك من أغصانه وفروعه لظهور الفرق بين قطع الاراك الظاهر في قطع الجميع كما هو مورد السؤال في الروايه المتقدمة حيث وقع التعبير فيه بقوله: فاقطعه وبين القطع من الاراك كما هو مورد السؤال في هذه الرواية فان ظاهره قطع بعضه من أغصانه وفروعه وعليه فدلالة الرواية على ثبوت كفارة القيمة في قطع ابعاض الشجرة ظاهرة ودعوى انّها تدلّ بالأولوية على ثبوت الكفارة في القلع يدفعها انه ان كان المراد الأولوية بالنسبة الى أصل الكفارة فهو واضح ولكنه لايستلزم كون الكفارة الثابتة فيه هو الثمن والقيمة ايضاً ومن الممكن ان تكون كفارته الشاة كما في الرواية السابقة وان كان المراد الاولوية بالنسبة الى خصوص كفارة الثمن فهو ممنوع جدّاً وكيف كان فدلالة الرواية على بعض مدّعي المشهور لا مجال للارتياب فيها
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن عشر، ح2.