(الصفحة 339)
يقال بان قرينة المقابله تقتضي ان يكون المراد به جنس المذكر اعم من البالغ.
وكيف كان فهذه الصحيحة واردة في الاغلف الذي يشمل غير البالغ ولا اختصاص له به لكن لابد من النظر في دلالتها من وجهين الاوّل انه يمكن ان يقال كما قيل بانّ النّهي عن الطواف بالاضافة الى الاغلف قرينة على كون المراد به هو البالغ لانّ غيره لا يكون مكلّفاً بتكليف الزامي وان قلنا بشرعية عبادات الصبي كما هو مقتضي التحقيق والظاهر ان البحث في المقام متفرع على هذا القول لانه على تقدير عدمها وكون عباداتها تمرينته مخصة لا مجال لدعوى اعتبار الختان في طوافه يعني في صحته ومشروعيته.
وكيف كان فمقتضي هذا الوجه اختصاص الاغلف في الصحيحة بالبالغ لعدم توجه التكليف الالزامي الى الصبي بوجه والجواب عن هذا الوجه ان الظاهر كون النهي في لصحيحة ارشاداً الى فساد الطواف في حال كون الطائف اغلف فالنهي دال على شرطية الختان او مانعية الاغلفية ومن الواضح انه لا فرق في الاحكام الوضعية بين البالغ وغيره كسببية اتلافه للضمان واشتراط صلوته بالطهور واشباههما.
هذا والظاهر ان دلالة مثل هذا النهي على الحكم الوضعي لا تكون تابعة للدلالة على الحكم التكليفي كما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) بل النهي الدال على الحكم الوضعي قسيم للنهي الدال على الحكم التكليفي ولا يكون في البين اصالة وتبعية بوجه.
الثاني ما افاده بعض الاعلام (قدس سره) من ان الاغلف في الصحيحة وان كان شاملاً لمطلق الذكر الاّ انه مع ذلك لا يمكن الحكم بالتعميم والالتزام باعتباره في الصبي غير المميّز لان موضوع النهي هو الشخص الذي يطوف بنفسه ويكون مأمورا بالطواف بنفسه.
(الصفحة 340)
وامّا الذي يطاف به ولا يطوف بنفسه فلا امر له بالطواف لانه متوجه الى الولىّ فمقتضي الاصل ـ ح ـ عدم الاعتبار في الصبّي غير المميّز وفيه انه ان كان الفرق في مجرد الطواف بنفسه والطواف به فلازمه تعميم الحكم بعدم اعتبار الختان في كل من لا يطوف بنفسه بل يطاف به وان كان بالغا كما اذا كان مريضاً لا يقدر على ان يطوف بنفسه ومن الواضح عدم امكان الالتزام به بوجه.
وان كان الفرق من جهة كون التكليف متوجها الى الولي في الصبي غير المميّز والى الطائف الذي يطوف بنفسه في غيره فيرد عليه انه لا دلالة للصحيحة على هذا الفرق بوجه فانّ مفادها اعتبار الختان في الطواف بما هو طواف من دون فرق بين من توجّه اليه التكليف وعليه فالتفصيل الظاهر في هذا المقام هو الفتوى بالاعتبار في الصبّي المميّز والاحتياط المطلق في الصبي غير المميّز لا الحكم بعدم الاعتبار.
ثم انّ الظاهر من النصوص والفتاوى ان الختان المعتبر انّما هو الختان بمعناه الاسم المصدري وهو كونه مختوناً لا بمعناه المصدري وهو صدور الختان منه ولو بالتسبيب وعليه فلو تولّد الطفل مختوناً كما قد يتفق في الخارج لا يحتاج صحة طوافه من هذه الجهة الى شيء اخر بل يصح طوافه كذلك.
بقي في هذا المقام فرعان لم يقع التعرض لهما في المتن.
الفرع الاوّل انه لو حصلت له الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج وتعذّر عليه الختان في عام الاستطاعة لضيق الوقت او غيره من الجهات ففيه وجوه بل اقوال ثلاثة:
الاوّل سقوط شرطية الختان واعتبار التمكن في اعتباره قال في الجواهر بعد حكاية هذا القول عن القواعد وغيرها: «ولعلّه لاشتراط التكليف بالتمكن كمن لم يتمكن من الطهارة مع عموم ادلة وجوب الحج والعمرة».
(الصفحة 341)
ولكنك عرفت انّ النهي الوارد في مثل المقام ليس نهياً تكليفيّاً حتى يكون مشروطاً بالقدرة كسائر الشرائط العامة بل نهي وضعي مفاده الارشاد الى الشرطية او المانعيّة وظاهر اطلاق دليله الشرطية المطلقة او المانعية كذلك ولازمهُ عدم التمكن من اصل الطواف لعدم التمكن من شرطه.
الثاني ما احتمله في محكى كشف اللثام من انه يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة.
ويرد عليه انّه ان اراد استفادة حكم المقام ممّا ورد في المبطون فالظاهر عدم تماميتها لانه يمكن ان يكون للمبطون من جهة استلزام دائه لامرين وهما نقض وضوئه ودخول النجاسة في المسجد الحرام ولو لم تكن متعدية ولا هاتكة خصوصية مانعة عن استفادة حكم المقام الذي يكون فاقداً للختان فقط نعم تمكن الاستفادة منه ومن اشباهه ونظائره على ما يأتي تفصيله.
الثالث ما احتمل اتجاهه صاحب الجواهر من سقوط الحج عنه في عام الاستطاعه ولزوم الاتيان به مع الختان في العام القابل نظراً الى فوات المشروط بفوات شرطه قال: «بل لعلّ خبر ابراهيم بن ميمون لا يخلو عن اشعار بذلك وان كان هو غير نص في انه غير متمكن من الختان لضيق الوقت وان عليه تأخير الحج عن عامه لذلك فانّ الوقت انّما يضيق غالباً عن الاختتان مع الاندمال فاوجب (عليه السلام) ان يختتن ثم يحج وان لم يندمل».
وصريح بعض الاعلام (قدس سره) اختيار هذا الوجه نظراً الى انه لا يتمكن من الحج في هذه السنة لعدم تمكنه من الطواف مع الختان ولا دليل على الاستنابة في خصوص هذا الفرض لانّها انما تجب في فرض الاستطاعة والمفروض ان هذا الشخص غير مستطيع
(الصفحة 342)
وقد استفاد من روايتي حنان بن سدير وابراهيم بن ميمون المتقدمتين ذلك وان المتفاهم منهما دوران الامر في عام الاستطاعة بين الحج والخروج مع الرفقة وبين ان يختتن ولكن لو اختتن لا يتمكن من الحج في هذه السنة وقد وقع فيهما الحكم بتأخير الحج ولزوم البدئة بالختان.
اقول امّا الروايتان اللتان تكون احديهما معتبرة فلا ظهور في شيء منهما على دوران الامر بين الحج وبين الختان بحيث كان محطّ السوال ومورد نظر السائل عدم امكان الجمع بينهما بعد الاسلام وحضور الحج حتى يكون مقتضي انطباق الجواب على مورد السوال لزوم تأخير الحج الى العام القابل بل ليس في شيء من السؤال والجواب اشارة الى العام الفعلي والعام القابل وعليه فلوم لم تكن الروايتان ظاهرتين في خصوص عام واحد نظراً الى ان محطّ السوال انه بعد صيرورة الرجل مسلماً والمفروض كونه مستطيعاً هل يجب عليه الجمع بين الختان والحج او يجوز له تأخير الختان عن الحج لا تكونان ظاهرتين فيما افاده كما اعترف به صاحب الجواهر وان نفي خلو الرواية عن الاشعار بذلك لكن الظاهر عدم تحقق الاشعار فيها ايضاً مع ان الاشعار لا حجيّة فيه اصلاً.
والتحقيق ان يقال انّ تعذر الختان لضيق الوقت او غيره لا يوجب فقدان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج حتى لا يجب عليه الحج في هذا العام بل في العام القابل مع تحصيل الشرط وذلك يظهر بملاحظة الموارد المشابهة التي حكموا فيها بالاستنابة فانه لو علمت المرئة المستطيعة في انّ ايام عادتها تصادف مع ايّام الطواف بحيث لا تقدر على الطواف في غيرها فهل يمكن الحكم بعدم وجوب الحج عليها في هذا العام بمجرد العلم المذكور او انّ اللازم عليها الحج والاستنابة في الطواف كما فيما
(الصفحة 343)
لو عرض لها الحيض بالكيفية المذكورة من دون سبق علمها به وكذلك المبطون الذي ذكره كاشف اللثام فانّه يجب عليه الحج والاستنابة في الطواف ولو علم او احتمل علاج مرضه في لعام القابل وغير ذلك من الموارد.
وعليه فلا يجوز بمقتضي القاعدة تأخير الحج عن عام الاستطاعة مع لزوم رعاية الفورية فيه وعدم تأخيره عنه بل يستنيب في الطواف فقط ويجزي عن حجة الاسلام.
الفرع الثاني ما اذا لم يكن متمكناً من الختان اصلاً للحرج أو غيره وقد ظهر مما ذكرناه ... في الفرع الاوّل عدم سقوط الحج عنه بالمرة كما حكى عن البعض بل يجب عليه الحج غاية الامر الاستنابة للطواف لعدم كونه متمكناً من الاتيان به مع شرطه وهو الختان لكن بعض الاعلام (قدس سره) مع تصريحه في الفرع الاوّل بعدم كونه مستطيعاً فلا يجب عليه الحج في عام الاستطاعة بل يؤخّره الى العام القابل صرّح هنا بوجوب الحج عليه لان الاستطاعة الماليّة كافية في وجوب الاستنابة نظير المريض الذي لا يرجو زوال مرضه فلا وجه لسقوط الحج عنه بل يحج ويستنيب للطواف لعدم امكان طوافه بنفسه ولا الاطافة به.
ويرد عليه انه لم يعلم وجه الفرق بين الفرعين بالحكم بعدم الاستطاعة هناك والحكم بثبوتها هنا والتنظير بالمريض المذكور في غير محلّه فانه قد تقدم في مباحث الاستطاعة ان المريض الذي تجب عليه الاستنابة هو من استقر عليه الحجّ قبل مرضه وامّا المريض الذي حصل له الاستطاعة في حال المرض المزبور فلا يكون مستطيعاً حتى يجب عليه الاستنابة وكيف كان فالحكم في هذا الفرع ما ذكرنا من الاستطاعة ووجوب الحج غاية الامر الاستنابة للطواف كما يدلّ عليه الموارد التي اشرنا اليها.
|