(الصفحة 341)
ولكنك عرفت انّ النهي الوارد في مثل المقام ليس نهياً تكليفيّاً حتى يكون مشروطاً بالقدرة كسائر الشرائط العامة بل نهي وضعي مفاده الارشاد الى الشرطية او المانعيّة وظاهر اطلاق دليله الشرطية المطلقة او المانعية كذلك ولازمهُ عدم التمكن من اصل الطواف لعدم التمكن من شرطه.
الثاني ما احتمله في محكى كشف اللثام من انه يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة.
ويرد عليه انّه ان اراد استفادة حكم المقام ممّا ورد في المبطون فالظاهر عدم تماميتها لانه يمكن ان يكون للمبطون من جهة استلزام دائه لامرين وهما نقض وضوئه ودخول النجاسة في المسجد الحرام ولو لم تكن متعدية ولا هاتكة خصوصية مانعة عن استفادة حكم المقام الذي يكون فاقداً للختان فقط نعم تمكن الاستفادة منه ومن اشباهه ونظائره على ما يأتي تفصيله.
الثالث ما احتمل اتجاهه صاحب الجواهر من سقوط الحج عنه في عام الاستطاعه ولزوم الاتيان به مع الختان في العام القابل نظراً الى فوات المشروط بفوات شرطه قال: «بل لعلّ خبر ابراهيم بن ميمون لا يخلو عن اشعار بذلك وان كان هو غير نص في انه غير متمكن من الختان لضيق الوقت وان عليه تأخير الحج عن عامه لذلك فانّ الوقت انّما يضيق غالباً عن الاختتان مع الاندمال فاوجب (عليه السلام) ان يختتن ثم يحج وان لم يندمل».
وصريح بعض الاعلام (قدس سره) اختيار هذا الوجه نظراً الى انه لا يتمكن من الحج في هذه السنة لعدم تمكنه من الطواف مع الختان ولا دليل على الاستنابة في خصوص هذا الفرض لانّها انما تجب في فرض الاستطاعة والمفروض ان هذا الشخص غير مستطيع
(الصفحة 342)
وقد استفاد من روايتي حنان بن سدير وابراهيم بن ميمون المتقدمتين ذلك وان المتفاهم منهما دوران الامر في عام الاستطاعة بين الحج والخروج مع الرفقة وبين ان يختتن ولكن لو اختتن لا يتمكن من الحج في هذه السنة وقد وقع فيهما الحكم بتأخير الحج ولزوم البدئة بالختان.
اقول امّا الروايتان اللتان تكون احديهما معتبرة فلا ظهور في شيء منهما على دوران الامر بين الحج وبين الختان بحيث كان محطّ السوال ومورد نظر السائل عدم امكان الجمع بينهما بعد الاسلام وحضور الحج حتى يكون مقتضي انطباق الجواب على مورد السوال لزوم تأخير الحج الى العام القابل بل ليس في شيء من السؤال والجواب اشارة الى العام الفعلي والعام القابل وعليه فلوم لم تكن الروايتان ظاهرتين في خصوص عام واحد نظراً الى ان محطّ السوال انه بعد صيرورة الرجل مسلماً والمفروض كونه مستطيعاً هل يجب عليه الجمع بين الختان والحج او يجوز له تأخير الختان عن الحج لا تكونان ظاهرتين فيما افاده كما اعترف به صاحب الجواهر وان نفي خلو الرواية عن الاشعار بذلك لكن الظاهر عدم تحقق الاشعار فيها ايضاً مع ان الاشعار لا حجيّة فيه اصلاً.
والتحقيق ان يقال انّ تعذر الختان لضيق الوقت او غيره لا يوجب فقدان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج حتى لا يجب عليه الحج في هذا العام بل في العام القابل مع تحصيل الشرط وذلك يظهر بملاحظة الموارد المشابهة التي حكموا فيها بالاستنابة فانه لو علمت المرئة المستطيعة في انّ ايام عادتها تصادف مع ايّام الطواف بحيث لا تقدر على الطواف في غيرها فهل يمكن الحكم بعدم وجوب الحج عليها في هذا العام بمجرد العلم المذكور او انّ اللازم عليها الحج والاستنابة في الطواف كما فيما
(الصفحة 343)
لو عرض لها الحيض بالكيفية المذكورة من دون سبق علمها به وكذلك المبطون الذي ذكره كاشف اللثام فانّه يجب عليه الحج والاستنابة في الطواف ولو علم او احتمل علاج مرضه في لعام القابل وغير ذلك من الموارد.
وعليه فلا يجوز بمقتضي القاعدة تأخير الحج عن عام الاستطاعة مع لزوم رعاية الفورية فيه وعدم تأخيره عنه بل يستنيب في الطواف فقط ويجزي عن حجة الاسلام.
الفرع الثاني ما اذا لم يكن متمكناً من الختان اصلاً للحرج أو غيره وقد ظهر مما ذكرناه ... في الفرع الاوّل عدم سقوط الحج عنه بالمرة كما حكى عن البعض بل يجب عليه الحج غاية الامر الاستنابة للطواف لعدم كونه متمكناً من الاتيان به مع شرطه وهو الختان لكن بعض الاعلام (قدس سره) مع تصريحه في الفرع الاوّل بعدم كونه مستطيعاً فلا يجب عليه الحج في عام الاستطاعة بل يؤخّره الى العام القابل صرّح هنا بوجوب الحج عليه لان الاستطاعة الماليّة كافية في وجوب الاستنابة نظير المريض الذي لا يرجو زوال مرضه فلا وجه لسقوط الحج عنه بل يحج ويستنيب للطواف لعدم امكان طوافه بنفسه ولا الاطافة به.
ويرد عليه انه لم يعلم وجه الفرق بين الفرعين بالحكم بعدم الاستطاعة هناك والحكم بثبوتها هنا والتنظير بالمريض المذكور في غير محلّه فانه قد تقدم في مباحث الاستطاعة ان المريض الذي تجب عليه الاستنابة هو من استقر عليه الحجّ قبل مرضه وامّا المريض الذي حصل له الاستطاعة في حال المرض المزبور فلا يكون مستطيعاً حتى يجب عليه الاستنابة وكيف كان فالحكم في هذا الفرع ما ذكرنا من الاستطاعة ووجوب الحج غاية الامر الاستنابة للطواف كما يدلّ عليه الموارد التي اشرنا اليها.
(الصفحة 344)الخامس ستر العورة فلو طاف بلا ستر بطل طوافه، وتعتبر في الساتر الاباحة فلا يصحّ مع الغصب، بل لا يصحّ على الاحوط مع غصبية غيره من سائر لباسه 1 .
(1) الكلام في هذا الامر يقع من جهات:
الجهة الاولى في اصل اعتباره وانه هل يكون من شرائط صحة الطواف ام لا فنقول لم يقع التعرض لاعتباره في مثل كتاب الشرايع ولكن المحكي عن العلامة في القواعد وجملة من كتبه وجوب ستر العورة في الطواف كما انه قد حكي عن الخلاف والغنية والاصباح لكن يظهر من محكىّ المختلف المناقشة بل الميل الى المنع.
والاستدلال على الاعتبار بالنبوي المعروف: الطواف بالبيت صلوة قد عرفت المناقشة فيه لضعف الرواية سنداً ودلالة مضافاً الى ان الظاهر ان المراد من الستر هنا اعمّ مما هو المعتبر في باب الصلوة لانّ المعتبر في الستر الصلوتي ان يكون الساتر ثوباً ولباساً ولا يجتزي بالستر بمثل اليد والحشيش والطين وغيرها والظاهر انه لا خصوصية لذلك في باب الطواف.
نعم هنا روايات كثيرة من طريقنا وطريق العامّة قريبة من التواتر كما في محكي كشف اللثام تدلّ على نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن ان يحج بعد العام مشرك او يطوف عريان وقد نقل اكثرها صاحب الجواهر عن بعض التفاسير كتفسير على بن ابراهيم القمي وتفسير فرات الكوفي وعن الوسائل التي جمعها في الباب الثالث والخمسين من ابواب الطّواف وعن بحار الانوار للعلاّمة المجلسى (قدس سره) وكثرتها مانعة عن جريان المناقشة في السّند مع ان تفسير القمي يكون مثل كتاب كامل الزيادات من جهة الاشتمال على التوثيق العام.
وامّا من جهة الدلالة فربما يناقش فيها بان المنهي عنه فيها هو الطواف في حال العراء والنسبة بينها وبين ستر العورة عموم من وجه لان المراد بالعريان من لم يكن
(الصفحة 345)
لابساً للثوب ويمكن ان يكون الشخص غير عار ولابساً للثوب مع كون عورته مكشوفة كما اذا كان في ثوبه ثقب تظهر عورته منه كما انه يمكن ان يكون الشخص مستور العورة وهو عار كما اذا ستر عورته بمثل اليد او الحشيش او الطين وقد اعتبروا في الطواف ستر العورة لا اللّباس فهذه الروايات لا تنطبق على المدّعى والجواب عن هذه الشبهة انّ مناسبة الحكم والموضوع اوّلاً وثبوت الاجماع على الاكتفاء بمجرد ستر العورة في لطواف ثانياً دليل على كون المراد من العاري من لا يكون ساتراً لعورته فهو ينطبق على المدعي ولا مجال للمناقشة فيه من هذه الجهة.
نعم يمكن ان يناقش في الاستدلال بهذه الروايات بانّ وحدة السياق فيها تقتضي كون النهي عن طواف العاري نهياً تكليفيّاً مولويا لا ارشاديّاً بحيث يكون مرجعه الى افادة الشرطية او المانعية لوقوعه في سياق النّهي عن دخول المشركين وقربهم المسجد الحرام ومن الواضح انّ هذا النهي تكليفي وعليه فالظاهر كون النهي في فقرة الطواف ايضاً كذلك.
ولكن حيث ان متعلق النّهي هو الطواف الذي يكون عبادة فظهوره في الارشاد كما في سائر النواهي المتعلقة بالعبادات مع بعض الخصوصيات بمرتبة من القوة بحيث لا يقاومها وحدة السياق وعليه فالنهي عن طواف العاري مثل النهي عن طواف الاغلف من دون فرق بينهما فاصل الحكم في المقام وهي شرطية ستر العورة في الطواف لا اشكال فيه لكن عرفت انّ الستر هنا اعم من الستر في باب الصلوة وان كان يشعر كلام صاحب الجواهر (قدس سره) بالاتحاد.
الجهة الثانية في شرطية الاباحة وحلية التصرف فيما يستر العورة والكلام فيها عين الكلام في شرطية الاباحة فيما يستر العورة في الصلوة من دون فرق بين المقامين من
|