(الصفحة 368)
رواية ابراهيم بن سفيان المتقدمة واردة في الشوط السابع ودالة على لزوم الاعادة فهذا التفصيل لا وجه له اصلاً.
وامّا لزوم اعادة الطواف بجميع اشواطه فهو وان كان يدل عليه صحيحة معاوية بن عمّار بناء على ان يكون مورد السؤال فيها مطلقا وكذا رواية حفص بناء على ما عرفت الاّ ان صحيحة الحلبي باعتبار ظهورها في عدم لزوم اعادة غير الشوط الذي وقع فيه الاختصار صالحة لتقييد الاطلاق على فرض ثبوته فانه لا مجال لانكار ظهور صحيحة الحلبي في لزوم اعادة خصوص الشوط الذي اختصر فيه وعدم لزوم اعادة الطواف باجمعه ولا يكون منشأ هذا الظهور مسئلة المفهوم التي تكون مورداً للاختلاف على ما قرر في لاصول بل المتفاهم العرفى منها ذلك والاّ يلزم ان يكون التعبير بذلك الشوط في قل الشيخ وبالطواف الواحد في نقل الصدوق غير مناسب بل دالاًّ على خلاف ما هو المقصود فلا شبهة في ظهورها في عدم لزوم اعادة مجموع الطواف وسبب هذا الظهور يتحقق تقييد اطلاق صحيحة معاوية على فرض ثبوت الاطلاق لها وعليه فلا وجه لهذا الاحتمال وان كان احوط فبقي من الاحتمالات الاربعة احتمالان وقد عرفت انّ ظاهر صحيحة الحلبي لزوم اعادة الشوط الذي وقع فيه الاختصار بجميع اجزائه حتى من الحجر الاسود الى حجر اسماعيل مع انه وقع في نفسه صحيحاً واجداً للشرائط ولا يتحقق الاخلال بالموالات بدخول الحجر والخروج منه والانتهاء في ذلك الشوط الى الحجر ومع ذلك ظاهر الصحيحة لزوم اعادة الشوط بالاضافة الى ذلك الجزء ايضاً.
وامّا صحيحة الحفص فالظاهر منها وان كان تعلق قوله: من طوافه بقوله: اختصر، ويكون ظاهره البدوي لزوم الاعادة من موضع سلوك الحجر الاّ انّ هنا نكتة ترشدنا الى ظهورها في اعادة جميع الشوط وهي ان كلمة «الاختصار» على ما يظهر من موارد
(الصفحة 369)الخامس ان يكون الطواف بين البيت ومقام ابراهيم (عليه السلام) ومقدار الفصل بينهما في سائر الجوانب فلا يزيد عليه وقالوا انّ الفصل بينهما ستة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع فلابد ان لا يكون الطواف في جميع الاطراف زائداً على هذا المقدار 1 .
استعمالاتها عند العرف انّما يكون مورد استعمالها ما اذا كان في البين امر وجودي ينبغي ان يكون مشتملاً على شيء اخر وحيث انه لم يتحقق الاشتمال المزبور فيوصف ذلك الامر الوجودى بالاختصار بلحاظ عدم انضمام ذلك الامر اليه وعدم اشتماله عليه والاّ فنفس الامر العدمي لا يتصف بالاختصار بوجه وعليه فالاختصار فيما نحن فيه يتصف به الشوط او مجموع الطواف بلحاظ وجود الشوط وشروعه من الحجر (بالفتح) الى الحجر (بالكسر) وعدم اشتماله على كون الحركة عند الوصول الى الحجر واقعة في خارجه وبعبارة اخرى الدخول في الحجر في نفسه لا يتحقق به الاختصار بحيث لو كان شروعه في الشوط بهذه الكيفية لكان متصفاً به بل الشوط الذي ابتدء به من الحجر الاسود وبلغ الى محاذي الحجر اذا لم يشتمل على الحركة خارج الحجر يتصف بعنوان الاختصار وعليه فهذه الصحيحة ايضاً ظاهرة في لزوم اعادة الشوط بجميع اجزائه ولو سلّمنا عدم الظهور فلا ينبغي الاشكال في عدم ظهورها في غيره بل غاية الامر ثبوت الاجمال والابهام فيها وصحيحة الحلبي صالحة لرفع الابهام وتبيين المراد من هذه الصحيحة وعليه فالظاهر الحكم بلزوم اعادة الشوط بنحو الفتوى لا بنحو الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن.
(1) المشهور شهرة محققه اعتبار ان يكون الطواف بين البيت والمقام اي بهذا المقدار من الفصل في جميع الجوانب وقد نفي وجدان خلاف معتد به فيه في الجواهر بل حكى عن الغنية الاجماع عليه لكنه استظهر في ذيل كلامه عن الصدوق الفتوى بالعدم في حال الاختيار فضلاً عن الاضطرار وحكى عن المختلف والتذكرة والمنتهي
(الصفحة 370)
والمدارك الميل اليه واختاره بعض الاعلام (قدس سره) والمستند الوحيد للمشهور ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى وغيره عن محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن ياسين الضرير عن حريز بن عبدالله عن محمد بن مسلم قال سئلته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت قال كان الناس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)يطوفون بالبيت والمقام، وانتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت فكان الحدّ موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، والحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلّها فمن طاف فتباعد من نواحيه ابعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لانه طاف في غير حدّ ولا طواف له(1) . ولا مجال للاشكال في سند الرواية من جهة الاضمار بعد كون المضمر محمد بن مسلم الذي ليس من شأنه السؤال عن غير الامام (عليه السلام) نعم الاشكال فيه من جهة ياسين الضرر الذي لم يوثّق بل مجهول كما ذكره المجلسى (قدس سره) في المرأت لكن استناد المشهور اليها بعد كونها مستندة وحيدة يجبر الضعف وتصير الرواية به معتبرة هذا من جهة السند.
وامّا من جهة الدلالة فالسؤال في نفسه يدل على مفروغية ثبوت الحدّ للطواف بالبيت عند السائل بحيث كان الخروج عنه موجباً لعدم تحقق الطواف بوجه غاية الامر ان محطّ نظره استكشاف ذلك الحدّ والامام (عليه السلام) قرّره على ذلك في الجواب وبيّن انّ الحدّ هو ما بين البيت والمقام في موضعه الفعلي الذي هو عبارة عن ستة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع وقد وقع فيها التأكيد على لزوم رعاية الحدّ وان التباعد عنه موجب لعدم تحقق الطواف ويكون بمنزلة من طاف خارج المسجد به وفيه التصريح بانّ الحدّ قبل
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الثامن والعشرون ح ـ 1 .
(الصفحة 371)
اليوم واليوم واحد من جميع نواحي البيت غاية الامر ان الفرق بين اليومين بعد اشتراكهما في لحدّ هو كون المقام داخلاً في المطاف في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) واليوم يكون خارجاً عنه فالاختلاف انّما هو في هذه الجهة فما في الجواهر من التعبير بقوله: «وكان وجه ما فيه من الاختلاف بين اليوم وعهده (صلى الله عليه وآله) مع قوله (عليه السلام) والحدّ قبل اليوم واليوم واحد....» ليس على ما ينبغي فان الاختلاف ليس بين الامرين المذكورين فيه بل بين اليومين فقط من جهة كون المقام داخلاً في الطواف في ذلك اليوم وخارجاً عنه في هذا اليوم وعليه فظاهر الرواية كون موضع المقام غير هذا الموضع الفعلي بل ملصقاً بالبيت او قريباً منه وعليه فيقع الكلام في انّ التغيير بيد من تحقق وفي اىّ زمان كان وما الوجه في تغييره خصوصاً بعد كونه من الايات البيّنات على ما في الكتاب العزيز وقد امر فيه بلزوم الاتخاذ منه مصلّي والمراد منه هو الحجر الذي يكون ظاهراً ذراعاً في ذراع وكان موضع قدم ابراهيم (عليه السلام) لبناء البيت بعد بناء جدرانه الى حدّ لا يمكن التكميل من غير القيام على الحجر او مثله او كان موضع قدمه حين الاذان بالحج المأمور من ناحيه اللّه بقوله تعالى: واذّن في الناس بالحج بل عن العلوي وابن جماعة انه لمّا امر بالنداء واقام على المقام تطاول المقام حتى كان كاطول جبل على ظهر الارض فنادى ولمّا بلّغ لم يتحمّل الحجر وغاص فيه رجلاه كما عن الاذر في صاب اخبار مكّة والصدوق في علل الشرايع والظاهر ثبوت كلا الوجهين لعدم المانع من الامرين نعم هنا وجه ثالث بعيد وهو ما حكي عن ابن عبّاس من انه لمّا جاء بطلب ابنه اسمعيل فلم يجده قالت له زوجته انزل فابي فقالت وعني اغسل رأسك فأتته بحجر فوضع رجله عليه وهو راكب فغسلت شقه ثم رفعته وقد غابت رجله فيه فوضعته تحت الشق الاخر وغسلته فغابت رجله الثانية فيه فجعله الله من الشعائر.
(الصفحة 372)
وقد ذكر الطبرسي في محكي مجمع البيان والازرقي في كتابه المذكور ان من جمله احجار الجنة على وجه الارض مقام ابراهيم والحجر الاسود وهذا ايضاً يؤيد الامرين الاولين المرتبطين ببناء البيت او الاعلام بالحجّ.
والذي يتحصّل من ملاحظة التواريخ المختلفة والروايات وبعض ما ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) في مقام الاعتراض على من قبله من الخلفاء من التحريف والتغيير انّ موضع المقام كان في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) ملصقاً بالبيت او قريباً منه بحيث لا يمكن عبور الطائف من بينهما بل كان اللازم جعله داخلاً في الطواف كالبيت والظاهر انه كان قريباً من باب الكعبة بل مقتضي ما حكاه ازرقي عن ابي سعيد الحذري ان ابراهيم (عليه السلام)كان مأموراً ان يجعل المقام قبلة على معنى ان تكون صلوته خلفه بحيث كان المقام واقعاً بينه في حال الصلوة وبين الكعبة وقد تبعه اسماعيل في هذه الجهة بل نقل انّ النبى (صلى الله عليه وآله)كلّما دخل مكة يقع في حال الصلوة مستقبلاً للكعبة بالنحو المذكور اي وقوع المقام بينه وبين الكعبة.
اقول لعلّ استمرار السيرة على وقوع صلوة الجماعة في المسجد الحرام خلف المقام وخلّو دائرة المطاف عن المأمومين مع عدم وقوع الطواف في حال اقامة الجماعة انّما هو لاجل التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) حيث كان يجعل المقام بينه وبين البيت في حال الصلوة بل اصل لزوم ايجاد صلوة الطواف خلفه مستقبلاً للكعبة يؤيّد انّ قداسة المقام قد بلغت حدّاً له خطّ من الكعبة التي هي القبلة.
وكيف كان فالظاهر ان تغيير موضعه القبلي الى موضعه الفعلي انّما وقع بيد الثاني ولعلّ الداعي له على ذلك ملاحظة انّ وقوع المقام في دائرة الطواف يوجب المشقة على الطائفين من ناحية وسرعة الانهدام على المقام من ناحية اخرى بل لو لم يثبت