(الصفحة 373)
ما حكي عن امير المؤمنين (عليه السلام) مما تقدم من توصيفه بالتحريف لا يكون وجه للحكم بحرمته من جهة انه لم ينهض دليل على حرمة تغيير المقام بالكيفية المذكورة ولعلّه لاجله لم يقع عمله مورداً لاعتراض الصحابة والتابعين وان جعل بعض علماء اهل السنة من المعاصرين ذلك دليلاً على عدم صحة اسناد التغيير الى الثاني لكنه كما ترى.
والانصاف انّ التحقيق في هذا المجال يحتاج الى تتبع زائد ودقة زائدة لكنه مضافاً الى رواية محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على وقوع التغيير بعد عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)وزمنه يكون في البين رواية صحيحة اخرى تدل على كون التغيير انّما وقع بيد الثاني وهي رواية زرارة قال قلت لابي جعفر (عليه السلام) قد ادركت الحسين (عليه السلام)قال نعم أذْكُرُ وَاَنامعه في لمسجد الحرام وقد دخل فيه السّيل والنّاس يقومون على المقام يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السّيل، ويدخل الداخل فيقول هو مكانه قال فقال يا فلان ما يصنع هولاء؟ فقلت اصلحك اللّه تعالى يخافون ان يكون السّيل قد ذهب بالمقام فقال لهم: انّ اللّه تعالى جعله علماً لم يكن ليذهب به فاستقرّوا وكان موضع المقام الذي وضعه ابراهيم (عليه السلام) عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوّله اهل الجاهلية الى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبى (صلى الله عليه وآله) مكّة ردّه الى الموضع الذي وضعه ابراهيم (عليه السلام) فلم يزل هناك الى ان تولّى عمر فسئل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال رجل انا كنت قد اخذت مقداره بتسع فهو عندي فقام ائتني به فاتاه به فقاسه فردّه الى ذلك المكان(1) .
ومنه يظهر ان ما وقع منه في قصة سيل ام نهشل المذكورة في تاريخ البخاري كانت مسبوقة بما ذكر في الصحيحة ففي التاريخ المذكور ان سيل لم نهشل لما اتى
- (1) الفقيه 2: 158، الرقم 681 .
(الصفحة 374)
المسجد اخذ المقام الى اسفل مكة فلما جفّ الماء اتوا بالمقام والصفوة بالكعبة وكتبوا الى عمر بذلك فورد مكّة معتمراً في شهر رمضان من ذلك العام وسئل هل احد عنده بمحلّ الحجر فقام المطلب بن وداعة السلمي وقيل رجل من ال عابد ـ والاول اشهر ـ فقال انا كنت اخاف عليه مثل هذا فاخذت مقياسه من محلّه الى الحجر فاجلسه عمر عنده وقال له: ابعث فأتني بالمقياس فاتى به فوضع عمر المقام في محلّه الان.
وكيف كان فلا اشكال فيما يتعلق بالطواف في ان مقتضي الرواية المنجبرة ثبوت الحدّ له وهو مقدار ما بين الكعبة وبين المقام في موضعه الفعلي من جميع جوانب البيت ونواحيه.
ومقتضي اطلاق الرواية كاطلاق المتن تبعاً للفتاوى انه لا فرق في اعتبار الحدّ المزبور بين صورتي الاختيار والاضطرار لكن المحكىّ عن ابي على الاسكافي التفصيل واجزاء الطواف خارج المقام مع الضرورة.
ومستنده في ذلك صحيحة الحلبي التي رواها الصدوق باسناده عن ابان عنه قال سئلت ابا عبدالله (عليه السلام) عن الطواف خلف المقام فقال ما احبّ ذلك وما ارى به بأساً فلا تفعله الاّ ان لا تجد منه بدّاً(1) . وهي وان كانت خالية عن المناقشة من حيث السند الاّ ان متنها غير خال عن الاضطراب فان الجمع بين قوله: ما احبّ ذلك وقوله فلا تفعله وبين قوله ما ارى به بأساً الظاهر في عدم الكراهة فضلاً عن الحرمة ممّا لا ينبغي ولكن دلالتها على الجواز في صورة الضرورة واللابدية وان كانت ناشئة عن الازدحام وكثرة الطّائفين ظاهرة ولاجله لابد من الالتزام بكون الرواية معرضاً عنها والاعراض موجب لسقوطها عن الحجية والاعتبار ولولا ذلك لكان مقتضي القاعدة الجمع بين هذه الرواية والرواية
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الثامن والعشرون ح ـ 2 .
(الصفحة 375)مسألة 12 ـ لا يجوز جعل مقام ابراهيم (عليه السلام) داخلاً في طوافه، فلو ادخله بطل، ولو ادخله في بعضه اعاد ذلك البعض والاحوط اعادة الطواف بعد اتمام دوره با خراجه 1 .
مسألة 13 ـ يضيق محلّ الطواف خلف حجر اسماعيل بمقداره وقالوا بقي هناك ستة
المتقدمة بتقييد اطلاقها بها والحكم بالتفصيل بين صورتي الاختيار والاضطرار الاّ ان الاعراض يقتضي ان لا تصل النوبة الى ذلك كما هو ظاهر.
ثمّ انه هل المعتبر وقوع الطواف بين البيت وحائط البناء الذي هو على المقام الاصلي او بينه وبين نفس المقام التي هي عبارة عن الصخرة التي مرّت الاشارة الى وصفها فيه وجهان واستظهر صاحب الجواهر الثاني وهو الحقّ لعدم مدخلية الحائط في عنوان المقام بوجه والذي جعل حدّاً في النص والفتوى هو هذا العنوان كما انه لا ينبغي الاشكال في عدم تغير الحدّ بتغيير المقام فلو حوّل عن مكانه فرضاً وجب الطواف في لمقدار المخصوص فتدبّر.
(1) بعد ثبوت الحدّ للطواف على ما ذكرنا وكونه ما بين البيت والمقام لا اشكال في بطلان طواف من جعل المقام داخلاً في طوافه في جميع اشواطه السبعة لخروجه عن الحدّ وقد صرحت الرواية المتقدمة بان الطواف في خارج الحدّ اي ولو في جزء منه بمنزلة الطواف خارج المسجد الذي لا شبهة في بطلانه.
وامّا لو فرض ذلك في شوط واحد او ازيد فاللازم اعادة ذلك المقدار الواقع خلف المقام اوّلاً ثم ادامة الطواف والاتيان بما يكون مترتباً عليه ومتأخراً عنه ولا يلزم اعادة الشوط من رأس اي من الحجر الاسود لعدم الدليل على الزوم وعليه فلا يكون الطواف خلف المقام كالطواف من داخل الحجر حيث قام الدليل فيه على لزوم اعادة الشوط من رأس ولا تكفي اعادة ذلك المقدار نعم لا شبهة في ان مقتضي الاحتياط الاستحبابي الجمع بين الاتمام بعد اعادة ذلك المقدار وبين اعادة الطواف رأساً.
(الصفحة 376)اذرع ونصف تقريباً فيجب ان لا يتجاوز هذا الحدّ، ولو تخلف اعاد هذا الجزء في الحدّ 1 .
السادس: الخروج عن حائط البيت واساسه فلو مشي عليهما لم يجز ويجب جبرانه، كما انه لو مشي على جدران الحجر وجب الجبران واعادة ذلك الجزء، ولا بأس بوضع اليدعلى الجدار عند الشاذروان والاولى تركه 2 .
(1) مستند الضيق بالمقدار المذكور هو الجمع بين الرواية المتقدمة الدالة على ان حدّ الطواف بين البيت والمقام وبين ما تقدم مما دلّ على ان الحجر لا يكون جزء من البيت بل يكون بجميع اجزائه خارجاً عنه وعليه فاللازم ملاحظة الحدّ في جانبه من نفس البيت واستثناء مقدار الحجر الذي هو قريب من عشرين ذراعاً فلا يبقي الاستة اذرع ونصف تقريباً ويتحقق الضيق جدّاً.
هذا والظاهر عندي عدم تحقق الضيق في ناحية الحجر بوجه وانّ مقدار المطاف يلاحظ من الحجر وان كان خارجاً عن البيت بجميع اجزائه وذلك لانه لو كان محل الطواف ضيقاً في هذه الناحية لكانت كثرة الابتلاء مقتضية بل موجبة للتعرض له صريحاً والتنبيه عليه ولو في رواية واحدة مع انه لا يوجد ذلك في شيء من الرّوايات ولم يتحقق التنبيه على ذلك ولو في مورد فيكشف ذلك عن عدم تحقق الضيق اصلاً وان المقدار المذكور يلاحظ في ناحية الحجر من الحجر وان كان خارجاً عن البيت فتدبر.
(2) اعتبار هذا الامر انّما هو لاجل دلالة مثل قوله تعالى: وليطوفوا بالبيت العتيق والرواية الواردة في هذه الجهة على لزوم كون الطواف بالبيت في مقابل كونه على البيت او في البيت وقد نفي الخلاف والاشكال في ذلك في الجواهر وعليه فلو مشي على حائط البيت لم يجز ولم يحسب ذلك المقدار جزء من الطواف واللازم جبرانه واعادته كما انه لو مشي على اساس البيت الذي يسمى بالشاذروان وهو القدر الباقي من اساس الحائط بعد عمارته وبنائه لا يجزي لانه مما قطع الاصحاب بكونه من الكعبة
(الصفحة 377)السّابع: ان يكون طوافه سبعة اشواط 1 .
ومن اجزاء البيت كما عن المدارك بل المحكى عن غير الامامية كالشافعية والحنابلة وبعض متأخرى المالكية نعم عن بعض الشافعية نفي كونه من البيت وجواز الطواف على الشاذروان لكن الثابت عند غيرهم وعندنا خلافه وان الشاذروان من البيت فلا يجوز الطواف عليه ويغلب على الظن وان كان التاريخ لا يؤيده بوجه ان الوجه في بوت الشاذروان رعاية استحكام حائط البيت لكونه من الحجر ويحتاج دوامه الى اساس كان عرضه اكثر من عرض الجدار وان كان يبعده عدم وجود الشاذروان في بعض نواحي البيت.
بقي في هذا الامر فرعان:
الفرع الاوّل انه لو مشي على جدران الحجر وجب الجبران واعادة ذلك الجزء لانه وان كان الحجر خارجاً عن البيت كما عرفت لكنه يلزم ان يعامل معه معاملة البيت في لزوم كون الطواف به ولازمه خروجه بجدرانه عن الطواف ووقوعه في خارجه وعليه فالمشي على جدران الحجر كالمشي على جدران البيت او اساسه المسمّي بالشاذروان فاللازم الجبران والاعادة.
الفرع الثاني انه هل يجوز وضع اليد على الجدار عند الشاذروان ام لا نفي البأس عنه في المتن وجعل الاولى تركه لكن عن التذكرة عدم جواز مسّ الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان لانه يكون بعض بدنه في البيت فلا يتحقق الشرط الذي هو خروجه عنه بجميعه بل لو كان كما لو وضع احد رجليه اختياراً على الشاذروان وعليه فالحكم بعدم الجواز لو لم يكن بنحو الفتوى فلا اقلّ من الاحتياط الوجوبي ومنه يظهر ان مقتضي الاحتياط عدم وضع اليد على جدار الحجر او فوقه كما لا يخفى.
(1) اصل اعتبار ان يكون الطواف سبعة اشواط ممّا اتفق عليه علماء المسلمين