(الصفحة 37)
ويرد عليه بطلان ما أفاده لعدم كون أدلّة المقام نظيراً للآية المزبورة، وذلك لأن صحيحة معاوية بن عمّار المشتملة على الحصر ناظرة الى نفي ثبوت الحرمة فيما عدا الأربعة المذكورة فيها، وامّا تعلّق الحرمة بنفس العناوين المتعددة التي وقعت مورداً لتعرضها، فلا دلالة لها عليه أصلاً. وبعبارة اُخرى مفادها تضييق دائرة متعلق الحكم التحريمي وتخصيصها بالأربعة.
وامّا كون الأربعة بذواتها متعلقة للحرمة فلا يستفاد منها بوجه. وأوضح منها الروايات الدالة على تفسير الطيب التي قد عرفت ان لسانها لسان الحكومة، والتوضيح فان مفادها انّ الطيب الذي يكون محرّماً في حال الاحرام وتكون حرمته معهودة عبارة عن الأربعة المذكورة فيها وامّا كون المتعلّق نفس العناوين فلا دلالة لها عليه أصلاً فالمقام لايكون نظيراً للآية المذكورة حتى يجري فيه احتمال كون حذف المتعلق مفيداً للعموم.
نعم على القول بحرمة الطيب باطلاقه يكون بعض الروايات المتقدمة الدالة على هذا الحكم مشعرة بتعلق الحكم بعنوانه وان كان أكثرها دالة على التعلّق بالفعل المتعلق به مثل المسّ المذكور في كثير منها.
وكيف كان فالتحقيق في أصل هذه الجهة ان يقال انه لا شبهة في خروج بعض الأفعال المتعلّقة بالطيب المحرّم عن دائرة الحرمة كالنظر اليه وبيعه وشرائه ومثل ذلك من الأفعال التي لايفهم العرف كونها ايضاً محرّمة ولم يقع الفتوى بها من أحد. كما ان الظاهر انه لاينبغي الارتياب في كون الاستشمام وتعلق الشم بالطيب المحرّم محرّماً لأنه القدر المتيقن الذي يدلّ عليه مفهوم الطيب ومعناه كما مرّ في التعاريف المتقدمة فان كونه عبارة عمّا يتخذ للشمّ غالباً أو انه ذو الريح الطيبة يرشد الى ان تعلق الحرمة به
(الصفحة 38)
يرتبط بهذه الجهة قطعاً فحرمة الشم هو القدر المتيقن، كما ان القدر المتيقن من تعلّق الحرمة بالميتة في الآية الشريفة هو حرمة أكل لحمها والاستفادة منها من هذه الجهة بل ما نحن فيه أولى من الآية، لأن الأكل لم يؤخذ في مفهوم الميتة ومعناها، لا في معناها العرفي ولا في معناها الشرعي بناء على ثبوت معنى شرعي لها وامّا الطيب فقد عرفت انه قد اُخذ في مفهومه الاتخاذ للشمّ وعليه فلا شبهة في ان هذا العنوان محرم ولا يبقى مجال للبحث فيه والترديد في انه هل يصدق على الشمّ عنوان «الاستعمال» أو لايصدق كما في بعض الكلمات، فانه لافرق فيما ذكرنا بين الصدق وعدمه خصوصاً مع عدم دلالة شيء من الروايات على تعلّق الحرمة بعنوان الاستعمال كما هو الظاهر.
هذا ومقتضى رواية زرارة المتقدمة الدالة على ثبوت الكفارة على من أكل طعاماً فيه طيب هو كون الأكل أيضاً مما تعلق به التحريم في باب الطيب من دون فرق بين القول بحرمة مطلق الطيب كما عليه المشهور أو بحرمة بعض أنواعه كما رجّحناه واحتمال كون الأكل في الرواية لا مدخلية له بل ذكره انّما هو لأجل استلزامه للشمّ مدفوع مضافاً الى منع الاستلزام لإمكان كونه فاقداً لحاسة الشمّ أو ممسكاً لأنفه في حال الأكل بانّ ظاهر الرواية كون الأكل له الموضوعية والمدخلية ولا وجه للحمل على خلاف الظاهر وعليه فتتسع دائرة متعلق الحرمة، ويجب الحكم بكون الأكل أيضاً محرّماً كالشمّ على ما عرفت.
انّما الاشكال والبحث في مسّ الطيب وقد ذكر بعض الأعاظم (قدس سرهم) على ما في تقريراته انه لاينبغي الاشكال في حرمته من جهة الاخبار الناهية عن مسّ مطلق الطيب كقوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم: لا تمسّ شيئاً من الطيب وانت محرم ولا من الدهن... وفي صحيح حريز: لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان
(الصفحة 39)
ونحوهما غيرهما من الاخبار فحرمة المسّ لاتختص بالأربعة بل كل ما كان من الطيب ويصدق عليه انه منه يحرم مسّه للاخبار المتقدمة.
وعن التذكرة التصريح بذلك حيث قال: «شمّاً ومسّاً علق به البدن أو عبقت به الرائحة واحتقاناً واكتحالاً واستعاطاً لا لضرورة ولبساً لثوب مطيب وافتراشاً له بحيث يشمّ الريح أو يباشر بدنه أو ثياب بدنه» بل قال: «لو داس بنعله طيباً فعلق بنعله وجبت الفدية».
والذي يقوي في النظر بعد التأمل في صحيحة معاوية بن عمّار انّ المسّ المنهي عنه فيها في صدر الرواية وشروعها لايراد به ما يقابل الشمّ بل ذكره انّما هو لأجل كون الاستفادة من الطيب بشمّه انّما تتحقق نوعاً بمسّه على البدن أو الثوب خصوصاً في مثل المرأة التي وقع السؤال في بعض الروايات المتقدمة عن مسّها الطيب فانّ مسّها للطيب انما يكون غالباً لأجل كونه مطلوباً لزوجها وموجباً لحصول الرغبة الزائدة اليها ومؤثراً في كمال التمتع منها.
ويؤيد ما ذكرنا في مفاد الصحيحة انه لو كان المسّ له موضوعية مستقلة في مقابل الشمّ لكان اللازم رعاية لمناسبة الحكم والموضوع التعرض في الطيب أوّلاً لحكم الشمّ الذي قد عرفت انه الفعل الظاهر المتعلق به مع انه لم يقع التعرض له في الرواية كذلك كما ان الظاهر ان قوله: فانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة تعليلي لجميع الاحكام المذكورة لا لخصوص قوله وامسك أنفك من الريح الطيبة وعلى تقدير كون المسّ عنواناً مستقلاً في تعلّق الحكم به لكان الأولى ذكر العلّة له لأنه بعيد عن الأذهان بخلاف الشمّ الذي تكون علّة حرمته ظاهرة.
هذا مع انّ حمل الصدر على تحريم مسّ مطلق الطيب والذيل على انحصار
(الصفحة 40)
الحرمة في الأربعة من دون تعرّض للشم فيها مستبعد جدّاً بل الظاهر في الجمع بين الصدر والذيل ما قدّمنا وانّ المسّ لا موضوعية له بحيث لو لم يستلزم الشمّ لجهة يكون محرّماً أيضاً.
ولأجل الجمود على ظاهر الأدلة الحاكم بحرمة المسّ وانه لا فرق فيه بين الحدوث والبقاء وقع الكلام بينهم في انه اذا تطيب بعد الاحرام هل يجوز له ان يزيله بيده أم لا بل يجب ان يزيله بآلة أو أمر غير المحرم بالإزالة لئلا يمسّ الطيب فالمحكى عن الدروس انه أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة و المحكى عن التهذيب والتحرير التصريح بجواز ازالته بمباشرته وبنفسه وهو الموافق للروايات المتعددة الواردة في هذه المسألة ولا مجال لحملها على حال الضرورة وهو يؤيد ما ذكرنا من عدم كون المسّ بعنوانه محرّماً كما في الموارد الاُخرى التي وقع متعلقاً للحكم كمسّ الميت الذي يترتب عليه وجوب الغسل فان تحقق مسمّاه يكفي في ايجاب الغسل فهل يكون المقام ايضاً كذلك نعم لو وقع التدهين بالدهن الطيب يكون هذا محرّماً موجباً للكفارة بل يظهر من محكى المنتهى ان عليه اجماع أهل العلم ولكن التدهين بنفسه عنوان آخر من الامور المحرَّمة للمحرم في عرض الطيب وسائر الامور، وامّا المسّ المجرد عن الشم وعن التدهين فالظاهر انه لايمكن الالتزام بحرمته خصوصاً لو قلنا بحرمة الريحان ايضاً زائداً على الطيب كما اُفيد في المتن في المسئلة الآتية وقد وقع معطوفاً على الطيب في مثل صحيحة حريز المتقدمة فان اللازم ـ ح ـ الالتزام بكون مجرّد مسّ الريحان ولو لم يكن مستلزماً لِشمّه محرماً ايضاً مع انه من الواضح عدم امكان الالتزام به.
ثم ان العناوين الثلاثة الواقعة في المتن من الصبغ والاطلاء والبخور يكون المراد بالأوّل بناء على كسر الصّاد هو الادام المايع الذي يتخمر فيه الخبز وقد ورد في قوله
(الصفحة 41)مسألة 10 ـ يجب الاجتناب عن الرّياحين أي كلّ نبات فيه رائحة طيبة إلاّ بعض أقسامها البرّية كالخزامي ـ وهو نبت زهرة من أطيب الأزهار على ماقيل ـ والقيصوم والشيح والاذخر، ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة وهو مجهول عندنا فالأحوط الاجتناب من الاجتناب من الطيب المستعمل فيها 1 .
تعالى وصبغ للآكلين وبناء على فتح الصاد يكون المراد به هو الصبغ بمعنى ايجاد اللون وهو يكون مستلزماً لاستشمام رائحته كما ان الاول يكون مستلزماً لأكله. وامّا الاطلاء فهو بمعنى المسح الملازم للشمّ والبخور بمعنى التبخير كذلك.
الجهة الثالثة: في عدم حرمة الزنجبيل والدارصينى امّا بناء على اختصاص الحرمة ببعض انواع الطيب فواضح وامّا بناء على ما ذهب اليه المشهور من الاطلاق فلأجل عدم كونهما من أنواع الطيب بعدما عرفت من مدخلية الاتخاذ للشمّ غالباً في معناه نعم سيأتي من المبسوط كلام يظهر منه انّ جميع هذه الامور يصدق عليه عنوان الطيب وان كان بين أنواعه اختلاف في الحكم فانتظر...
(1) يقع الكلام في المسألة في أمرين:
الامر الاوّل: في الرياحين ولنقدم قبل التعرض لحكمها كلاماً محكيّاً من الشيخ في المبسوط فنقول قال فيه: «الطيب على ضربين: احدهما «ماظ» تجب فيه الكفارة وهي الاجناس الستّة التي ذكرناها: المسك والعنبر والكافور والزعفران والعود والورس. والضرب الآخر على ثلاثة أضرب:
أولهما: ينبت للطيب ويتخذ منه الطيب مثل الورد والياسمين والجبزي (والخبزي خ ل) والكازي والنيلوفر فهذا يكره ولا يتعلق باستعماله كفارة إلاّ ان يتخذ منه الادهان الطيبة فيدهن بها فيتعلق بها كفارة.
وثانيها: لاينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح والسفرجل
|