(الصفحة 42)
والنارنج والاترج والدارصيني والمصطكي والزنجبيل والشيح والقيصوم والاذخر وحبق الماء والسعد ونحو ذلك، وكل ذلك لاتتعلق به كفارة ولا هو محرم بلا خلاف وكذلك حكم أنوارها وأورادها وكذلك ما يعتصر منها من الماء والأولى تجنب ذلك للمحرم.
الثالث: ماينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي ولا تتعلق به كفارة ويكره استعماله وفيه خلاف».
ومراده من الكراهة في الموردين هو مجرد الحرمة الخالية عن الكفارة الكراهةِ المصطلحة فانَّ الشيخ كما مَرَّ ييقول فى المبسوط بمقالة المشهور وهي حرمة مطلق الطيب غاية الامر اَنَّه يخصّص الكفّارة بخصوص الاجناس الستة التي ذكرها كما انه يعمّمها للتدهين. وظاهره انّ المَقسَم لجميع هذه الضروب الأربعة هو عنوان الطيب فاللازم ان يقال بعدم كون مراده هو الطيب بالمعنى العرفي الذي قد عرفت تعريفه في كلمات جماعة من الفقهاء ـ فانه لايشمل الجميع كما هو واضح.
اذا عرفت ذلك فاعلم انّ الروايات الواردة في الرياحين على طائفتين:
احداهما: ما تدلّ على الحرمة بنحو الاطلاق وهي ثلاث روايات:
الأولى: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي (عليه السلام) قال: لاتمسّ ريحاناً وانت محرم، ولا شيئاً فيه زعفران، ولا تطعم طعاماً فيه زعفران(1) . وهذه الرواية كما انّها معتبرة من حيث السنّد ظاهرة من حيث الدلالة على ان مسّ الريحان وشمّه حرام في حال الاحرام وانّ الريحان مغاير للطيب ولايكون من مصاديقه كما ان الظاهر انّ المراد بالريحان هو الريحان العربي الذي هو عبارة عن مطلق النبات الذي يكون فيه رائحة طيبة لا الريحان الفارسي الذي هو نوع خاص مثل النعناع وغيره ولا فرق في الريحان المطلق بين البريّ
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح3.
(الصفحة 43)
وبين ما ينبته الآدمي.
الثانية: مرسلة حريز عمّن أخبره عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به ولا يربح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدّق بقدر ما صنع قدر سعته(1) .
الثالثة: صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع شبعه يعني من الطعام...(2)
ولا شبهة في اتّحاد الروايتين وان كلمة «شبعه» تصحيف لـ «سعته» أو بالعكس لِقربهما في الكتابة ولأجل الاتحاد استشكل في اعتبار سند الرواية لأجل ترددها بين كونها مسندة أو مرسلة كما انه بناء على ما اخترناه من عدم حرمة مطلق الطيب لابدّ من حمل النهي فيها على الكراهة بخلاف الصحيحة الأولى الظاهرة في الحرمة لكون الزعفران من الأنواع التي لاشبهة في حرمته.
نعم بناء على مختار المتن من حرمة مطلق الطيب تكون الروايتان ظاهرتين من حيث الدلالة على الحرمة وان كان ربما يقع الاشكال في الدلالة بناء عليه من جهة الكفارة المذكورة فيهما حيث ان كفارة استعمال الطيب كما سيأتي هو دم شاة إلاّ ان يحمل قوله: فمن ابتلى على غير صورة العمد والالتفات ويأتي البحث فيها انشاء الله تعالى وكيف كان ففي الصحيحة الأولى كفاية لما عرفت من خلوها عن المناقشة من حيث السند والدلالة.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح6.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح11.
(الصفحة 44)
ثانيتهما: ما تدلّ على جواز شمّ جملة من الرياحين وهي صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال ابو عبدالله (عليه السلام) لابأس ان تشمّ الاذخر والقيصوم والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم(1) . وقد رواها المشايخ الثلاثة عنه.
وهل المراد بقوله: وأشباهه هي أشباه المذكورات من خصوص النباتات البرية التي لها رائحة طيبة فتدلّ على عدم حرمة خصوص تلك النباتات أو ان المراد به مطلق الرياحين أعم من البريّة وغيرها.
فعلى الأوّل يكون مقتضى الجميع بين الطائفتين حمل الطائفة الأولى على النباتات غير البرية كالريحان الفارسي والنعناع وغيرهما والحكم بعدم حرمة خصوص النباتات البريّة التي لها رائحة طيبة وهذا هو الطريق الذي سلكه الماتن (قدس سره).
وعلى الثاني يكون مقتضى الجمع هو حمل الأولى على الكراهة لأنه بعد دلالة الثانية على نفي البأس عن مطلق الرياحين لابدّ من حمل الأولى على الكراهة والحكم بعدم حرمتها على المحرم زائدة على الطيب ويؤيده قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدمة في الطيب فانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة وقد اختار هذا الوجه بعض الاعلام (قدس سرهم).
هذا ولكن الظاهر هو الطريق الأوّل ولو بناء على المختار من اختصاص الحرمة في الطيب ببعض الأنواع وذلك لأنه لو كان المراد من أشباهه مطلق الرياحين لكان التعرض لما ينبتُهُ الآدمي ممّا هو محل الابتلاء نوعاً أولى ولا ملائمة بينه وبين التعرّض للعناوين الخاصة من النباتات البرية وافادة اطلاق الحكم وعمومه بمجرد قوله « واشباهه » مع ان حمل الصحيحة الأولى على الكراهة مع عطف الزعفران على الريحان مسّاً وطعاماً
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والعشرون، ح1.
(الصفحة 45)
لامجال له بعد وضوح ثبوت الحرمة في الزعفران.
وامّا ما أفاده البعض المتقدم من انه لايحتمل ان الريحان أشدّ من سائر أفراد الطيب والعطور فيردّ عليه بعد كون مثل هذه الاحكام من الأحكام التعبدية التي لا طريق الى استكشاف ملاكها إلاّ بالظنون غير المعتبرة انّ مثل هذا الايراد يردُ على نفسه ايضاً فان سائر افراد الطيب والعطور ربما يكون أشدّ في الجهة المطلوبة من الطيب من الأنواع الخمسة التي خص الحكم بالحرمة بها.
نعم ما أورده على صاحب الحدائق بعد حكاية اضافة الريحان الى الانواع الخمسة عنه الظاهرة في كون مراده هو الريحان الفارسي من ان الريحان في لغة العرب اسم لكل نبات له رائحة طيبة ويجمع على رياحين فالرواية الأولى ظاهرة في حرمة مطلق الريحان في نفسها صحيح لا مجال للخدشة فيه.
وقد انقدح مما ذكرنا صحة ما افيد في المتن من التفصيل في الرياحين وان قلنا باختصاص حرمة الطيب ببعض الأنواع.
الأمر الثاني في استثناء خلوق الكعبة والمحكى عن المغرب والمعرب انه ضرب من الطيب مايع فيه صفرة، وعن النهاية انه طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة. وعن ابن خبرله في منهاجه: «ان صفته زعفران ثلاثة دراهم، قصب الذريرة خمسة دراهم، اشند درهمان، قرنفل وقرفد من كلّ واحد درهم يدقّ ناعماً وينخل ويعجن بماء ورد ودهن ورد حتى يصير كالرّهشي في قوامه، والرهشي هو السمسم المطحون قبل ان يعصر ويستخرج دهنه».
والظاهر انه كان معروفاً في زمن صدور الروايات وانه كان طيباً مركّباً من أنواع الطيب ومن أجزائه الركنية الزعفران كما ان طلى الكعبة به يرشد الى اشتماله على بعض
(الصفحة 46)
الأدهان والمناسب كونه دهن الورد كما عن المنهاج.
هذا ولكن أفاد الماتن (قدس سره) ان خلوق الكعبة مجهول عنده بمعنى انه لايعلم كونه من أي قسم من أقسام الطيب وانه مركب من أزيد من قسم واحد أو غير مركّب بعد كون استثنائه مقتضى النص والفتوى بل في المنتهى ومحكىّ الخلاف الاجماع عليه وظاهر المتن انه مع الجهالة يكون مقتضى القاعدة لزوم الاحتياط عن الطيب المستعمل في الكعبة حيث انه فرّع الاحتياط عليها ويرد عليه انه على هذا التقدير يكون مقتضى القاعدة عدم لزوم الاحتياط وذلك لأنّ أدلّة استثناء الخلوق بمنزلة المقيد للأدلة الدالة على حرمة الطيب بقول مطلق بناء على مختاره أو خصوص الأنواع الخمسة بناء على ما اخترناه واذا كان الدليل المقيد مجملاً بحسب المفهوم وكان دائراً بين المتبائنين ـ مثلاً ـ دون الأقل والأكثر لا مجال للرجوع الى اصالة الاطلاق أو اصالة العموم في شيء منهما بل تجري اصالة البراءة فاذا قال المولى اكرم العلماء ثم قال بدليل منفصل لايجب اكرام زيد العالم وكان زيد العالم مردداً بين زيد بن عمرو وزيد بن بكر لكون كليهما عالمين تجري اصالة البرائة عن وجوب اكرام كل منهما لمعارضة اصالة العموم في كل واحد مع اصالة العموم في الآخر وليس هنا علم اجمالي بثبوت التكليف في البين ولا ما يقوم مقامه مثل البنية بل ليس في البين إلاّ أصالة العموم وهي في كل واحد منهما معارضة مع الاُخرى ولازم التعارض التساقط والرجوع الى اصالة البرائة والمقام من هذا القبيل.
وكيف كان فالروايات الواردة في هذا الباب متعددة مثل:
صحيحة عبدالله بن سنان قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة يصيب