(الصفحة 39)
ونحوهما غيرهما من الاخبار فحرمة المسّ لاتختص بالأربعة بل كل ما كان من الطيب ويصدق عليه انه منه يحرم مسّه للاخبار المتقدمة.
وعن التذكرة التصريح بذلك حيث قال: «شمّاً ومسّاً علق به البدن أو عبقت به الرائحة واحتقاناً واكتحالاً واستعاطاً لا لضرورة ولبساً لثوب مطيب وافتراشاً له بحيث يشمّ الريح أو يباشر بدنه أو ثياب بدنه» بل قال: «لو داس بنعله طيباً فعلق بنعله وجبت الفدية».
والذي يقوي في النظر بعد التأمل في صحيحة معاوية بن عمّار انّ المسّ المنهي عنه فيها في صدر الرواية وشروعها لايراد به ما يقابل الشمّ بل ذكره انّما هو لأجل كون الاستفادة من الطيب بشمّه انّما تتحقق نوعاً بمسّه على البدن أو الثوب خصوصاً في مثل المرأة التي وقع السؤال في بعض الروايات المتقدمة عن مسّها الطيب فانّ مسّها للطيب انما يكون غالباً لأجل كونه مطلوباً لزوجها وموجباً لحصول الرغبة الزائدة اليها ومؤثراً في كمال التمتع منها.
ويؤيد ما ذكرنا في مفاد الصحيحة انه لو كان المسّ له موضوعية مستقلة في مقابل الشمّ لكان اللازم رعاية لمناسبة الحكم والموضوع التعرض في الطيب أوّلاً لحكم الشمّ الذي قد عرفت انه الفعل الظاهر المتعلق به مع انه لم يقع التعرض له في الرواية كذلك كما ان الظاهر ان قوله: فانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة تعليلي لجميع الاحكام المذكورة لا لخصوص قوله وامسك أنفك من الريح الطيبة وعلى تقدير كون المسّ عنواناً مستقلاً في تعلّق الحكم به لكان الأولى ذكر العلّة له لأنه بعيد عن الأذهان بخلاف الشمّ الذي تكون علّة حرمته ظاهرة.
هذا مع انّ حمل الصدر على تحريم مسّ مطلق الطيب والذيل على انحصار
(الصفحة 40)
الحرمة في الأربعة من دون تعرّض للشم فيها مستبعد جدّاً بل الظاهر في الجمع بين الصدر والذيل ما قدّمنا وانّ المسّ لا موضوعية له بحيث لو لم يستلزم الشمّ لجهة يكون محرّماً أيضاً.
ولأجل الجمود على ظاهر الأدلة الحاكم بحرمة المسّ وانه لا فرق فيه بين الحدوث والبقاء وقع الكلام بينهم في انه اذا تطيب بعد الاحرام هل يجوز له ان يزيله بيده أم لا بل يجب ان يزيله بآلة أو أمر غير المحرم بالإزالة لئلا يمسّ الطيب فالمحكى عن الدروس انه أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة و المحكى عن التهذيب والتحرير التصريح بجواز ازالته بمباشرته وبنفسه وهو الموافق للروايات المتعددة الواردة في هذه المسألة ولا مجال لحملها على حال الضرورة وهو يؤيد ما ذكرنا من عدم كون المسّ بعنوانه محرّماً كما في الموارد الاُخرى التي وقع متعلقاً للحكم كمسّ الميت الذي يترتب عليه وجوب الغسل فان تحقق مسمّاه يكفي في ايجاب الغسل فهل يكون المقام ايضاً كذلك نعم لو وقع التدهين بالدهن الطيب يكون هذا محرّماً موجباً للكفارة بل يظهر من محكى المنتهى ان عليه اجماع أهل العلم ولكن التدهين بنفسه عنوان آخر من الامور المحرَّمة للمحرم في عرض الطيب وسائر الامور، وامّا المسّ المجرد عن الشم وعن التدهين فالظاهر انه لايمكن الالتزام بحرمته خصوصاً لو قلنا بحرمة الريحان ايضاً زائداً على الطيب كما اُفيد في المتن في المسئلة الآتية وقد وقع معطوفاً على الطيب في مثل صحيحة حريز المتقدمة فان اللازم ـ ح ـ الالتزام بكون مجرّد مسّ الريحان ولو لم يكن مستلزماً لِشمّه محرماً ايضاً مع انه من الواضح عدم امكان الالتزام به.
ثم ان العناوين الثلاثة الواقعة في المتن من الصبغ والاطلاء والبخور يكون المراد بالأوّل بناء على كسر الصّاد هو الادام المايع الذي يتخمر فيه الخبز وقد ورد في قوله
(الصفحة 41)مسألة 10 ـ يجب الاجتناب عن الرّياحين أي كلّ نبات فيه رائحة طيبة إلاّ بعض أقسامها البرّية كالخزامي ـ وهو نبت زهرة من أطيب الأزهار على ماقيل ـ والقيصوم والشيح والاذخر، ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة وهو مجهول عندنا فالأحوط الاجتناب من الاجتناب من الطيب المستعمل فيها 1 .
تعالى وصبغ للآكلين وبناء على فتح الصاد يكون المراد به هو الصبغ بمعنى ايجاد اللون وهو يكون مستلزماً لاستشمام رائحته كما ان الاول يكون مستلزماً لأكله. وامّا الاطلاء فهو بمعنى المسح الملازم للشمّ والبخور بمعنى التبخير كذلك.
الجهة الثالثة: في عدم حرمة الزنجبيل والدارصينى امّا بناء على اختصاص الحرمة ببعض انواع الطيب فواضح وامّا بناء على ما ذهب اليه المشهور من الاطلاق فلأجل عدم كونهما من أنواع الطيب بعدما عرفت من مدخلية الاتخاذ للشمّ غالباً في معناه نعم سيأتي من المبسوط كلام يظهر منه انّ جميع هذه الامور يصدق عليه عنوان الطيب وان كان بين أنواعه اختلاف في الحكم فانتظر...
(1) يقع الكلام في المسألة في أمرين:
الامر الاوّل: في الرياحين ولنقدم قبل التعرض لحكمها كلاماً محكيّاً من الشيخ في المبسوط فنقول قال فيه: «الطيب على ضربين: احدهما «ماظ» تجب فيه الكفارة وهي الاجناس الستّة التي ذكرناها: المسك والعنبر والكافور والزعفران والعود والورس. والضرب الآخر على ثلاثة أضرب:
أولهما: ينبت للطيب ويتخذ منه الطيب مثل الورد والياسمين والجبزي (والخبزي خ ل) والكازي والنيلوفر فهذا يكره ولا يتعلق باستعماله كفارة إلاّ ان يتخذ منه الادهان الطيبة فيدهن بها فيتعلق بها كفارة.
وثانيها: لاينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح والسفرجل
(الصفحة 42)
والنارنج والاترج والدارصيني والمصطكي والزنجبيل والشيح والقيصوم والاذخر وحبق الماء والسعد ونحو ذلك، وكل ذلك لاتتعلق به كفارة ولا هو محرم بلا خلاف وكذلك حكم أنوارها وأورادها وكذلك ما يعتصر منها من الماء والأولى تجنب ذلك للمحرم.
الثالث: ماينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي ولا تتعلق به كفارة ويكره استعماله وفيه خلاف».
ومراده من الكراهة في الموردين هو مجرد الحرمة الخالية عن الكفارة الكراهةِ المصطلحة فانَّ الشيخ كما مَرَّ ييقول فى المبسوط بمقالة المشهور وهي حرمة مطلق الطيب غاية الامر اَنَّه يخصّص الكفّارة بخصوص الاجناس الستة التي ذكرها كما انه يعمّمها للتدهين. وظاهره انّ المَقسَم لجميع هذه الضروب الأربعة هو عنوان الطيب فاللازم ان يقال بعدم كون مراده هو الطيب بالمعنى العرفي الذي قد عرفت تعريفه في كلمات جماعة من الفقهاء ـ فانه لايشمل الجميع كما هو واضح.
اذا عرفت ذلك فاعلم انّ الروايات الواردة في الرياحين على طائفتين:
احداهما: ما تدلّ على الحرمة بنحو الاطلاق وهي ثلاث روايات:
الأولى: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي (عليه السلام) قال: لاتمسّ ريحاناً وانت محرم، ولا شيئاً فيه زعفران، ولا تطعم طعاماً فيه زعفران(1) . وهذه الرواية كما انّها معتبرة من حيث السنّد ظاهرة من حيث الدلالة على ان مسّ الريحان وشمّه حرام في حال الاحرام وانّ الريحان مغاير للطيب ولايكون من مصاديقه كما ان الظاهر انّ المراد بالريحان هو الريحان العربي الذي هو عبارة عن مطلق النبات الذي يكون فيه رائحة طيبة لا الريحان الفارسي الذي هو نوع خاص مثل النعناع وغيره ولا فرق في الريحان المطلق بين البريّ
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح3.
(الصفحة 43)
وبين ما ينبته الآدمي.
الثانية: مرسلة حريز عمّن أخبره عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به ولا يربح طيبة فمن ابتلى بذلك فليتصدّق بقدر ما صنع قدر سعته(1) .
الثالثة: صحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لايمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذذ به فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع شبعه يعني من الطعام...(2)
ولا شبهة في اتّحاد الروايتين وان كلمة «شبعه» تصحيف لـ «سعته» أو بالعكس لِقربهما في الكتابة ولأجل الاتحاد استشكل في اعتبار سند الرواية لأجل ترددها بين كونها مسندة أو مرسلة كما انه بناء على ما اخترناه من عدم حرمة مطلق الطيب لابدّ من حمل النهي فيها على الكراهة بخلاف الصحيحة الأولى الظاهرة في الحرمة لكون الزعفران من الأنواع التي لاشبهة في حرمته.
نعم بناء على مختار المتن من حرمة مطلق الطيب تكون الروايتان ظاهرتين من حيث الدلالة على الحرمة وان كان ربما يقع الاشكال في الدلالة بناء عليه من جهة الكفارة المذكورة فيهما حيث ان كفارة استعمال الطيب كما سيأتي هو دم شاة إلاّ ان يحمل قوله: فمن ابتلى على غير صورة العمد والالتفات ويأتي البحث فيها انشاء الله تعالى وكيف كان ففي الصحيحة الأولى كفاية لما عرفت من خلوها عن المناقشة من حيث السند والدلالة.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح6.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح11.