(الصفحة 392)
ركعات لكن لا يستفاد منها ان الاوّل واجب والثاني مستحب او العكس والمرجع هو اصالة عدم اشتراط صحة الطواف الاوّل باتمام الطواف الثاني كما ان الاصل عدم انقلاب الطواف الاول من الوجوب الى الندب بل الاصل يقتضي بقائه على الوجوب.
اقول لا ينبغي الاشكال في انّ ظاهر الروايات المتقدمة وجوب الاتمام اربعة عشر اشواطاً او اضافة الستة الى الثمانية على الاختلاف في العبارة ولابدّ في البين من وجود قرينة يرفع اليد بسببها عن الظهور المذكور والاّ لا مجال لرفعها عنه سواء قلنا بانّ مقتضي ظاهرها الوجوب الشرطي بمعني مدخلية الاكمال في صحة الطواف الاول او الوجوب التكليفي الذي مرجعه الى كون التكميل عقوبة مترتبة على اضافة مثل الشوط ولو سهواً كلزوم سجدتي السهو المترتب على الاتيان بالزيادة السهوية غير المبطلة في باب الصلوة حيث انه عقوبة مترتبة عليها.
وما افاده في الجواهر من الاتفاق على عدم وجوب طوافين لا يكون قرينة على الخلاف فان مرجعه الى عدم لزوم طوافين في عمرة واحدة او حجّ واحد بحيث كان كل منهما متّصفاً بعنوان الجزئية لشىء منهما وامّا مدخلية الطواف الثاني في صحة الطواف الذي هو جزء له او وجوبه بعنوان العقوبة الخارجة عن حقيقة الحج او العمرة فلا يقتضي الاجماع المذكور نفيه كما ان استدلال بعض الاعلام بما عرفت لا يكون بتامّ خصوصاً مع جعله مقتضي الاصل عدم اشتراط صحة الطواف الاوّل بالاتمام فان مرجعه الى وجود الاحتمال في هذا المجال ومع هذا الاحتمال اذا كان ظاهر الدليل موافقاً له كيف يجوز رفع اليد عنه وحمله على كون الامر فيه وارداً في مقام توهم الحظر وجواز قطع الطواف في سائر الموارد بخلاف الصلوة لا يستلزم ان يكون الحكم في المقام ايضاً ذلك على انه لا دلالة في الروايات على لزوم وقوع الاتمام والاكمال فوراً وان كان
(الصفحة 393)
اللازم على تقدير كون الاوّل فريضة والثاني نافلة ذلك لئلا يتحقق الفصل الطويل بين الطواف وصلوته.
ويؤيد بل يدل على وجوب الاكمال ما حكي عن الصدوق ووالده وابن الجنيد من ان طواف الفريضة هو الطواف الثاني على ما في بعض الروايات الصحيحة الاتية ايضاً.
نعم في بعض الروايات المتقدمة ان احد الطوافين نافلة والاخر فريضة وهو مع كونه ضعيفاً من حيث السند لا دلالة له على عدم لزوم الاكمال فان كونه نافلة بمعنى كونه زائدة خارجة عما هو الجزء للحج او العمرة ولا ينافي ذلك لزوم الاتيان به خصوصاً اذا كان بعنوان العقوبة لا بعنوان الشرطية بالشرط المتأخر لصحة الطّواف الاوّل.
ثم انّ هنا رواية صحيحة رواها زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال انّ عليّاً (عليه السلام) طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد واضاف اليه ستّاً ثم صلّي ركعتين خلف المقام ثم خرج الى الصفا والمروة فلمّا فزع من السّعي بينهما رجع فصلّي
الركعتين اللتين ترك في المقام الاوّل(1) .
لكنّها مضافاً الى دلالتها على وقوع السهو من الامام المعصوم (عليه السلام) وهو خلاف معتقد الامامية بالنسبة الى ائمتهم (عليهم السلام) انّ ظاهر صدرها باعتبار قوله (عليه السلام) فترك سبعة هو رفع اليد عن السبعة وجعلها كالعدم وعليه فلا يلائم اضافة الركعتين الاخرتين بعد الفراغ عن السعي وحمل الترك على كون المراد به هو رفع اليد عنها بعنوان الجزئية لطواف الفريضة وجعلها طوافاً نافلة خلاف الظاهر جدّاً كما ان دعوى التفكيك في الرواية بين ما هو خلاف معتقد الشيعة بالحمل على التقية وبين الحكم المذكور فيها
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والثلاثون ح ـ 7 .
(الصفحة 394)
برفع اليد عن السبعة واضافة الستّة الظاهرة في كون الثاني هو طواف الفريضة ممّا لا مجال لها اصلاً لانه لا معنى للتفكيك بين الموضوع والحكم وليس المقام مثل مااذا كانت رواية مشتملة على حكمين ـ مثلاً ـ وكان اللازم حمل احدهما على التقيّة حيث انّه يجوز التفكيك بينهما كما لا يخفى.
ثم الظاهر انّ هذه الرواية هي مستند القول المتقدم الذي حكاه صاحب الجواهر عن بعض الناس ممّن قارب عصره من الحكم ببطلان السبعة والاعتداد بالثامن لكنك عرفت ان البطلان وان كان ظاهر رفع اليد عنها الا انه لا يلائم مع الاتيان باربع ركعات كما في الرواية.
وقد انقدح مما ذكرنا ان الظاهر هو وجوب الاكمال والاتمام وعلى تقدير التنزل فاللاّزم اختيار ما في المتن من انّ مقتضي الاحتياط الوجوبي الاتمام بقصد القربة المطلقة المجامعة للوجوب والاستحباب.
كما انه ظهر ممّا ذكرنا انه لم ينهض دليل على تعيين سبعة اشواط الفريضة وانها هي السبعة الاولى او الثانية وان كان يؤيد القول الثاني ان لازم القول الاوّل وقوع الفصل بين الطواف وصلوته بخلاف القول الثاني ولكن الظاهر عدم قدح هذا المقدار من الفصل وعليه فيتم ما في المتن ايضاً من لزوم جعل الركعتين قبل السعي لطواف الفريضة من غير تعيين انه هو الطواف الاول او الثاني وان كان يؤيد الاوّل ان لازم الثاني تحقق الانقلاب بالاضافة الى الاول لان المفروض ان الاتيان به كان بنيّة الطواف الواجب والاصل بقائه على هذا الوصف الاّ مع قيام الدليل على خلافه والمفروض عدمه.
الجهة الثالثة في وجوب الركعتين فقط او لزوم اربع ركعات ظاهر المتن هو الثاني
(الصفحة 395)
وامّا الروايات فهي مختلفة فاكثرها ظاهرة في وجوب الاربع مثل رواية على بن ابي حمزة وصحيحة زرارة المتضمنة لحكاية فعل على (عليه السلام) وخبر جميل الذي رواه ابن ادريس عن نوادر ابن ابي نصر البزنطي ـ وفي اسناده ضعف ـ عنه انه سئل ابا عبدالله (عليه السلام) عمّن طاف ثمانية اشواط وهو يري انّها سبعة قال فقال انّ في كتاب علىّ (عليه السلام) انه اذا طاف ثمانية اشواط يضمّ اليها ستة اشواط ثم يصلي الركعات بعد قال: وسئل عن الركعات كيف يصليّهن او يجمعهنّ او ماذا؟ قال يصلّي ركعتين للفريضة ثم يخرج الى الصّفا والمروة فاذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلي ركعتين للاسبوع الاخر(1) .
ويدل على وجوب الاربع ايضاً صحيحة ابي ايوب المتقدمة.
هذا ولكن ظاهر طائفة منها عدم وجوب ازيد من الركعتين مثل رواية رفاعة المتقدمة الصريحة في نفي وجوب الاربع وصحيحة عبدالله بن سنان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم اربعة عشر شوطاً ثم ليصل ركعتين(2). بعد حمل الدخول على تمامية الشوط الثامن بقرينة لزوم اتمام اربعة عشر شوطاً كما لا يخفي هذا ومقتضي القاعدة جعل هذه الطائفة قرينة على عدم لزوم الاربع وكون الركعتين الاخرتين صلوة مستحبة وعليه فلا مجال للموافقة مع ما في المتن حيث ان ظاهره وجوب الاربع.
ثم انه لو قلنا بوجوب الاربع فالظاهر انّ مقتضي اطلاق بعض ما يدل عليه من الروايات الصحيحة انه لا فرق بين الاتيان بالجميع قبل السعي وبين الاتيان بالاخيرة
- (1) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والثلاثون ح ـ 16 .
- (2) الوسائل ابواب الطواف الباب الرابع والثلاثون ح ـ 5 .
(الصفحة 396)مسألة 19 ـ يجوز قطع الطواف المستحب بلاعذر، وكذا المفروض على الاقوى، والاحوط عدم قطعه بمعني قطعه بلا رجوع الى فوت الموالات العرفية 1 .
بعده لو لم نقل بان ظاهره هو الاتيان بالجميع قبل السّعي وذلك لانّ ما ورد مما يدلّ على التفصيل والتفريق مخدوش امّا من حيث السند وامّا من جهة المفاد فلا يصلح لتقييد الاطلاق بوجه.
وامّا لو قلنا باستحباب الصلوة الثانية وعدم وجوبها كما اخترناه فمع ملاحظة انّ التقييد والاطلاق في باب المستحبات يغاير باب الواجبات حيث انّ الواجبات لا تكون ذات مراتب متفاوته من حيث الشدة والضعف ولاجله في صورة احراز وحدة الحكم من ناحية وحدة السّبب او من غيرها لا محيص عن التقييد وحمل المطلق على المقيد وهذا بخلاف المستحبات التي يكون اكثرها ذا مراتب مختلفة من حيث الفضيلة قلة وكثرة فانه لا مجال فيها لحمل المطلق على المقيد بعد امكان الحمل على اختلاف مرتبتي الفضيلة الاّ في موارد احراز عدم الاختلاف من هذه الجهة ومع ملاحظة ان جريان قاعدة التسامح في ادلة السنن لا يختص بما اذا كان الدليل الفاقد لشرائط الحجية دالاًّ على اصل استحباب شيء بل يجري فيما اذا كان الدليل المذكور وارداً في مقام بيان الكيفية ايضاً وعليه فلابد من الالتزام في المقام بان اصل الاتيان بالصلوة الثانية وان كان مستحبّاً لكن الاتيان بها بعد الفراغ عن السعي افضل لدلالة روايات متعدّدة عليه وان كان كل واحدة منها غير خال عن الخدشة فيه كما عرفت.
(1) لا شبهة في انه يجوز قطع الطواف المستحب كصلوة النافلة وان لم يكن مستنداً الى عذر، وامّا الطواف الواجب فهل هو كالصلوة الواجبة حيث انه لا يجوز قطعها للاجماع على عدم جواز القطع بلا عذر او انه كالطواف المستحب فيجوز قطعه كذلك قد قوىّ في المتن الثاني والمستند فيه مضافاً الى القاعدة حيث انها لا تقتضي