(الصفحة 100)
أحدها: القول بالبطلان مطلقاً. وهو المحكي عن شارحي الشرايع صاحبي الجواهر والمصباح (قدس سرهما) .
ثانيها: القول بالصحة كذلك. وهو المحكي عن جماعة. وذهب إليه الامام الخميني (قدس سره) وإن إستشكل فيها هنا.
ثالثها: التفصيل بين الأجزاء والشرائط التي تكون متحدة مع العبادة، وبين الأجزاء والشرائط التي تكون خارجة عنها. ففي الأوّل ترك التقية موجب للبطلان ـ كالسجدة على التربة ـ إذا كانت التقية مقتضية لتركها وفي الثاني لا يوجب البطلان ـ كترك التكتف في الصّلاة كذلك ـ وهو المحكي عن الشيخ الأعظم الأنصارى وتبعه المحقق النائيني وبعض آخر.
والعمدة ملاحظة مايمكن أن يكون وجهاً للبطلان، وهو أحد أمرين:
الأمر الأوّل: كون العمل المخالف للتقية منهيّاً عنه. والنهي المتعلق بالعبادة يوجب فسادها.
ولكنه يرد عليه إن تعلق النهي بالعمل المذكور إن كان من جهة أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد، فقد حقق في المباحث الاصولية إنه لا يقتضي النهي عن الضد، إلاّ يلزم اجتماع حكمين في موارد ثبوت الوجوب.
وإن كان من جهة استفادة الحرمة من بعض التعبيرات الواردة في التقية، مثل ماورد من أن تركها موجب لوهن المذهب، أو أن تركها ذنب لا يغفر. فمن الواضح إنه لا وجه للإستفادة المزبورة أصلا ـ كما هو غير خفي ـ.
الأمر الثاني: إن العمل المخالف للتقية وإن لم يكن منهيّاً عنه ومتعلقاً للحرمة
(الصفحة 101)
بوجه، إلاَّ أن بطلانه فيما إذا كان عبادة ـ كما هو المفروض ـ إنّما هو لأجل خلوّه عن الأمر وعن الملاك والمناط الذي يكون طريق استكشافه نوعاً هو الأمر.
والوجه في خلوّه ما عرفت من أنّ التقية من موجبات الإضطرار ـ كما عبّر به عنها في صحيحة الفضلاء المتقدمة ـ وعليه فموردها من مصاديق المأمور به بالأمر الإضطراري أو الواقعي الثانوي، كالأمر بالصلاة مع التيمم عند عدم وجدان الماء، أو كون استعماله حرجيّاً موجباً للوقوع في العسر والمشقة الشديدة. فالمكلف عند تحقق شرائط التيمم لا يكون مكلّفاً إلا بالصلاة مع التيمم. ومرجعه إلى عدم كون الصلاة مع الوضوء مأموراً بها بالإضافة إليه أصلا. وعليه فإذا تحمّل المكلف الحرج والمشقة وتوضّأ مكان التيمم، تكون صلاته فاقدة للأمر، ولا تقع صحيحة. ولا دليل على كونها واجدة للملاك والمناط. ولذا رجحنا في البحث عن قاعدة الحرج، أن الترخيص المستفاد منها إنما يكون بنحو العزيمة دون الرخصة.
وهذا بخلاف ما ذكره المحقق الخراساني (قدس سره) في بحث الصلاة المزاحمة مع الإزالة التي هي واجب أهم، من أنه لو اختار الصلاة وترك الإزالة تكون صلاته صحيحة، لأنها وإن لم تكن غير مأمور بها إلاَّ انّها تشتمل على المناط والملاك، وهو يكفي في صحة العبارة.
فإن إحراز الإشتمال على الملاك إنما هو لأجل عنوان التزاحم الذي مرجعه إلى ثبوت الملاك في كلا الطرفين ـ سواء كان هناك أهمّ في البين أم لم يكن ـ وأمّا في مثل المقام فلا سبيل إلى إحراز الملاك واستكشاف المناط بوجه والطولية في التقية ومثلها لا تقتضي كون الإتيان بالواقع مجزياً ومسقطاً، وعليه فيقوى في النظر رجحان القول
(الصفحة 102)القول في الوقوف بالمشعر الحرام
يجب الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس، وهو عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، والأحوط وجوب الوقوف فيه بالنيّة الخالصة ليلة العيد بعد الإفاضة من عرفات إلى طلوع الفجر، ثم ينوي الوقوف بين الطلوعين، ويستحبّ الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بنحو ا يتجاوز عن وادي محسّر، ولو جاوزه عصى ولا كفارة عليه، والأحوط الإفاضة بنحو لا يصل قبل طلوع الشمس إلى وادي محسّر، والركن هو الوقوف بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمقدار صدق مسمى الوقوف ـ ولو دقيقة أو دقيقتين ـ فلو ترك الوقوف بين الطلوعين مطلقاً، بطل حجّه بتفصيل يأتي. [1]
بالبطلان.
وأمّا ما حكي عنه الشيخ الأعظم في توجيه التفصيل المتقدم من أن ترك التكتف لا يكون إخلالا بالمأمور به، فإن التكتف واجب مستقل خارج عن المأمور به، فيرد عليه إن أريد باستقلال وجوب التكتف إنه واجب غير مرتبط بالصلاة بل ظرفه إنّما تكون هي الصلاة، فالظاهر عدم كونه بهذه الكيفية واجباً عندهم. وإن أريد به إن الإخلال به لايوجب الإخلال بالوظيفة المقررة الشرعية من جهة الصلاة، فالظاهر انه بعد ارتباطه بها تكون الصلاة مع الإخلال به غير ماهو المأمور به، فيرجع إلى القسم الأوّل، فيبطل التفصيل. هذا تمام الكلام في مباحث الوقوف بعرفات.
[1]
لا خلاف بين المسلمين في أن الوقوف بالمشعر من واجبات الحج وأجزائه.
(الصفحة 103)
ويدل عليه قوله تعالى:
(فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)(1) ولذا أطلق عليه عنوان «الفريضة» في الروايات باعتبار دلالة القرآن عليه وعلى عرفة «السنّة» باعتبار عدم التصريح به. وفي جملة من النصوص: «إن من فاته الوقوف بالمشعر فلا حج له» وفي بعضها: «إن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» ويطلق عليه المشعر المزدلفة بكسر اللام وجمع بإسكان الميم، والمشعر واحد المشاعر التي هي مواضع المناسك. والتسمية بالمزدلفة باعتبار أنه يتقرب فيه إلى الله تعالى. وفي بعض الروايات الصحيحة: «مالله تعالى منسك أحبّ إلى الله تعالى من موضع المشعر الحرام وذلك أنه يذل فيه كل جبّار عنيد»، أو باعتبار إزدلافها فيها إلى منى بعد الإقامة، أو لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أو لأنها أرض مستوية مكنوسة كما أن التسمية بالجمع على مافي بعض الروايات، لأجل أنّ آدم (عليه السلام) جمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء.
وكيف كان ففي بعض كتب اللغة: إن المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح. لكن في القاموس: ووهم من قال جبلا يقرب من البناء الموجود الآن، وهو الظاهر.
وبعد ذلك يقع الكلام في جهات:
الجهة الأولى: إنه لا شبهة في وجوب الوقوف بعد طلوع الفجر في الجملة. وفي جملة من الكتب دعوى الإجماع عليه. إنّما الإشكال في الوجوب قبل طلوع الفجر، فالمشهور ـ كما قيل ـ هو العدم، ولكن صاحب الجواهر قد قوى الوجوب بل نسبه إلى ظاهر الأكثر، واستدل عليه بوجوه:
الأوّل: التأسي بالنبي والأئمة (عليهم السلام) حيث إنهم كانوا يقفون في المشعر قبل طلوع
- (1) سورة البقرة (2) : 198 .
(الصفحة 104)
الفجر.
ويرد عليه إن الفعل أعم من الوجوب، ومن المحتمل انه كان الوجه فيه هو استحبابه أو تأكد إستحبابه من دون أن يكون هناك وجوب.
الثاني: صحيحة الحلبي التي رواها عنه معاوية بن عمّار وحمّاد، قال: قال لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً فصلّ بها المغرب والعشاء الآخر بأذان وإقامتين، ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، وتقول اللّهم هذه جمع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير ـ إلى آخر الدعاء ـ الحديث(1). نظراً إلى أن الحياض من حدود المشعر الخارجة عنه كخروج حدود عرفات عنها على ما مرّ. فالنهي عن تجاوزها في الليلة المزبورة التي تكون تماميتها بطلوع الفجر دليل على وجوب الوقوف قبل الطلوع أيضاً.
ويرد عليه مضافاً إلى أنّ قرينة السّياق تقتضي كون النّهي للكراهة لا للحرمة وإلى أنّها أخصّ من المدّعى. لأن عدم تجاوز الحياض يجتمع مع تأخير الإفاضة من عرفات وعدم الوود في المشعر ليلة العيد، إلاَّ في الأجزاء الآخرة ومع التوقف بين عرفات والمشعر.
انّ الظاهر كون النهي عن تجاوز الحياض بلحاظ التحفظ على إمكان الوقوف بالمشعر نظراً إلى أنه يحتمل مع التجاوز أن لا يدرك المشعر بين الطلوعين ويفوت عنه كذلك، كالنهي عن الخروج عن مكة، بعد الفراغ عن عمرة التمتع. على ما مرّ
- (1) وسائل: ابواب الوقوف بالمشعر، أورد صدرها في الباب السادس، ح1، ووسطها في الباب الثامن، ح3، وذيلها في الباب العاشر، ح1.