(الصفحة 346)في ما لو انكشف الخلاف
مسألة 4 ـ لو انكشف الخلاف فيما عدا الأخيرة، كما لو لم يتفق الحيض والنفاس أو سلم المريض أو لم يكن الازدحام بما يخاف منه، لا تجب عليهم إعادة مناسكهم; وإن كان أحوط. وأمّا الطائفة الأخيرة فإن كان منشأ اعتقادهم المرض أو الكبر أو القلة تجزيهم الأعمال المتقدمة; وإلاّ فلا تجزيهم. كمن اعتقد أن السيل يمنعه، أو أنه يحبس فانكشف خلافه . [1]
أصحابها ولا يقيم عليها جمالها، تمضي فقد تم حجها(1). وهي وإن كانت محمولة على الاستنابة، إلاّ أن الظاهر في المقام جواز تقديم طواف النساء أيضاً، خصوصاً بعد عدم كونها جزء للحج; بل واجباً مستقلا.
ويحتمل أن يكون واجباً شرطياً ـ كما سيأتي البحث عنه مفصلا إن شاء الله تعالى ـ وبعد كونه مشروطاً بالطهارة كطواف الزيارة، فالظاهر جواز تقديمه أيضاً.
[1] الحكم بالإجزاء في الطوائف الثلاثة الاُولى مبني على قاعدة الإجزاء المستفادة في المقام من الأدلة الدالة على الجواز. فإن مقتضى دليله أنه كما يجوز التقديم، كذلك يجزي التقديم. والمفروض أن انكشاف الخلاف لا يوجب تبدل العنوان.
فالمرأة التي كانت تخاف الحيض أو النفاس لا يكون انكشاف خلافه موجباً
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والثمانون، ح13.
(الصفحة 347)
لتبدل العنوان بمعنى عدم كونها خائفة حين التقديم; بل هو يرجع إلى عدم ثبوت ما يخاف منه. فإذا خاف المكلف على نفسه الصوم ـ مثلا ـ فهو باق على حاله ولا يكون انكشاف الخلاف موجباً لعدم كونه حائضاً أصلا. فالعنوان باق، والدليل يدل على الإجزاء كما يدل على الجواز.
وأمّا الطائفة الرابعة الأخيرة فقد فصل فيها التفصيل المذكور في المتن. والوجه فيه اجتماع أمرين:
الأول: عدم كون القطع أو ما ينزل منزلته. وهو الاطمئنان الذي يعد علماً عرفاً موجباً للإجزاء ـ كما حققوه في المباحث الاُصولية ـ فإذا قطع بأن الواجب في يوم الجمعة خصوص صلاة الجمعة دون الظهر، فصلى كذلك مكرّراً ـ مثلا ـ ثم انكشف الخلاف، وأن الواجب هي صلاة الظهر في يوم الجمعة أيضاً دون صلاة الجمعة، لا يكون انكشاف الخلاف موجباً للإجزاء المسقط لوجوب قضاء صلاة الظهرة أيضاً. لأنه في صورة القطع المخالف; وإن كان القطع حجة، إلاّ أن معنى الحجية لا يرجع في صورة المخالفة، إلاّ إلى المعذرية الموجبة لعدم جواز عقابه على ترك الواجب، وهي صلاة الظهر. وأما كونه مسقطاً للقضاء فلا.
والثاني: عدم استفادة الجواز فيه من الروايات الواردة في المقام، وإلاّ فمقتضاها الإجزاء; مضافاً إلى الجواز. ويرد على الأمر الثاني أنه مع عدم استفادة الجواز من الروايات، كيف جعلها في عداد الطوائف الاُخر؟
إلاّ أن يقال: إن وجود العلم المذكور أولا، وانحصار أعمال الحج بأشهره التي آخرها شهر ذي الحجة، والاستفادة من الروايات انه يجوز التقديم بالإضافة إلى
(الصفحة 348)
بعض الأعمال في الجملة، أوجب الحكم بالجواز; ولا يترتب عليه غير ذلك من الإجزاء.
ولذا ذكرنا في التعليقة على المرض أن الظاهر أن المراد به هو حدوث المرض بعد الرجوع، كما تقتضيه المقابلة مع الطائفة الثالثة. وحينئذ بعد عدم الحدوث، الظاهر عدم الإجزاء.
وكيف كان، فيرد على سيدنا الاُستاذ الماتن (قدس سره) أن المستفاد في جواز تقديم الطائفة الرابعة إن كانت هي الأدلة وبعض الروايات ـ كما يظهر من إطلاق الخوف في بعضها، وإن تردد صاحب الجواهر في سندها لتوصيفه لها بالصحيحة أو الخبر ـ فاللازم الحكم بالإجزاء فيها أيضاً، كما في سائر الطوائف; لعدم الفرق بينهما أصلا.
وإن كان المستند هو ما ذكرنا بعد عدم دلالة الروايات عليه، فيمكن الإيراد عليه بعدم ثبوت الجواز فيها، فضلا عن الإجزاء وكون الحج أشهراً معلومات، لا يقتضي جواز التقديم; بل يمكن إجراء حكم النسيان عليه. والمسألة بعد تحتاج إلى مزيد تحقيق وتأمل.
(الصفحة 349)في مواطن التحلل
مسألة 5 ـ مواطن التحلل ثلاثة:
الاُول: عقيب الحلق والتقصير، فيحل من كل شيء إلاّ الطيب والنساء والصيد ظاهراً; وإن حرم لاحترام الحرم.
الثاني: بعد طواف الزيارة وركعتيه والسعي، فيحل له الطيب.
الثالث: بعد طواف النساء وركعتيه، فيحل له النساء . [1]
[1] مرّ البحث عن الموطن الأول في مسألة الحلق أو التقصير. وقلنا: بثبوت التحلّل بعده، خلافاً للصدوقين، القائلين بثبوت التحلل بعد الرمي في منى يوم النحر، أو ما يقوم مقامه. كما أنه مر البحث عن الصيد المحرم بالإحرام أو للحرم، فلا نعيد. وسيأتي البحث عن طواف النساء وما يترتب عليه وعلى ركعتيه من النساء.
إنما الكلام هنا في الموطن الثاني، وهي حلية الطيب; وأنها هل تتوقف على طواف الزيارة وركعتيه والسعي الواقعة بعد أعمال منى ومناسكه ـ كما حكي عن المشهور في خلاف الشيخ ومختلف العلامة ـ ؟ أو تحصل بطواف الزيارة وركعتيه أو بنفس طواف الزيارة، وإن لم تتحقق الركعتان بعده ـ كما احتمله كاشف اللثام، مستنداً إلى بعض الروايات ـ ؟ وجهان:
يدل على المشهور صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق (أي: يوم النحر) فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه، إلاّ النساء والطيب. فإذا أراد البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كل شيء
(الصفحة 350)
أحرم منه، إلاّ النساء. وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه، إلاّ الصيد(1).
وصحيحة منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل رمى وحلق، أيأكل شيئاً فيه صفرة؟ قال: لا، حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة; ثم قد حلّ له كل شيء إلاّ النساء، حتى يطوف بالبيت طوافاً آخر; ثم قد حلّ له النساء(2). وبعض الروايات الاُخر.
لكن في مقابلها ما رواه سعد بن عبدالله في محكي بصائر الدرجات عن القاسم بن الربيع ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن سنان جميعاً عن مياح المدائني عن المفضل بن عمر عن أبي عبدالله (عليه السلام) في كتابه إليه المشتمل على قوله (عليه السلام) : ثم ترمي الجمرات وتذبح وتغتسل، ثم تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك أحللت;...(3).
لكنها لا تقاوم الروايات المتقدمة الصحيحة، خصوصاً بعد ظهورها في وجوب رمي الجمرات الثلاثة يوم النحر، وعدم التعرض للحلق أو التقصير; ودلالتها على وجوب الاغتسال ـ سواء كان بمعنى الغسل بالضم، أو بمعنى الغسل بالفتح ـ ومن جهة كونها مكاتبة. والعمدة عدم دلالتها على خصوص طواف الزيارة حتى يشمل الإطلاق عدم الصلاة بعده. والظاهر أن عدم حصول الحلية قبل الطواف، لا حصولها بعده بمجرده. فالعمدة الروايات المتقدمة، خصوصاً بعد كونها موافقة لفتوى المشهور ـ على ما عرفت ـ فالأظهر حينئذ ما أفاده في المتن.
- (1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير الباب الثالث عشر، ح2.
- (3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح30.