(الصفحة 382)في كون البيتوتة أمراً عبادياً
مسألة 5 ـ البيتوتة من العبادات; تجب فيها النية بشرائطها . [1]
به، يتعين الطرف الآخر. والوجه في الاحتياط الوجوبي على مختاره، هو مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في أصل المسألة.
[1]
الدليل على العبادية ـ مع عدم كونها من أجزاء الحج، حتى تكون عبادية مستلزمة لعباديتها ـ أمران:
أحدهما: قوله تعالى:
(وَاَذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّام مَعْدُودات...) (1) بناء على التفسير بليالي التشريق، وعدم كون المراد من اليوم هو اليوم في مقابل الليل. كما أنّه استعمل فيه في الكتاب كثيراً، وفي التعابير العرفية كذلك. وعليه فيكون المبيت مصداقاً لذكر الله. ومن الواضح أن الذكر أمر عبادي قربي، لا يتحقق بدون قصد القربة.
ثانيهما: معاملة المتشرعة ـ أعم من الشيعة ـ معها معاملة الأمر العبادي، كالوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر. ويؤيد العبادية كون جميع الاُمور المرتبطة بمناسك الحج، وإن لم تكن من أجزاءه، كذلك والمتشرعة ليس بينهم فرق بين الوقوف بالمشعر، وبين المبيت بمنى من هذه الجهة أصلا.
وعليه فيكفي في الترك مجرد الإخلال كقصد القربة. وإن كان في إيجابه للكفارة الآتية إشكال، لترتبها على الترك الحقيقي; فليس فيه إلاّ مجرد العصيان. وعلى أيّ فكون البيتوتة أمراً عبادياً، لا إشكال فيه أصلا.
- (1)
سورة البقرة (2): 203 .
(الصفحة 383)في ثبوت الكفارة على ترك المبيت
مسألة 6 ـ من ترك المبيت الواجب بمنى، يجب عليه لكل ليلة شاة ـ متعمداً كان أو جاهلا أو ناسياً ـ . بل تجب الكفارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة، إلاّ الخامس منهم. والحكم في الثالث والرابع مبني على الإحتياط . [1]
[1]
أمّا ثبوت الكفارة، أي: كفارة الشاة، بالإضافة إلى كل ليلة يجب المبيت فيها بمنى، بالمقدار الذي تقدم; فلصحيحة معاوية بن عمار الواردة في أصل المسألة; المشتملة على قوله (عليه السلام) : «فإن بت في غيرها، فعليك دم». فإن ظاهرها العرفي ثبوت الدم بالنسبة إلى كل ليلة، لا على ترك مجموع الليالي.
ثم إن ظاهرها ـ كما في الجواهر ـ إطلاق ثبوت الكفارة، وعدم الفرق بين المتعمد والمضطر والعالم والجاهل والذاكر والناسي. إلاّ أنه يرد عليه أن مقتضى حديث الرفع الذي ظاهره رفع جميع الاُمور الشرعية من الأحكام التكليفية والوضعية في موارد عناوينه عدم ثبوت الكفارة أيضاً بالإضافة إلى المضطر وكذا الجاهل وكذا الناسي. لا لأجل الملازمة بين سقوط التكليف وسقوط الوضع، حتى يجاب بعدم الملازمة مورد اضطرار الرجل المحرم إلى لبس المخيط، وكذا الإضطرار التظليل; بل لأجل أن ظاهر حديث الرفع، رفع كلا الأمرين; إلاّ مع قيام الدليل. وفي المقام لا يكون موجوداً; بل الموجود قوله (عليه السلام) على ما عرفت في مسألة لبس المخيط من محرمات إحرام الرجل، من قوله: «أي امرء ركب أمراً بجهالة، فلا شيء عليه» أي حتى الكفارة والتوبة.
(الصفحة 384)
ثم إن عدم ثبوت الكفارة في الخامس من الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة، فلظهور دليله اللفظي المنحصر به في عدم ثبوت الكفارة، فإن قوله (عليه السلام) : «كان في طاعة الله» لا يجتمع مع ثبوتها ـ كما لا يخفى ـ .
وأما الرابع: وهو أهل سقاية الحاج، فلم يرد فيه من طرقنا إلاّ رواية مالك بن أعين المتقدمة المتضمنة لنقل قصة استيذان العباس من الرسول (صلى الله عليه وآله) وإذنه له. ولا بأس بنقلها ثانياً.
فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) : إن العباس استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبيت بمكة ليالي منى، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أجل سقاية الحاج(1).
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أن ذلك قضية شخصية في واقعة رخص النبي (صلى الله عليه وآله) لعمه. وهو ولي الأمر، وله أن يرخص لكل أحد. فالتعدي إلى كل مورد مشكل، ولا يستفاد من ترخيصه (صلى الله عليه وآله) لعمه العباس، تعميم الترخيص لجميع السقاة.
وأنت خبير بأن الحاكي للقصة والواقعة إذا كان هو الإمام (عليه السلام) وكان الغرض من حكايته بيان الحكم يستفاد منه التعميم. خصوصاً مع الاشتمال على ذكر العلة والسبب، سواء كانت العلة مذكورة في كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) أو مذكورة في كلام الإمام الحاكي (عليه السلام) . وهذا منه عجيب جداً.
ثم إن المستفاد من الرواية ـ مضافاً إلى الجواز، وعدم وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق ـ عدم ثبوت الكفارة أيضاً. فالحكم بالثبوت فيه لا يكون مبنياً على الاحتياط. أي: الاحتياط الوجوبي ـ كما لا يخفى ـ . بل الظاهر عدم الثبوت ـ كما
- (1) الوسائل أبواب العود إلى منى،، الباب الأول، ح21.
(الصفحة 385)في عدم اعتبار شرائط الهدي في هذه الكفارة
مسألة 7 ـ لا يعتبر في الشاة في الكفارة المذكورة شرائط الهدي. وليس لذبحه محل خاص. فيجوز بعد الرجوع إلى محله . [1]
عرفت ـ .
وأمّا الراعي، فقد ذكر البعض المتقدم أن استثنائهم لعله غفلة من الأعلام. لأن الراعي شغله وعمله في النهار، وأمّا في الليل فحاله وحال بقية الناس سواء. ولذا استثني الراعي من الرمي في النهار. نعم قد يضطر الراعي من المبيت خارج مكة لحفظ أغنامه; وهذا عنوان آخر; يدخل بذلك في عنوان المضطر.
أقول: ما أفاده (قدس سره) بالإضافة إلى الراعي حق لا ريب فيه. وقد عرفت أن حديث الرفع كما يرفع الحكم التكليفي يرفع الحكم الوضعي أيضاً. فالحكم بثبوت الكفارة فيه مبني على الاطلاق، ورعاية الأدلة الأولية. وأما مع ملاحظة العناوين الثانوية، فلا وجه لثبوت الكفارة أصلا.
[1] وجه عدم اعتبار الأمرين، ان هذه الكفارة لا تكون هدياً، حتى يعتبر فيها شرائطه التي ذكرناها. ولم يقم دليل على اعتبار محل خاص لذبحه، بعد عدم ارتباط أصل الواجب الذي تحقق الإخلال به بالحج، بل هو أمر واجب بعد الحج. وليس لذبحه محل خاص. وإن قلنا به في الإخلال ببعض محرمات الإحرام الذي هو مرتبط بالحج أو بالعمرة، ولم يقم دليل على اتحاد حكم الكفارتين من جميع الجهات ـ كما لا يخفى ـ .
(الصفحة 386)في ما لو كان داخلاً في منى مقداراً من الليل
مسألة 8 ـ من لم يكن تمام الليل في خارج منى، فإن كان مقداراً من أول الليل إلى نصفه في منى، لا إشكال في عدم الكفارة عليه; وإن خرج قبل نصفه أو كان مقداراً من أول الليل خارجاً، فالأحوط لزوم الكفارة عليه . [1]
[1] الحكم في هذه المسألة مبني على مختاره الذي تبع فيه المشهور، من تعين النصف الأول من الليل للمبيت الواجب. وأمّا على مختارنا من ثبوت الحكم بنحو الواجب التخييري بين النصفين الأول والآخر،فيجري فيه حكم الواجب التخييري من ثبوت الكفارة على تقدير عدم الإتيان بكلا العدلين.
وأمّا مع الإتيان بأحدهما وترك الآخر فلا مجال لثبوت الكفارة بوجه. وهو الوجه في عدم ثبوت الكفارة في الفرض الأول الذي بقي في منى إلى نصف الليل. كما أن الوجه بناءاً على مبناه هو الإتيان بالواجب التعييني، وعدم الإخلال به بوجه أصلا. وأمّا في الفرض الثاني الذي خرج قبل نصفه أو كان مقداراً من أول الليل خارجاً، فالحكم فيه بناءاً على الواجب التخييري هو العدم; إن عاد إلى منى وبقي فيه النصف الآخر كلاًّ.
نعم في صورة التلفيق الذي بقي في منى وبات فيها بمقدار النصف، ولكن لم يكن أحد النصفين الأول والآخر، فالأحوط الوجوبي ثبوت الكفارة; لعدم تحقق الواجب التخييري; وإن بات في منى بمقدار أحد العدلين ـ كما لا يخفى ـ .