(الصفحة 359)في ترتيب المناسك الخمسة
مسألة 9 ـ لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة ولا على صلاته اختياراً، ولا تقديم طواف النساء عليهما ولا على السعي اختياراً، فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه . [1]
[1]
أقول: قد تقدم حكم تقديم السعي على الطواف ـ أي: طواف الزيارة ـ أو صلاته اختياراً في المسائل المتقدمة، ولا فائدة في الإعادة ـ خصوصاً بعد عدم التناسب مع البحث ـ .
والمهم هنا البحث في طواف النساء، وأنه هل يجوز تقديمه على طواف الحج وسعيه أو على السعي فقط، أم لابد من التأخير عنهما؟
ولابد بقرينة المسألة العاشرة الآتية إن شاء الله تعالى من فرض البحث في العالم العامد المختار، فنقول:
الظاهر هو لزوم التأخير وعدم جواز التقديم، لأنه ـ مضافاً إلى دلالة الروايات البعدية، أي: الروايات الدالة على أن طواف النساء بعد الحج. فإن عنوان البعدية، كما أنه يدل على أن طواف النساء لا يكون مرتبطاً بالحج; بمعنى كونه جزءاً أو شرطاً له، كذلك يدل على أن وقت الإتيان به هو بعد الحج; والفراغ من أعماله ومناسكه التي منها السعي بين الصفا والمروة، فيدل على تأخر طواف النساء عن السعي، ـ يدل عليه خصوص صحيحة معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة، المشتملة على أن طواف النساء إنما يؤتى به بعد الفراغ عن الأعمال وبعد تمامية السعي.(1)
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.
(الصفحة 360)في جواز تقديم طواف النساء على السعي
مسألة 10 ـ يجوز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة ـ كالخوف عن الحيض وعدم التمكن من البقاء إلى الطهر ـ لكن الأحوط الاستنابة لإتيانه، ولو قدمه عليه سهواً أو جهلا بالحكم، صحّ سعيه وطوافه; وإن كان الأحوط إعادة الطواف . [1]
وعليه فلو خالف الترتيب في فرض العلم والعمد والإختيار، يجب عليه الإعادة بما يوجب الترتيب.
نعم الظاهر عدم كونه موقتاً بذي حجة الحرام الذي هو آخر أشهر الحج، والحج أشهر معلومات; لأن المفروض خروجه عن الحج جزءاً وشرطاً.
وحكي عن المحقق النائيني (قدس سره) التفصيل بين الحكم الوضعي والتكليفي; وأنه يتحقق الإثم والعصيان بالتأخير، وإن كان يترتب عليه حلية النساء معه. ويرد عليه أنه لا دليل على التفصيل المذكور بل الظاهر عدم تحقق الإثم بالتأخير أيضاً، لعدم الدليل عليه.
[1]
أقول: أمّا جواز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة ـ كالخوف المذكور، مع القيد المذكور ـ فقد تقدم الكلام فيه. ولكنه احتاط وجوباً بالاستنابة لإتيانه.
والظاهر ـ كما ذكرناه في التعليقة ـ أن المراد به هو الجمع بين التقديم وبين الاستنابة التي ستجيء في مورد عدم الإتيان بطواف النساء نسياناً أو غيره.
(الصفحة 361)
وأمّا مع التقديم على السعي نسياناً وسهواً أو جهلا بالحكم، فقد نسب إلى جماعة، منهم المحقق النائيني (قدس سره) الإجزاء، واختاره الماتن (قدس سره) بل قيل إنه لا خلاف فيه.
والدليل عليه ـ مع كونه مخالفاً لقاعدة الإجزاء المفروضة فيما إذا أتى بالمأمور به على وجهه; والفرض أنه لم يأت بطواف النساء بعد الحج الذي يكون السعي جزءاً منه. لو لم يكن هناك إجماع تعبدي، كما هو الظاهر ـ أمران:
أحدهما: صحيحتا جميل ومحمد بن حمران، الواردتان فى من قدم ما حقه التأخير وأخّر ما حقه التقديم، في أعمال منى ومناسكه في حجة الوداع، الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه مرّة أو مرتين: «لا حرج» فإنه قد جعل بعض العلماء ذلك أصلا وقاعدة متبعة، وضابطة عامة في باب أجزاء الحج; من دون اختصاص بمناسك منى.
والجواب عنه: أولا: الإشكال في صحة الجعل المذكور. فإن المستفاد من الروايتين كونه ضابطة كلية في أعمال منى ومناسكه، لا في جميع أجزاء الحج وأعماله، أعم من أعمال منى لعدم ثبوت الدليل على الأصل المذكور في أبواب الحج وأجزائه كلية.
وثانياً: أنه لو سلم صحة الجعل المذكور والأصل الكلي في جميع أجزاء الحج، لكن المفروض عدم كون طواف النساء من أجزاء الحج وشرائطه. فالضابطة الكلية على تقدير صحتها لا تشمل طواف النساء بوجه.
ثانيهما: موثقة سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: لا يضره،
(الصفحة 362)
يطوف بين الصفا والمروة، وقد فرغ من حجه(1).
وقد حملها الشيخ (قدس سره) على الناسي، ويلحق به الجاهل بالحكم; لأنه مع العمد والعلم لم يجز قطعاً ـ كما عرفت ـ .
وأورد على الاستدلال به بعض الأعلام (قدس سره) بما حاصله أن الرواية مطلقة ولم يذكر فيها النسيان، فظاهرها جواز التقديم مطلقاً، وهذا مقطوع البطلان، مع أنها غير ناظرة إلى صحة طواف النساء وعدمها، من حيث وقوعها قبل السعي وبعده; وإنما يكون نظرها إلى صحة طواف الحج، باعتبار الفصل بينه وبين السعي بطواف النساء. فكان السائل احتمل في صحة طواف الحج، عدم الفصل بينه وبين السعي بطواف النساء، فأجاب (عليه السلام) بأنه لا يضر الفصل المذكور، بل يأتي بالسعي بعده.
ويؤيده أن الوقوع بعد السعي إنما يكون معتبراً في طواف النساء لا في طواف الحج. فإنه يكون مقدّماً عليه لا محالة. ولا مجال للسؤال بالإضافة إليه.
أقول: حمل الرواية المطلقة على خصوص الناسي كما فعله الشيخ (قدس سره) وإن كان لا دليل عليه مع عدم إشعار فيها بالحمل المذكور، فضلا عن الدلالة. إلاّ أن جعل مورد السؤال فيها ما أفاده ممنوع. فترى في بعض الروايات الأخر، وإن كانت فاقدة للحجية والاعتبار السؤال المذكور، مع كون المراد هو تقديم طواف النساء على السعي. وقد حكم الإمام (عليه السلام) فيها بعدم الجواز.
ففي مرسلة أحمد بن محمد عمن ذكره، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك، متمتع زار البيت فطاف طواف الحج، ثم طاف طواف النساء ثم سعى، قال: لا يكون
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس والستون، ح1.
(الصفحة 363)في نسيان طواف النساء
مسألة 11 ـ لو ترك طواف النساء سهواً ورجع إلى بلده، فإن تمكن من الرجوع بلا مشقة يجب; وإلاّ استناب فيحلّ له النساء بعد الإتيان . [1]
السعي إلاّ من قبل طواف النساء، فقلت: أفعليه شيء؟ فقال: لا يكون السعي إلاّ قبل طواف النساء(1).
ويحتمل قوياً اتحاد الروايتين، كما أن من ذلك يظهر الوجه في أن الأحوط إعادة طواف النساء على ما أفاده الماتن (قدس سره) إلاّ أن يستند في ذلك إلى حديث الرفع، بالإضافة إلى فقرتين «ما لا يعلمون، الخطأ والنسيان» فتدبر.
[1]
قد عرفت فيما مرّ أن طواف النساء وإن لا يكون من الحج لا جزءاً ولا شرطاً، إلاّ أنه مأمور به بالأمر الوجوبي المستقل وشرط لحلية النساء.
فاعلم أنه لو تركه إمّا عمداً وإمّا سهواً، وذكر السهو في المتن ليس لأجل اختصاص الحكم به، ولذا ذكرنا في التعليقة، وكذا عمداً بل لأجل وقوع الترك نوعاً كذلك، وإلاّ فالحاج الذي قد امتثل أمر المولى لا يكون بصدد ترك طواف النساء عمداً، وإن لا يكون من الحج. فالترك الحاصل يكون نوعاً مستنداً إلى السهو.
والوجه في الحكم المذكور في المتن أنه مع إمكان الرجوع إلى مكة وتدارك طواف النساء بالمباشرة من دون أن يكون هناك حرج ومشقة، موجب لرفع الحكم; بل
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس والستون، ح1.