(الصفحة 332)في وقت طواف الحج
مسألة 2 ـ يجوز بل يستحب بعد الفراغ عن أعمال منى، الرجوع يوم العيد إلى مكة للأعمال المذكورة; ويجوز التأخير إلى يوم الحادي عشر. ولا يبعد جوازه إلى آخر الشهر، فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه . [1]
ومنها: الروايات الواردة في الفرق بين حج التمتع، بلحاظ كون العمرة جزءاً منه، وبين حجي القران والإفراد، بلحاظ كون العمرة خارجة منه. من جهة أن فيه ثلاثة أطواف وفيهما طوافان. فإن ظاهره أن الفرق إنما هو باعتبار العدد لا باعتبار الماهية والحقيقة. وكذا الروايات الواردة في بيان الشروط والخصوصيات من دون التعرض لشيء من أنواع الأقسام الثلاثة للحج.
ومنها: الرواية الخاصة، وهي صحيحة معاوية بن عمار المعروفة المفصلة الدالة على أنه: ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ـ إلى أن قال: ـ ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة... (1).
[1] في المسألة أقوال مختلفة بالإضافة إلى حج التمتع الذي نحن فيه.
الأول: ما حكي عن المشهور من عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر.
الثاني: ما ذهب إليه جماعة من جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق. وقد جعله صاحب الحدائق غاية ما يستفاد من الروايات، ونسب إلى المحقق ـ عليه الرحمة ـ لكنه ذكر في الشرايع: إذا قضى مناسكه يوم النحر، فالأفضل المضي إلى مكة للطواف
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.
(الصفحة 333)
والسعي ليومه، فإن أخره فمن غده. ويتأكد ذلك في حق المتمتع، فإن أخّر أثم ويجزيه طوافه وسعيه. ومن المعلوم عدم مساعدة هذه العبارة للنسبة.
الثالث: ما عن جماعة منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف والسيد صاحب المدارك وبعض الأعلام من جواز التأخير إلى طول ذي الحجة. لأن الحج أشهر معلومات، وآخر الأشهر ذو الحجة. فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه، وقد نفى عنه البعد في المتن.
والروايات أيضاً مختلفة، فمن بعضها يستفاد تعين يوم النحر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر(1). بناءاً على دلالتها على التعين، لا إفادة أصل المشروعية ـ كما لا يخفى ـ .
ويستفاد من بعضها جواز التأخير إلى ليلة الحادي عشر.
كما في صحيحة منصور بن حازم: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت(2). بناءاً على جواز تأخير المبيت إلى النصف الثاني من الليل ـ كما سيأتي ـ .
وصحيحة عمران الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، ولا يؤخر ذلك اليوم.(3)
ويستفاد من البعض جواز التأخير أزيد من ذلك.
كرواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أخّر الزيارة إلى يوم
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح6.
- (3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح7.
(الصفحة 334)
النفر، قال: لا بأس ولا يحلّ له النساء حتى يزور البيت ويطوف طواف النساء(1).
ولكن في دلالته على الجواز في حج التمتع إشكال. وإطلاق النفر يشمل النفر الثاني الذي هو اليوم الثالث عشر.
وصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر. إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض(2).
وصحيحة عبيدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق; ولكن لا تقرب النساء والطيب(3).
ومثلها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق; إلاّ أنك لا تقرب النساء ولا الطيب(4).
واشتمالهما على النهي عن الطيب قبل طواف الزيارة دليل على أن المراد خصوص حج التمتع، لأنه في غيره يحل الطيب بمجرد تمامية أعمال منى ومناسكه.
نعم لا وجه لتخصيص الحكم بصورة النسيان بعد تعليله (عليه السلام) بأنه ربما يؤخره كذلك، ولا مجال لفرض النسيان في الإمام (عليه السلام) كما أن ذهاب أيام التشريق يغاير كمالها وتمامها، ويصدق بمضي يوم أو أيام إلى آخر شهر ذي الحجة.
نعم هنا رواية أو روايتان لمعاوية بن عمار، أوردهما صاحب الوسائل في باب
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح11.
- (2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح9.
- (3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح2.
- (4) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح3.
(الصفحة 335)
واحد بعنوان روايتين. ومن المستبعد جداً التعدد، بعد كون الراوي واحداً، والمروي عنه وهو الامام المعصوم (عليه السلام) أيضاً كذلك، ومورد السؤال أيضاً واحداً.
أحدهما: ما رواه الكليني عن علي عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير وصفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في زيارة البيت يوم النحر، قال: زره فإن شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، ولا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر; وموسع للمفرد أن يؤخره...(1).
وثانيهما: ما رواه الشيخ في الكتابين بإسناده عن موسى بن القاسم عن حماد بن عيسى وفضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا بسواء موسع عليهما(2).
والرواية بالكيفية الثانية ظاهرة سؤالا وجواباً.
وأما بالكيفية الاُولى فيحتمل أن يكون قوله «زره» بالذال المعجمة، كما رواه في الجواهر كذلك، وإن كان يبعده عدم مناسبة هذا التعبير مع كون المفعول هو البيت لا محالة، كما ان قوله (عليه السلام) زره لا يناسب الجواب إلاّ بعد كونه أمراً في مقام توهم الخطر، وهو أيضاً بعيد، بعد كون الأفضل أو المتعين الإتيان بها يوم العيد. كما أن قوله «من يومك» لا يعرف المراد به هل المراد من اليوم يوم النحر، أو اليوم الحادي عشر الذي
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح8.
(الصفحة 336)
لا تعين فيه من جهة اليومية؟
نعم لا يكون المراد من الكراهة هي الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة; بل الأعم منها ومن الحرمة.
وكيف كان فالرواية بهذه الكيفية مشكلة جداً.
والتحقيق في مقام الجمع بين الروايات من جهة تصريح بعضها بجواز التأخير عن اليوم الحادي عشر، من دون أن يكون هناك إثم، فضلا عن عدم الإجزاء; ومن جهة تصريح بعضها بحكم استحباب التعجيل، وأنها عبارة عن مخافة الأحداث والمعاريض; ومن جهة دلالة بعضها على أن الإمام (عليه السلام) ربما يؤخره عامداً اختياراً، هو ما نفى عنه البعد في المتن من الجواز طول ذي الحجة حتى آخر يوم منه; لقوله تعالى:
(الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ...) (1) وآخرها آخر ذي الحجة، وإن كان الأفضل التعجيل ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) سورة البقرة (2): 197 .