(الصفحة 184)في جواز الرّمي ماشياً وراكباً
مسألة 7 ـ يجوز الرّمي ماشياً وراكباً، والأوّل أفضل. [1]
أولى من الترك أو التأخير وربما كان في اطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه».
ومقتضى الإطلاق إنه لا فرق بين صورتي التمكن وعدمه، وعليه فيجوز المعذور في الليلة الثاني عشر رمي الجمار مرتين، مرة لليوم الماضي وأخرى لليوم الآتي.
فرع: هل المريض الذي لا يتمكن من الرمي في اليوم، يجب عليه أن يستنيب للرمي في اليوم، أو يتعين عليه أن يصبر ويرمي بالمباشرة في الليل، أو يتخير بين الأمرين; وجوه ظاهر الماتن (قدس سره) في الجواب عن السؤال عنه هو الوجه الثالث ولعلّ وجهه جريان كلا الدليلين بالإضافة إليه الدليل الدال على أن غير المتمكّن يرمى عنه الجمار. وقد ورد بعض رواياته في خصوص المريض. والدليل الدّال على أن المعذور عن الرّمي في اليوم يرمي في الليل وحيث إنه لا ترجيح لإحدهما على الآخر فهو يتخير بين الأمرين ويحتمل ترجيح الثاني على الأوّل، لأن النيابة أمر على خلاف القاعدة لا يصار إليها إلاَّ مع قيام الدليل الواضح عليها. ومع وجود الدليل على توسعة زمان الرّمي بالإضافة إلى الليل ولو بالنسبة إلى خصوص بعض العناوين لا يصار إلى النيابة. ولعلّ في رواية أبي بصير المتقدمة إشارة لولا دلالة إلى ذلك، فتدبر. فالأحوط الرمي في الليل في الفرض المزبور.
[1] قد وقع التصريح في جملة من الكتب الفقهية بانّ المستحب هو الرمي ماشياً. والظاهر انّ المراد هو الرّمي راجلاً. لانّ الرّمي يغاير الطواف والسعي حيث إن
(الصفحة 185)
الحركة مأخوذة في مفهومهما، بخلاف الرّمي، فإنه لا تعتبر الحركة في معناه ومهيته. فالمراد من عنوان الماشي هو الراجل في مقابل الرّاكب. نعم في الحركة عن الخيمة التي هي مقره إلى محلّ الرمي يتصور عنوان الماشي. وكيف كان فالدليل على الإستحباب وجواز الرّمي راكباً ملاحظة الجمع بين الروّايات المتعددة الواردة في المقام، مثل:
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرمي الجمار ماشياً.(1)
ورواية أحمد بن محمّد بن عيسى، انّه رأى أبا جعفر (عليه السلام) رمى الجمار راكباً.(2)
ومرسلة محمد بن الحسين عن بعض أصحابنا عن أحدهم (عليه السلام) في رمي الجمار، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رمى الجمار راكباً على راحلته.(3)
ورواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل رمى الجمار وهو راكب فقال لا بأس به.(4)
هذا وعن المبسوط والسرائر: انّ الركوب أفضل لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رماها راكباً وفي محكي المدارك: لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الاصحاب.
قلت: لو كان المراد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رماها راكباً أحياناً فهو لا يدل على استحبابه خصوصاً بعد دلالة صحيحة علي بن جعفر، على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرمي الجمار ماشياً. ولو كان المراد استمرار عمله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرمي راكباً، فلا يكون في البين ما يدل عليه
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح1.
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 1.
- (3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 2.
- (4) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن، ح 4.
(الصفحة 186)
اصلاً.
ثم إن هنا بعض الروايات المتعرضة لكيفيّة الحركة إلى محل الرّمي، مثل:
رواية عنبسة بن مصعب، قال: رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) بمنى يمشي ويركب، فحدثت نفسي أن أسأله حين أدخل عليه، فابتدأني هو بالحديث، فقال: إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يخرج من منزله ماشياً إذا رمى الجمار ومنزلي اليوم انفس ( ابعد ) من منزله فاركب حتى آتي إلى منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى ارمي الجمار «الجمرة».(1)
ومرسلة الحسن بن صالح عن بعض أصحابه، قال: نزل أبو جعفر (عليه السلام) فوق المسجد بمنى قليلاً عن دابته حتى توجه ليرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك لم نزلت هيهنا؟ فقال: انّ هذا مضرب علي بن الحسين (عليه السلام) ومضرب بني هاشم وأنا احبّ أن أمشي في منازل بني هاشم.(2)
ورواية علي بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة، ثم ينصرف راكباً وكنت اراه ماشياً بعدما يحاذي المسجد بمنى.(3) وفي دلالة بعضها على استحباب المشي إلى الرّمي بعنوانه تأمل وإشكال، والأمر سهل.
وينبغي في باب الرّمي التنبيه على أمرين:
أحدهما: أنه ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في معنى الجمرة، والمراد منها ما ملخّصه: «أن المراد منها البناء المخصوص أو موضعه، إن لم يكن كما في كشف اللثام. سمّى بذلك
- (1) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 2.
- (2) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع ح5.
- (3) وسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع ح2.
(الصفحة 187)
لرميه بالحجار الصغار المسماة بالحجار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها أو من الاجمار بمعنى الاسراع، لما روى ـ في نهاية ابن الأثير ـ أن آدم (عليه السلام) رمى فاجمر إبليس من بين يديه، أو من جمرته وزمرته الى نحيته، وفي الدروس انّها اسم لموضع الرّمي وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى، وقيل هي مجتمع الحصى لا السائل منه. وصرّح علي بن بابويه بأنه الأرض. ولا يخفى عليك ما فيه من الاجمال إلى أن قال بعد ترجيح كلام الدروس على كلام كشف اللثام الظاهر في تقييد الصدق على الأرض بزوال البناء معللاً استبعاد موقف الصدق عليه: ويمكن كون المراد بها المحلّ بأحواله التي منها الارتفاع ببناء أو غيره أو الانخفاض».
وفي رواية ابي غسان المتقدمة، تشبيه الجمار بالصفا والمروة وانّها حيطان وظاهرها كون المراد منها هو البناء، لكن الرواية غير معتبرة.
ثانيهما: ذكر بعض الاعلام (قدس سره) انّ الجمرة الموجودة في زمن النبي والأئمة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لا ريب في تغييرها لعدم امكان بقائها فشخصها لا يلزم رميه جزماً بعد عدم امكان البقاء وبقاء، حكم الرمي إلى يوم القيامة قطعاً. وعليه فإذا كان التغيير بنحو بنى بعد زوالها جمرة أخرى أو رممت أو طليت بالجص والسمنت بحيث يعدّ ذلك جزء منها لا بأس برميها. وأمّا إذا فرض أنه بنى على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة الموجودة في زمانهم (عليهم السلام) كما في زماننا هذا فلا يجتزي برمي المقدار الزائد المرتفع لعدم وجود هذا المقدار في زمانهم، فلم نحرز جواز الإكتفاء برمي هذا المقدار. قال: والاحوط لمن لا يتمكن من رمي نفس
(الصفحة 188)
الجمرة القديمة أن يرمي بنفسه المقدار الزائد المرتفع ويستنيب شخصاً آخر لرمي الجمرة القديمة المزيد عليها.
ويرد عليه:
أوّلاً: أن البناء على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة يستلزم الاضافة والزيادة بالنسبّة إلى الأصل أيضاً ولا يكون التغيير ـ حينئذ ـ بمجرد الكيفية فقط، بل التغيير في الكمية أيضاً أصلاً وفوقاً و ـ حينئذ ـ فاللازم عدم الاجتزاء برمي الأصل أيضاً ولا مجال للالتزام به.
وثانياً: أنه مع قطع النظر عما ذكرنا، نقول: أن ارتفاع الجمرة لا يستلزم خروج المقدار المرتفع عن عنوانها، فإن الجمرة سواء كان المراد بها الارض أو كان المراد البناء باقية بعنوانها، ولا تكون الجمرة المرتفعة جمرة وإضافة بل المجموع هي الجمرة.
ويؤيد ما ذكرنا التوسعة المتحققة في المسجدين، المسجدالحرام ومسجدالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث إنّها لا توجب خروج الزائد عن العنوان ولا عن الاحكام المترتبة عليهما، فإذا قلنا بالتخيير بين القصر والإتمام في خصوص المسجدين لا في مجموع البلدين يكون التخيير المزبور ثابتاً في جميع أجزائهما ولو الاجزاء الحادثة في الازمنة المتعددة.
كما انّ الإحرام للحج بالإضافة إلى المتمتع اللاّزم وقوعها في بلد مكّة قد مّر البحث سابقاً في انه يجوز ايجاده من أية نقطة من نقاط مكة وحتى النقاط الحادثة في الأزمنة الأخيرة، وقد تقدم الإستدلال عليه.
وعليه فالتوسعة لا تقتضي عدم توسعة الحكم والمقام من هذا القبيل فان