(الصفحة 351)في عدم حلية الطيب بمجرد الطواف المتقدم
مسألة 6 ـ من قدم طواف الزيارة والنساء لعذر ـ كالطوائف المتقدمة ـ لا يحلّ له الطيب والنساء، وإنما يحل المحرمات جميعاً بعد التقصير أو الحلق . [1]
[1] قد عرفت أن المتمتع لا يجوز له تقديم الطواف وما بعده اختياراً على الوقوفين أو أحدهما أو مناسك منى وأعماله، وإنما يجوز التقديم للطوائف الأربعة المتقدمة; لدلالة الدليل عليه.
فاعلم أن ما قام عليه الدليل هو مجرد جواز التقديم للطوائف المذكورة. نعم يجوز تقديم السعي المترتب على الطواف وركعتيه، وكذا طواف النساء وركعتيه. وأما ترتب أثرها عليها ـ ولو مع التقديم ـ فلا.
ولذا لا يحل الطيب معها، لو قدمت جوازاً. وكذا لا تحل النساء بمجرد طواف النساء وركعتيه ـ ولو مع التقديم ـ . بل الظاهر توقف الخروج عن الإحرام مطلقاً. وإطلاق التحلل على الحلق أو التقصير ـ كما في العمرة ـ .
(الصفحة 352)في عدم اختصاص طواف النساء بالرجال
مسألة 7 ـ لا يختص طواف النساء بالرجال; بل يعم النساء والخنثى والخصي والطفل المميز. فلو تركه واحد منهم لم يحل له النساء، ولا الرجال لو كان امرأة; بل لو أحرم الطفل غير المميز وليه، يجب على الأحوط أن يطوفه طواف النساء حتى يحل له النساء . [1]
[1]
أقول: أمّا عدم اختصاص طواف النساء بالرجال، ولزوم هذا الطواف في حج النساء، بالإضافة إلى الرجال، فقد صرّح به علي بن بابويه القمي في الرسالة، وغير واحد من المتأخرين، لإطلاق قوله تعالى:
(... فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ...) (1) وفي النص الصحيح تفسير الرفث بالجماع ـ كما مرّ في بحثه ـ وإضافة الجماع بعد كونه صيغة المفاعلة إلى الطرفين ظاهرة، مضافاً إلى دلالة بعض النصوص عليه.
والظاهر لزوم الركعتين بعده وعدم تحقق الحلية بدونهما. نعم في محكي كشف اللثام تبعاً للهداية والاقتصاد «صلّى له أم لا» لإطلاق النصوص.
ويدل على بطلان احتماله أو مذهبه صحيحة معاوية بن عمار الطويلة، المشتملة على قول الصادق (عليه السلام) : ثم اخرج إلى الصفا واصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة فاصعد عليها، وطف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء أحرمت منه إلاّ النساء، ثم
- (1) سورة البقرة (2): 197 .
(الصفحة 353)
ارجع إلى البيت وطف به أسبوعاً آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثم قد أحللت من كل شيء وخرجت من حجك كلّه، وكل شيء أحرمت منه(1).
فإن ظهورها في توقف حصول التحلل مطلقاً على طواف النساء، لا مجرد المدخلية في حصول الفراغ وتحقق مطلق الخروج واضح، لا خفاء فيه. ويدل على أصل المطلب، وهو عدم الاختصاص بالرجال، روايات كثيرة:
منها: رواية علاء بن صبيح وعبدالرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب وعبدالله بن صالح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت، ثم سعت بين الصفا والمروة، ثم خرجت للحج إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها، ثم طافت طواف الحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء يحلّ منه المحرم إلاّ فراش زوجها، فإذا طافت طوافاً آخر، حل لها فراش زوجها(2).
وقد تكلمنا سابقاً في هذا الفرع المذكور في الرواية، إلاّ أن دلالتها على ما نحن بصدده واضحة ظاهرة. ثم إنه يدل على لزوم اتيان الخناثى والخصيان بطواف النساء. مضافاً إلى عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة; بل الظاهر عدم الخروج من الطبيعتين ـ الواجب على كلتيهما طواف النساء، كما عرفت ـ وإلى عدم اشتراط وجود القوى الشهوية في الوجوب.
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والثمانون، ح1.
(الصفحة 354)
صحيحة حسين بن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخصيان والمرأة الكبيرة، أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلهم(1).
وغير ذلك من الروايات التي يستفاد منها هذا الأمر.
وأمّا الثبوت على الطفل المميز الذي أحرم بنفسه بإذن الولي، فإنه وإن كانت التكاليف الالتزامية مرفوعة عنه حتى يبلغ، كما هو المسلّم بينهم، ومقتضى قوله (عليه السلام) «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» أي: يخرج منه المني ولو في حال اليقظة، إلاّ أن الظاهر لابدية الإتيان بطواف النساء، لا لأجل لزومه.
فإن أصل الحج وكذا إتمامه وكذا الإتيان به ليس شيء منها واجباً في حقه أصلا، لفرض كونه غير بالغ مرفوعاً عنه قلم التكليف الالزامي، بل لأجل كون عباداته شرعية ـ كما حققناه في محله وفي قواعدنا الفقهية ـ والحج المشروع لا يكون خالياً عن طواف النساء ولا تكون لابدية الإتيان به على المكلف البالغ لأجل لزوم إتمام الحج; وإن كان أصل الشروع مستحباً.
والوجه فيما ذكرنا: أن طواف النساء ـ كما سيأتي ـ لا يكون جزءاً للحج أو شرطاً له متأخراً عنه; بل نظر الشارع إلى الإتيان به في ظرف مخصوص، وهو بعد الحج في المقام.
فكما أن الصبي المميز لا يجوز الاقتصار في الصلاة على ركعة واحدة أو بعض أجزائها أو كلّها بدون الطهارة، ولا يجوز لشيء من المكلفين الإتيان بصلاة الليل بعنوانها في ست ركعات، وإن كانت مستحبة; كذلك الشرعية لا تقتضي الاقتصار في
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثاني، ح1.
(الصفحة 355)
المقام على الإتيان بالحج بدون طواف النساء; وإن كان أمراً مستقلا خارجاً عن الحج جزءاً وشرطاً. وليس فيه إلاّ الحكم التكليفي بالوجوب.
إن قلت: بعد رفع الحكم الإلزامي، وهو الوجوب في المقام عن الصبي وإن كان مميزاً، كيف يحكم عليه باللابدّية؟
قلت: الحكم الإلزامي وإن كان مرفوعاً عنه، إلاّ أنه ليس فيه حكم إلزامي فقط; بل يترتب عليه حلية النساء. والسببية حكم وضعي لا يختص بالمكلفين; بل يجري في مثل هذا الصبي ـ كإتلاف مال الغير الذي يكون سبباً لضمانه، وإن كان عن الصبي مرفوع الحرمة ـ حتى أن الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ. هذا في الطفل المميز.
وأمّا الطفل غير المميز الذي أحرمه الولي، فالذي قطع به الشهيد هي الحرمة، بدون طواف النساء. واحتمله في كشف اللثام. ويمكن أن يكون الوجه فيه هي الاستفادة من أدلة مشروعية إحرام الولي به، واستحبابه عليه هو أن يفعل به جميع أفعال الحج وما يعمله الحاج من الأعمال والمناسك وطواف النساء، مضافاً إلى ما أشرنا إليه من دلالة النصوص على توقف حلية النساء المحرمة بالإحرام، بمعنى لزوم تركها على طواف النساء.
فالحكم فيه ـ كما في المتن ـ من اقتضاء الاحتياط الوجوبي له. وإن كان يغاير الطفل المميز في عدم الوضوح ـ كما ذكرنا ـ .