(الصفحة 267)في عدم جواز صيام الثلاثة في أيام التشريق
مسألة 18 ـ لا يجوز صيام الثلاثة في أيام التشريق في منى، بل لا يجوز الصوم في أيام التشريق في منى مطلقاً. سواء في ذلك الآتي بـالحج وغيره . [1]
الحج، وبعد دلالة الروايات التي عرفتها على أن المستحب هو صوم اليوم السابع ويومين بعده، والغالب وقوع إحرام حج التمتع يوم التروية، وإن كان الظاهر من المحقق في بعض كتبه والشهيدين إشتراط التلبس بالحج. لكنه غير تام.
الأمر الخامس: في اليوم الذي لابد وأن يصومه بعد العيد. وقد احتاط في المتن أن يكون بعد الأيام الثلاثة للتشريق. وسيأتي البحث فيه في شرح المسألة التاسعة عشر. إن شاء الله تعالى.
[1]
المشهور عدم جواز صيام الثلاثة في أيام التشريق. بل عن الخلاف الإجماع عليه. لكن المحكي عن أبي علي جواز صومها فيها. ويدل على المشهور روايات مستفيضة:
منها: ما عن الفقيه من قوله: وروي عن الأئمة (عليهم السلام) إن المتمتع إذا وجد الهدي ولم يجد الثمن صام ـ إلى أن قال ـ ولا يجوز له أن يصوم أيام التشريق، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث بديل بن ورقا الخزاعي على جمل أورق «و» فأمره أن يتخلل الفساطيط، وينادي في الناس أيام منى ألا لا تصوموا، فإنها أيام أكل وشرب وبعال(1). والبعال ما
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح9.
(الصفحة 268)
يتعلق بالبعل من النكاح وملاعبته بأهله.
ومنها: رواية ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هدياً، قال: فليصم ثلاثة أيام، ليس فيها أيام التشريق. ولكن يقيم بمكة حتى يصومها، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وذكر حديث بديل بن ورقا(1).
ومنها: رواية ابن مسكان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هدياً، قال: يصوم ثلاثة أيام. قلت له: أفيها أيام التشريق؟ قال: لا، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا(2).
ومنها: رواية عبدالرحمن بن الحجاج، قال: كنت قائماً أصلي وأبو الحسن قاعد قدامي، وأنا لا أعلم فجاءه عبّاد البصري فسلّم ثم جلس، فقال له: ياأبا الحسن ما تقول في رجل تمتع ولم يكن له هدي؟ قال: يصوم الأيام التي قال الله تعالى، قال فجعلت سمعي إليهما، فقال له عبّاد: وأي أيام هي؟ قال: قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، قال: فإن فاته ذلك؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك، قال: فلا تقول كما قال عبدالله بن الحسن. قال: فأي شيء قال؟ قال: (قالخ) يصوم أيام التشريق، قال: إن جعفراً كان يقول إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بديلا ينادي إن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومنّ أحد. قال: ياأبا الحسن إن الله قال: فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم. قال: كان جعفر يقول ذو الحجة كلّه من
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح2.
(الصفحة 269)
أشهر الحج(1).
ومنها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في النهي عن صيام الثلاثة في أيام التشريق أو مطلق الصيام في تلك الأيام. لكن في مقابلها روايتان:
إحديهما: موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه، إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق، فإن ذلك جائز له(2).
ثانيتهما: رواية عبدالله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) ان علياً (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج، وهي قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فليصم أيام التشريق فقد أُذن له(3).
والتعليل في الروايتين يوجب صرف ظهور قوله «فليصمها ...» في وجوب الصوم في خصوص أيام التشريق، وحمله على مجرد الجواز والمشروعية مع أن الأمر في مقام توهم الخطر، فلا ظهور له في الوجوب.
هذا والروايتان مضافاً إلى ضعف سند الثانية بجعفر بن محمد الراوي عن عبدالله لجهالته، فقد ذكر الشيخ (قدس سره) إنهما شاذان مخالفان لسائر الأخبار ولا يجوز المصير إليهما مع أنهما موافقان لمذهب بعض العامة، فيحتمل الحمل على التقية، وإن كان يبعده النقل عن علي (عليه السلام) خصوصاً مع التعبير بــ «كان» الظاهر في تكرر صدور هذا القول منه (عليه السلام) هذا بالإضافة إلى صيام الثلاثة في أيام التشريق.
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح4.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح5.
- (3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح6 .
(الصفحة 270)في مبدأ الصيام بعد الأضحى
مسألة 19 ـ الأحوط الأولى لمن صام الثامن والتاسع صوم ثلاثة أيام متوالية بعد الرجوع من منى، وكان أولها يوم النفر. أي: يوم الثالث عشر، وينوي أن يكون ثلاثة من الخمسة للصوم الواجب . [1]
وأما عدم جواز الصوم في أيام التشريق مطلقاً لمن كان بمنى من دون فرق بين الآتي بالحج وغيره، فيدل عليه حديث ابن ورقاء المذكور في جملة من الروايات المتقدمة.
ومنها صحيحة ابن الحجاج، فإن قوله (صلى الله عليه وآله) «لا يصومنّ أحد» ظاهر في عمومية النهي، ولا مجال لتوهم كون الخطاب منحصراً بالمتمتع الذي لم يكن واجد الهدي ولم يصم الثلاثة قبل الأضحى ضرورة قلة مصاديقه، بالإضافة إلى الجمع الكثير الذي كانوا معه (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، مع روايات اُخرى دالة على النهي بنحو الإطلاق. ولعله يأتي بعضها، إن شاء الله تعالى.
[1]
لا شبهة في اقتضاء الاحتياط الاستحبابي لصيام خمسة أيام لمن لم يدرك صيام الثلاثة قبل الأضحى، والنية بالنحو المذكور في المتن.
إنما الاشكال والخلاف في مبدأ الصوم بعد الأضحى بعد وضوح أنه لا يجوز أن يكون المبدأ هو الحادي عشر، فالمشهور والمعروف أنه يصوم الثلاثة الأيام بعد التشريق ولا يصوم شيئاً منها في أيامه. وعن بعضهم أنه يصوم يوم النفر وهو اليوم الثاني عشر الذي هو النفر الأعظم، ويتحقق النفر فيه من أكثر الحجاج، أو الثالث عشر الذي هو النفر الثاني الذي ينفر فيه من كان يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر
(الصفحة 271)
والرمي في يومه.
ومال إلى هذا القول صاحب الجواهر، وقد ذكر في آخر كلامه: «إن الإنصاف مع ذلك عدم إمكان إنكار ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر».
ويدل على مرامه روايات، مثل:
صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائماً وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده(1).
وطرح الرواية باعتبار النهي عن صوم يوم التروية ويوم عرفة ـ كما اخترناه ـ لا ينافي لزوم العمل بها بالإضافة إلى ذيلها الذي هو محل البحث في المقام.
وصحيحة حماد التي جعلت في الوسائل والكتب الفقهية روايتين، مع وضوح الوحدة، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال علي (عليه السلام) صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة ـ يعني ليلة النفر ـ ويصبح صائماً ويومين بعده وسبعة إذا رجع(2).
هذا ولكن يعارضها روايات، مثل:
صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هدياً، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، ولكن يقيم بمكة حتى
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني والخمسون، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث والخمسون، ح3.