(الصفحة 244)في الأكل من الهدي
مسألة 13 ـ يستحبّ أن يقسّم الهدى ثلاثلاً، يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه، والأحوط اكل شيء منه و إن لايجب. [1]
[1]
يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:
الأمر الاوّل: في لزوم الأكل من الهدي و عدمه بل استحبابه. فالمشهور هو عدم اللزوم. و المحكي عن إبن إدريس و المحقق في الشرايع و العلاّمة و جمع آخر هو اللزوم و قد اختاره بعض الأعلام (قدس سره) .
و منشأ اللزوم هو الأمر به في قوله تعالى في آيتين من سورة الحج تفريعاً على البدن و بهيمة الانعام:
(فكلوا منها) و ظهوره في خصوص الوجوب. لكن حكي عن كشاف الزمخشرى أنه قال: «الأمر بالأكل منها أمر إباحة لأن أهل الجاهلية ما كانوا يأكلون من نسائكهم و يجوز أن يكون ندباً لمافيه من مواساة الفقراء و مساواتهم من استعمال التواضع و من ثم استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحية مقدار الثلث». و مراده انه حيث يكون الأمر في مقام توهم الخطر فلايكون ظاهراً في الوجوب، بل في الجواز بالمعنى الأعم في مقابل الحرمة.
وأورد بعض الأعلام (قدس سره) على ذلك مضافاً إلى أنه لم يثبت قول الزمخشري و حكايته عن الجاهلية ثبوت الحرمة في الأكل من النسائك، بأن الدين الإسلامي كان ناسخاً لأحكام الجاهلية و مجرد الحرمة عند أهل الجاهلية لايوجب رفع اليد عن ظهور الأمر ولايوجب وقوع الأمر في مقام توهم الخطر حتى لايكون الأمر ظاهراً في الوجوب.
(الصفحة 245)
والجواب عنه مضافاً إلى أنه لامجال للمناقشة في صحة حكاية الزمخشري مع جلالة قدره و عظمة شأنه، و كان تفسيره الكشاف له موقعية صارت موجبة لتأليف الطبرسى صاحب مجمع البيان كتاباً آخر في التفسير بعد ملاحظة تفسيره سماه جوامع الجامع.
انّ كون الإسلام ناسخاً لأحكام الجاهلية لايتقضى أزيد من نفي الحرمة التي كانوا يعتقدون بها. و أمّا ثبوت الوجوب مكانه فلا، إلاّ أن يقال انه مع العلم بعدم الحرمة لايبقى مجال لتوهم الخطر حينئذ فيبقى ظهور الأمر في الوجوب بحاله لكنه يرد عليه حينئذ ان كون الإسلام ناسخاً لجميع أحكام الجاهلية ممنوع سواء كان في المسائل الإعتقادية أو في الفروع العمليّة ـ كما لايخفى ـ فالأمر المذكور واقع في مقام توهم الخطر فلايبقى له ظهور في الوجوب.
و ربما يستدلّ على وجوب الأكل ببعض الروايات الحاكية لحج رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله: امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة (حذوه) من لحمها ثم تطرح فى مرقة (برمة) ثم تطبخ و أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) و على (عليه السلام) منها وحسيا من مرقها.(1)
و ما رواه الشيخ عن صفوان و ابن أبي عمير و جميل بن درّاج و حمّاد بن عيسى و جماعة عن أبي جعفر و أبي عبدالله (عليهما السلام) قالا: انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر أن يؤخذ من كلّ بدنة بضعة فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطبخت و اكل هو و علي (عليه السلام) و حسوا المرق و
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الاربعون، ح 2 .
(الصفحة 246)
قد كان النبي (صلى الله عليه وآله) أشركه في هديه.(1)
ولكن الظاهر إنه لادلالة لها على الوجوب أيضاً، لأن عمله (صلى الله عليه وآله) أعمّ منه، و من الممكن أن يكون الوجه فيه هو الاستحباب خصوصاً بعد اشتمال مثل هذه الروايات على جملة من المستحبات أيضاً. و يأتي تتمة البحث في ذيل الأمر الثاني ان شاءالله تعالى، فانتظر.
الامر الثاني: في التقسيم أثلاثلاً، قال المحقق فى الشرايع: و يستحب أن يقسمه أثلاثلاً يأكل ثلثه و يتصدق بثلثه ويهدى ثلثه. و ذكر بعده في الجواهر: كما هو ظاهر جماعة و صريح أخرى، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر و عن الدروس الوجوب و تبعه ثاني الشهيدين و الكركى و عن ابن إدريس لزوم الصرف في الأكل و التصدق و لم يذكر الاهداء، بل خصّه بالأضحية. والأصل في ذلك الإتيان المذكورتان و قد عطف في الأولى قوله:
(و اطعموا البائس الفقير) و في الثانية قوله:
(و اطعموا القانع و المعتر) نظراً إلى إنّ القانع و المعتر إن كانا نوعين من الفقير غاية الأمر إن القانع هو الفقير الذي يقنع بما يعطى و يرضي به من غير اعتراء. و المعتر هو الفقير المعتري و المعترض لنفسه على المعطي. فاللازم إتحاد مفاد الآيتين و دلالتهما على لزوم الاطعام، أي التصدق على الفقير عطفاً على الأكل. فلا دلالة فيهما على التثليث بوجه لعدم إشعار شيء منهما بالإهداء إلى الغير و لو لم يكن مؤمناً. و إحتمال كون الإهداء داخلاً في قوله تعالى:
(فكلوا منها) على معنى إرادة أكل الناسك و من يهدى إليه من أصدقائه و جيرانه، لأنه من المعلوم عدم اِرادة أكل الناسك الثلث
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الاربعون، ح 3 .
(الصفحة 247)
بتمامه ضرورة تعذره غالباً مدفوع بكونه خلاف الظاهر جدّاً و إن ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) .
و إن كان القانع و المعتر خارجين عن الفقير و داخلين في الغنّي ـ كما ربما يستفاد من بعض الروايات الآتية ـ فيرد في بادي النظر إنه كيف يتحقق الجمع بين الآيتين بعد كون الأولى ظاهرة في الأكل و الصدقة و الثانية في الأكل و الإهداء. فاللازم حملهما على الجمع بين الأمرين، و هو مخالف للظاهر جدّاً. خصوصاً بعد اشتراكهما في التعرض للأكل.
و الظاهر إن مستند ابن إدريس هو الإحتمال الأول، حيث أوجب الأكل و الصدقة إلى الفقير و لم يذكر الإهداء في مسألة الهدي. و كيف كان فاستفادة التثليث من الآيتين ولو بعد الإنضمام مشكل. ولامجال لدعويه بوجه. هذا مع قطع النظر عن الروايات الظاهرة في تفسير الآيتين أو الدالة على بيان مصرف الهدي. و أمّا مع ملاحظتها فنقول:
منها: صحيحة سيف التمار، قال: قال ابوعبدالله (عليه السلام) إن سعيد بن عبدالملك قدم حاجّاً فلقى أبي، فقال: إنّي سقت هدياً فكيف أصنع؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثاً، و أطعم القانع و المعتر ثلثاً، و أطعم المساكين ثلثاً. فقلت: المساكين هم السؤال؟ فقال: نعم و قال: القانع الذى يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع بعتريك فلايسألك.(1) و قد استفاد منها بعض الأعلام (قدس سره) ان جعل المساكين فيها في مقابل القانع و المعتر، دليل على عدم اعتبار
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الاربعون، ح 3 .
(الصفحة 248)
الفقر فيهما، و أنهما يصدقان على الغنى أيضاً و عليه فتدل على أن الآية الكريمة بنفسها متكفلة للتقسيم الثلاثى بين الصدقة و الإهداء و الأكل. و موردها و ان كان هدي القرآن الذي يساق في إحرامه. الاّ أن الظاهر إنه لافرق من جهة المصرف بينه و بين الهدي في حج التمتع. و لذا استدل بالاية فيه.
و يؤيد ما أفاده التعبير في ذيل الصحيحة بأن المعتر أغنى من القانع فإن هذا التعبير ظاهر في اشتراكهما في الغنى و الخروج عن الفقر.
و يمكن الإيراد عليه بأن جعل المساكين في مقابل القانع و المعتر لادلالة له على خروجهما عن عنوان الفقير، خصوصاً بعد تفسير المساكين بأهل السؤال مع أنه من الواضح إنه لامدخلية للسؤال في حقيقة الفقر بوجه. و عليه فيحتمل أن تكون المقابلة بين المساكين و بين القانع و المعتر هي المقابلة بين الفقير والمسكين لأنهما إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا.
و يؤيده أن مفاد القانع والمعتر لايلائم مع الغنى بوجه. فإنّ الغني لايحتاج إلى إرسال شىء إليه حتى يقتنع به. كما انه لايناسبه الإعتراء و إرائة نفسه إلى الغير و جعلها في معرض نظره ليتحقق منه الإطعام. فإن هذه المعاني لايلائم مع الغنى بوجه. بل المستفادة من الصحيحة ولو احتمالاً لايكون مخالفاً للظاهر ان المسكين لشدة فقره يرى نفسه محتاجاً إلى السؤال و دونه في الفقر القانع و المعتر حيث إن فقرهما لايكون بمرتبة يرى أنفسهما محتاجين إلى السؤال بوجه. بل يكون فى أحدهما الاعتراء و في الآخر القناعة. و التعبير في الصحيحة بأن أحدهما أغنى من الآخر إنما هو للإختلاف في مراتب الفقر لا للإشتراك في الغنى. و عليه فلا دلالة للصحيحة على