(الصفحة 189)2 - الهدي
الثاني من الواجبات، الهدي. ويجب أن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل والبقر والغنم، والجاموس بقر، ولا يجوز سائر الحيوانات والأفضل الإبل ثم البقر، ولا يجزي واحد عن اثنين أو الزيادة بالإشتراك حال الإختيار، وفي حال الإضطرار يشكل الإجتزاء، فالأحوط الشركة والصوم معاً. [1]
الارتفاع لا يقتضي سلب العنوان، وهو الملاك في الأحكام كما لا يخفى، فيجوز من المقدار المرتفع الموجود في هذه الأزمنة أيضاً.
[1] في هذا الأمر جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في أنه يختص وجوب الهدي بحج التمتع بخلاف رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير. وأمّا غير حج التمتع فلا يجب فيه الهدي. قال الله تبارك وتعالى:
(فاذا امنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) الآية.(1) ومقتضى ظاهره أنه في صورة الأمن وعدم الإحصار يجب على المتمع ما استيسر من الهدي والروايات الدالة على ذلك كثيرة، مثل:
صحيحة زرارة، قال: سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل؟ فقال: المتعة، فقلت: وما المتعة؟ فقال: يهلّ بالحج في أشهر الحج فإذا طاف بالبيت فصلّى الركعتين خلف المقام وسعى بين الصّفا والمروة وقصّر وأحلّ، فإذا كان يوم التروية وأهلّ بالحج ونسك المناسك وعليه الهدي، فقلت: وما الهدي؟ فقال: أفضله
(الصفحة 190)
بدنة وأوسطه بقرة وأخفضه شاة، الحديث.(1)
ورواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) من تمتع في أشهر الحج، ثم أقام بمكة حتى يحضر الحاج من قابل فعليه شاة، ومن تمتع في غير اشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنّما هي حجة مفردة وانّما الاضحى على أهل الامصار.(2) وغير ذلك من الروايات الظاهرة في أن الهدي من خصائص حج التمتع ولا يجب في غيره.
لكن هنا رواية ربما يكون ظاهرها غير ذلك، وهي صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في رجل اعتمر في رجب، فقال: إن كان أقام بمكّة حتى يخرج منها حاجّاً فقد وجب عليه هدي، فان خرج من مكّة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي.(3) وقد حملها الشيخ (قدس سره) في التهذيب على من بقى وأقام بمكة ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، ولازمه خروجه من مكّة في الحج. لأن إحرام حج التمتع لا بد وأن يقع في مكّة، والشرطية الثانية ناظرة إلى غير المتمتع. ويحتمل الحمل على وجوه أخر، مثل الحمل على ضرب من الندب أو على أنه ليس المراد بالهدي ما هو الواجب في حج التمتع، بل المراد به هي الكفارة بلحاظ وجوب الحج عليه من خارج مكة بالنذر أو غيره فاحرم منها. وقد احتمل في الجواهر أن ما في الدروس بعد نقل الحديث من أن فيه دقيقة إشارة إلى هذا الوجه. وعلى تقدير عدم امكان الحمل لابد من ردّ علمه إلى أهله، كما لايخفى. وكيف كان فلا شبهة في وجوب الهدي في التمتع بل
- (1) وسائل: ابواب اقسام الحج، الباب الخامس، ح3.
- (2) وسائل: ابواب اقسام الحج، الباب العاشر، ح 1 .
- (3) وسائل: ابواب الذبح، الباب الأوّل، ح2.
(الصفحة 191)
في اختصاصه به وعدم وجوبه في غيره حتى القران لعدم تعينه بوجه.
نعم وقع الكلام في أن المكي إذا تمتع هل يجب عليه الهدي أم لا؟ فالمشهور شهرة عظيمة هو الأوّل، بل في الجواهر: لم يحك الخلاف فيه إلاَّ عن الشيخ في المبسوط جزماً والخلاف احتمالاً.
والوجه في خلافه قوله تعالى في ذيل الآية المتقدمة:
(ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام) بناء على رجوع اسم الاشارة إلى الهدي لا إلى التمتع، لأنه كقوله من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصياً في الرجوع إلى الجزاء دون الشرط.
وأجيب عنه بأن مقتضى كون كلمة « ذلك » إشارة إلى البعيد أن يكون المشار إليه بها هو التمتع دون الهدي.
أقول: البحث في الآية يقع تارة بملاحظة ما هو مقتضاها في نفسها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها وأخرى مع ملاحظة تلك الروايات.
أمّا مع قطع النظر عنها، فالظاهر أن وقوع إسم الإشارة عقيب الجملة الشرطية التي اشير به إليها يقتضي أن يكون المشار إليها هو مفاد الجملة الشرطية، وهو ثبوت الملازمة بين الشرط والجزاء وترتب الثاني على الأوّل. فالمشار إليه بكلمة «ذلك» في الآية الشرطية هي ترتب وجوب الهدي على حج التمتع الذي هو مفاد الشرطية في قوله تعالى
(فاذا امنتم بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) ولا معنى لإرجاعه إلى الهدي وحده، ولا وجه لإرجاعه إلى مشروعية التمتع بعد عدم كون الآية مسوقة لبيانها، بل غاية مفادها أن التمتع يلازم وجوب الهدي. وعليه فلا وجه للإشارة إلى
(الصفحة 192)
التمتع، وإن حكى عن أبي حنيفة. فالآية بمقتضى ظاهرها تنطبق على فتوى الشيخ (قدس سره) لا بالتقريب الذي أفاده بل بالتقريب الذي ذكرنا.
وأمّا مع ملاحظة الروايات المفسرة فلا يبقى ارتياب في أن مفاد الآية بلحاظ الذيل هي مشروعية التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فانظر مثل:
صحيحة عبيدالله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير كلّهم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس لأهل مكّة ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف متعة وذلك لقول الله عزّوجلّ:
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) .(1) ومرّ موضع على مرحلة من مكّة وسرف ككتف موضع قرب التنعيم، ودلالة الرواية على أن المراد بالكتاب هي مشروعية التمتع ووجوبه واضحة إلاَّ أن الاستشهاد بالكتاب لابد وأن يكون مبتنياً على ظهوره ودلالة العرفية التي يكون العرف حاكماً بمفاده، وقد عرفت منع الظهور في الآية في نفسها.
ومثلها صحيحة علي بن جعفر، قال: قلت لأخي موسى بن جعفر (عليه السلام) لأهل مكة أن تمتعوا بالعمرة الى الحج؟ فقال: لا يصلح أن يتمتعوا لقول الله عزوجل:
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) .(2)
نعم، صحيحة زرارة ظاهرة في التفسير وخالية عن الإستشهاد. حيث روى عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام) قول الله عزوجل في كتابه:
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) ; قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، الحديث.(3)
- (1) وسائل: أبواب اقسام الحج، الباب السادس، ح 1.
- (2) وسائل: أبواب اقسام الحج، الباب السادس، ح2.
- (3) وسائل: أبواب اقسام الحج، الباب السادس ح 3.
(الصفحة 193)
فلا يبقى بملاحظة الروايات المتقدمة ومثلها في المراد من الآية، وعليه فمقتضى اطلاق ما دل على وجوب الهدي على المتمتع أنه لا فرق بين المتمتع النائي وبين المكّي إذا تمتع ولو إستحباباً. فإن استحباب الشروع لا ينافي الوجوب بعد وجوبه بالشروع.
الجهة الثانية: في أن الهدي لابد وأن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل والبقر والشاة. ويدل عليه قوله تعالى:
(ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) فإن الأنعام لا يصدق إلاَّ على الثلاث المذكورة التي في رأسها الإبل، بحيث إنه قيل بعدم صدق الجمع إذا لم يكن الإبل في البين، فإضافة البهيمة إلى الأنعام إنما هي من قبيل إضافة الجنس إلى النوع، كما أن التوصيف بالثلاثة انّما هو للتوضيح لا للإحتراز.
وكذا يدل عليه مثل صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على السؤال عن الهدي. والجواب بأن أفضله الإبل وأوسطه البقرة وأخفضه الشاة. فإن مفادها عدم خروجه عن هذه الأنواع الثلاثة، مع أن مقتضى السيرة العملية المستمرة من الصدر الأول إلى يومنا هذا ذلك. ولم ينقل من أحد منهم الخلاف، فلا شبهة في هذه الجهة. وامّا الجاموس فقد وردت فيه رواية علي بن الريّان بن الصلت، كتب إلى ابي الحسن الثالث (عليه السلام) يسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية؟ فجاء في الجواب: إن كان ذكراً فمن واحد وإن كان انثى فمن سبعة.(1)
الجهة الثالثة: في عدم إجزاء الهدي الواحد إلاَّ عن الواحد. فلا يجتزي به عن
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح1.