(الصفحة 379)في عدم وجوب المبيت على أشخاص
مسألة 3 ـ لا يجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص:
الأول: المرضى والممرضين (الممرضون ظ) لهم; بل كل من له عذر يشق معه البيتوتة.
الثاني: من خاف على ماله المعتد به; من الضياع أو السرقة في مكة.
الثالث: الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل.
الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة.
الخامس: من اشتغل في مكة بالعبادة إلى الفجر; ولم يشتغل بغيرها إلاّ الضروريات ـ كالأكل والشرب بقدر الاحتياج وتجديد الوضوء وغيرها ـ . ولا يجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكة; حتى بين طريقها إلى منى على الأحوط . [1]
[1] قد تعرض في هذه المسألة لمن لا يجب عليه المبيت في الليالي المذكورة، وهم أشخاص وطوائف:
الأول: كل من له عذر يشق معه البيتوتة ـ كالمريض والممرض له ـ .
والدليل عليه قاعدة نفي الحرج الحاكمة على أدلة التكاليف الواجبة. خصوصاً مع عدم كون المبيت جزءاً للحج ولا شرطاً له; بل واجب مستقل بعد تمامية أفعال الحج ومناسكه. يسقط مع وجود المشقة والحرج.
الثاني: من خاف على ماله المعتد به بالنحو المذكور في المتن. والدليل عليه قاعدة
(الصفحة 380)
نفي الضرر بالنحو المعروف. لحكومته على الأدلة الأولية، وشمولها للضرر المالي المعتد به.
وأمّا على مبنى شريعة الاصفهاني من كون مفادها النهي عن الضرر. وكذا على مبنى سيدنا الاُستاذ الماتن، الإمام (قدس سره) الذي هو مختارنا أيضاً، من كون النفي فيها مربوطاً بحكومة الإسلام; ولا ارتباط لها بالأحكام الفقهية أصلا.
فالدليل مذاق الشرع الحاكم بعدم حكم الشارع بتحمل الضرر المالي المعتد به، لأجل فعل الواجب كما في الوضوء ونحوه.
الثالث: الرعاة بالشرط المذكور. والدليل على عدم وجوب مبيتهم، أحد الأمرين المتقدمين.
الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة. والدليل أيضاً أحد الأمرين; مضافاً إلى بعض النصوص. مثل:
رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) إن العباس استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبيت بمكة ليالي منى; فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أجل سقاية الحاج(1).
الخامس: من اشتغل بمطلق العبادة، وإن لم تكن من أجزاء الحج في خصوص مكة; وإن لم يكن في مسجد الحرام.
والدليل عليه استثناءه من الروايات الناهية عن البيتوتة في غير منى. وهذه الروايات كثيرة، كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.
لكن الكليني في نقله زاد قوله: «وسألته عن الرجل زار عشاءاً، فلم يزل في
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح21.
(الصفحة 381)في مالو لم يكن في منى أول الليل
مسألة 4 ـ من لم يكن في منى أول الليل بلا عذر، يجب عليه الرجوع قبل نصفه، وبات إلى الفجر على الأحوط . [1]
طوافه ودعاءه وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر، فقال: ليس عليه شيء كان في طاعة الله»(1).
ولكنه ذكر أنه يكون هناك رواية اُخرى لمعاوية بن عمار، قد نقلها الشيخ الطوسي (قدس سره) لكن فيها بدل «زار عشاءاً» مذكورة: «زار البيت»(2).
ومن الواضح عدم كونها رواية اُخرى لمعاوية بن عمار، بل روايته رواية واحدة مرددة بين أمرين. وإن كان بينهما وضوح وخفاء، من جهة أن من صلى المغرب في منى وزار البيت عشاءاً. ومن الواضح استلزامه للحركة من منى إلى مكة هل تكون حركته هذه مغتفرة أم لا؟ فرواية «من زار العشاء» لها ظهور قوي في الاغتفار، ورواية «من زار البيت» لها ظهور باعتبار ترك الاستفصال. وإلاّ فأصل الدلالة موجودة في كلا النقلين; فتدبر.
[1]
ما أفاده في هذه المسألة مبني على مختاره، تبعاً للمشهور ـ كما عرفت سابقاً ـ من كون الواجب في المبيت واجباً تعيينياً مرتبطاً بالنصف الأول. وأما بناءاً على ما اخترناه من الواجب التخييري فواضح، أن أحد الطرفين إذا ترك ولم يمكن الإتيان
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح21.
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح13 ـ 9.
(الصفحة 382)في كون البيتوتة أمراً عبادياً
مسألة 5 ـ البيتوتة من العبادات; تجب فيها النية بشرائطها . [1]
به، يتعين الطرف الآخر. والوجه في الاحتياط الوجوبي على مختاره، هو مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في أصل المسألة.
[1]
الدليل على العبادية ـ مع عدم كونها من أجزاء الحج، حتى تكون عبادية مستلزمة لعباديتها ـ أمران:
أحدهما: قوله تعالى:
(وَاَذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّام مَعْدُودات...) (1) بناء على التفسير بليالي التشريق، وعدم كون المراد من اليوم هو اليوم في مقابل الليل. كما أنّه استعمل فيه في الكتاب كثيراً، وفي التعابير العرفية كذلك. وعليه فيكون المبيت مصداقاً لذكر الله. ومن الواضح أن الذكر أمر عبادي قربي، لا يتحقق بدون قصد القربة.
ثانيهما: معاملة المتشرعة ـ أعم من الشيعة ـ معها معاملة الأمر العبادي، كالوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر. ويؤيد العبادية كون جميع الاُمور المرتبطة بمناسك الحج، وإن لم تكن من أجزاءه، كذلك والمتشرعة ليس بينهم فرق بين الوقوف بالمشعر، وبين المبيت بمنى من هذه الجهة أصلا.
وعليه فيكفي في الترك مجرد الإخلال كقصد القربة. وإن كان في إيجابه للكفارة الآتية إشكال، لترتبها على الترك الحقيقي; فليس فيه إلاّ مجرد العصيان. وعلى أيّ فكون البيتوتة أمراً عبادياً، لا إشكال فيه أصلا.
- (1)
سورة البقرة (2): 203 .
(الصفحة 383)في ثبوت الكفارة على ترك المبيت
مسألة 6 ـ من ترك المبيت الواجب بمنى، يجب عليه لكل ليلة شاة ـ متعمداً كان أو جاهلا أو ناسياً ـ . بل تجب الكفارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة، إلاّ الخامس منهم. والحكم في الثالث والرابع مبني على الإحتياط . [1]
[1]
أمّا ثبوت الكفارة، أي: كفارة الشاة، بالإضافة إلى كل ليلة يجب المبيت فيها بمنى، بالمقدار الذي تقدم; فلصحيحة معاوية بن عمار الواردة في أصل المسألة; المشتملة على قوله (عليه السلام) : «فإن بت في غيرها، فعليك دم». فإن ظاهرها العرفي ثبوت الدم بالنسبة إلى كل ليلة، لا على ترك مجموع الليالي.
ثم إن ظاهرها ـ كما في الجواهر ـ إطلاق ثبوت الكفارة، وعدم الفرق بين المتعمد والمضطر والعالم والجاهل والذاكر والناسي. إلاّ أنه يرد عليه أن مقتضى حديث الرفع الذي ظاهره رفع جميع الاُمور الشرعية من الأحكام التكليفية والوضعية في موارد عناوينه عدم ثبوت الكفارة أيضاً بالإضافة إلى المضطر وكذا الجاهل وكذا الناسي. لا لأجل الملازمة بين سقوط التكليف وسقوط الوضع، حتى يجاب بعدم الملازمة مورد اضطرار الرجل المحرم إلى لبس المخيط، وكذا الإضطرار التظليل; بل لأجل أن ظاهر حديث الرفع، رفع كلا الأمرين; إلاّ مع قيام الدليل. وفي المقام لا يكون موجوداً; بل الموجود قوله (عليه السلام) على ما عرفت في مسألة لبس المخيط من محرمات إحرام الرجل، من قوله: «أي امرء ركب أمراً بجهالة، فلا شيء عليه» أي حتى الكفارة والتوبة.