(الصفحة 323)في مدخلية الحلق أو التقصير في التحلل
مسألة 35 ـ يحل للمحرم بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير كل ما حرّم عليه بالإحرام إلاّ النساء والطيب. ولا تبعد حلية الصيد أيضاً. نعم يحرم الصيد في الحرم للمحرم وغيره لاحترامه . [1]
كذلك.
والذي ينبغي أن يقال إنه كان ينبغي له ترك التعرض لهذه المسألة بعدالمسألة المتقدمة، خصوصاً مع ثبوت الفتوى أو الفتاوى هناك، والانتقال إلى الاحتياط الوجوبي هنا. نعم الاحتياط في مسألة إمرار الموسى له وجه لو قيل بالتعدد، بناءاً على أن رواياته إنما وردت في مورد الحلق الابتدائي ـ على ما عرفت ـ وشمولها للحلق الثانوي محل إشكال، وإن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما لا يخفى ـ .
[1] يقع الكلام في هذه المسألة تارة في غيرالصيد واُخرى فيه. فالكلام يقع في أمرين:
الأول: غير الصيد من محرمات الإحرام ـ مِن النساء والطيب ـ فنقول: إن المشهور حكموا بتوقف حليته على آخر أعمال منى، وهو الحلق أو التقصير بعد وقوعهما بعدها. وعن الصدوقين حصول التحلل بمجرد الرمي الذي هو أول أعمال منى. ودليلهما فقه الرضا الذي لم يثبت كونه رواية، فضلا عن الصحة والاعتبار. وقد ذكرنا هذه الجهة مراراً، ولذا لم يرو صاحب الوسائل عنه شيئاً أصلا. ويدل على المشهور روايات كثيرة:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق
(الصفحة 324)
فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب، فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة، فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد(1) والكلام الآن في غير الصيد.
والرواية ظاهرة في الترتب على الحلق بعد الذبح ومدخلية الحلق في الحلية المذكورة، وأن لا تكون للقضية الشرطية مفهوم ـ كما حققناه في محله الذي هو بحث المفاهيم من علم الاُصول ـ .
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق، ولكن لا تقربوا النساء والطيب(2). وغير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.
وفي مقابل هذه الروايات، روايتان:
إحديهما: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) إنه كان يقول: إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شيء حرم عليك إلاّ النساء(3).
ثانيتهما: موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) جعلت فداك، رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة ولم يحلق، قال: لا بأس... .(4)
لكن هاتين الروايتين مهجورتان، ولم يقل بمفادهما حتى الصدوقين. لعدم قولهما
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح6.
- (3) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح11.
- (4) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح12.
(الصفحة 325)
بتوقف الطيب على رمي الجمرة، وأنه يحل به. بل يقولان بعدم تحقق حليته به كالنساء المتوقفة حليتهن على طواف النساء عندنا بلا خلاف ولا إشكال ـ كما لا يخفى ـ . وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إن هنا روايات اُخر يوهم ظاهرها الخلاف، مثل:
صحيحة سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع، قال: إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال: نعم، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلاّ النساء رددها على مرتين أو ثلاثاً، قال: وسألت أبا الحسن (عليه السلام) عنها، قال: نعم، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلاّ النساء(1).
والشيخ (قدس سره) حملها على من حلق وزار البيت. وأنه لم ينقل مع كون النقل عن الكليني قبل أن يزور البيت. وهو وإن كان أضبط من الشيخ لكنه أفقه منه. وقد حكم في الدروس بأنه متروك.
وعلى أي حيث إنه لم يعلم أن ذلك قبل زيارة البيت لايجوز العمل بها.
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سئل ابن عباس هل كان رسول الله يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور(2).
ولكنها في مورد حج غير التمتع الذي لا يتوقف عليه الطيب على أمر بعد الحلق أو التقصير. لأنه لم يحج حج التمتع على ما مر مراراً.
- (1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح7.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الرابع عشر، ح2.
(الصفحة 326)
ورواية يونس مولى علي (أي: علي بن يقطين وهو ثقة بلا كلام، كما اُفيد) عن أبي أيوب الخزاز، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) بعد ما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمشك (مسك خل) وزار البيت وعليه قميص وكان متمتعاً(1).
ولكن ورودها في حج التمتع ممنوع على نقل وكان متقنعاً، وعلى التقدير الآخر حيث إنه مشكوك، فلا ينهض في مقابل الروايات الواردة في التمتع.
وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: ولد لأبي الحسن (عليه السلام) مولود بمنى، فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران، وكنا قد حلقنا، قال عبدالرحمن: فأكلت أنا وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا منه، وقالا: لم نزر البيت، فسمع أبو الحسن (عليه السلام) كلامنا، فقال: لمصادف، وكان هو الرسول الذي جائنا به: في أي شيء كانوا يتكلمون؟ فقال: أكل عبدالرحمان وأبى الآخران، فقالا: لم نزر البيت، فقال: أصاب عبدالرحمان. ثم قال: أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم، فأكلت أنا منه وأبى عبدالله (أي عبدالله بن جعفر الأفطح ظاهراً) أن يأكل منه، فلما جاء أبي حرشه عليّ، فقال: ياأبه إن موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعد، فقال: هو أفقه منك، أليس قد حلقتم رؤوسكم؟(2)
ولكن الشيخ أيضاً حمله على الحاج غير المتمتع الذي يحل عليه الطيب أيضاً بمجرد الحلق أو التقصير؟.
ورواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه،
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الرابع عشر، ح3.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح10.
(الصفحة 327)
ما يحل له؟ فقال: كل شيء إلاّ النساء(1). ولكنها قابلة للتخصيص كما أفاده صاحب الجواهر.
الأمر الثاني: في الصيد. وهو على قسمين: لأنه تارة يكون إحرامياً محرّماً للمحرم سواء في الحرم أو في الحل. واُخرى حرمياً يكون محرّماً في محدودة حرم الله تبارك وتعالى. سواء كان محرماً أم لم يكن كذلك. والكلام الآن في الصيد الإحرامي الذي حرّمه الإحرام. وأمّا الصيد الحرمي فالكلام فيه إنما هو في أحكام الحرم ولا تختص بالمحرم بوجه.
فنقول: مقتضى بعض الروايات الصحيحة والفتاوى أن الصيد الإحرامي يتحقق التحلل من الحرمة الإحرامية الحاصلة بالإضافة إليه ـ كسائر محرمات الإحرام ـ بالحلق أو التقصير، ونفى عنه البعد في المتن أيضاً، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء وإذا طاف طواف النساء، فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد(2).
وحمل الصيد على الحرمي كما ادعى وضوحه صاحب الجواهر (قدس سره) يدفعه أن الكلام في الرواية ليس في الصيد الحرمي بوجه، بل المراد هو الصيد الإحرامي الذي نشأت حرمته من الإحرام. مع أن لازمه كون الاستثناء منقطعاً. وهو وإن لا يكون
- (1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح8.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح1.