(الصفحة 94)فيما لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا
مسألة 7 ـ لو ثبت هلال ذي الحجّة عند القاضي من العامّة وحكم به ولم يثبت عندنا فإن أمكن العمل على طبق المذهب الحقّ بلا تقية وخوف وجب، وإلاَّ وجبت التبعية عنهم وصحّ الحج لو لم تبين المخالفة للواقع، بل لا تبعد الصحة مع العلم بالمخالفة ولا تجوز المخالفة، بل في صحة الحج مع مخالفة التقية إشكال، ولما كان أفق الحجاز والنجد مخالفاً لآفاقنا، سيّما أفق إيران، فلا يحصل العلم بالمخالفة إلاَّ نادراً. [1]
بطلان الحج.
الرابع: إنه لو كان ترك الوقتين مستنداً إلى العذر، يكفي في صحة الحج وتماميته إدراك الوقوف الإختياري للمشعر الحرام، المتحقق بالإدراك قبل طلوع الشمس وقبل الإفاضة من المشعر إلى منى. وسيأتي البحث في هذا الأمر في مباحث الوقوف بالمشعر إن شاء الله.
[1] لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا ولكنه ثبت عند القاضي من العامّة وحكم على طبقة فإن لم يكن في البين تقيّة ولا خوف وجب العمل على طبق المذهب الحق وهو مقتضى استصحاب عدم ثبوت الهلال في ليلة اليوم المشكوك وعدم كون اليوم المزبور أوّل ذي الحجة. ولكنه لابد وأن يعلم انه ربما لا يكون في البين خوف شخصي وخطر متوجه إلى الشخص نفساً أو غيرها، بل يكون في البين هتك حرمة الشيعة وانحطاط شأنهم وجعلهم في معرض التهمة ومظنة السّوء، كما إذا كانوا مجتمعين في الحج والوقوف ـ كما في هذه الأزمنة ـ فإنه لابد في هذه الصورة من حفظ
(الصفحة 95)
مقامهم لئلاّ يقعوا في معرض الإتهام وينظر الناس إليهم بعين الإبتعاد عن الإسلام والإلتزام بشؤونه. فلا يجوز التخلف عنهم في الوقوف ونحوه، وإن لم يكن تقية ولا خوف في البين أصلا.
وكيف كان ففي صورة التقية ومثلها تجب المتابعة عنهم ورعاية شؤون التقية ولا شبهة في هذه الجهة من حيث الحكم التكليفي. فقد وردت روايات متواترة، بل فوق حدّ التواتر في مشروعيه التقية ولزوم رعايتها. وفي بعضها أنه لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً.
إنّما الكلام في الإجزاء عن الواجب الواقعي الأولي وللاتصاف بالصحة والتمامية. ومحلّ البحث في الإجزاء في باب التقيّة ما إذا كانت التقية موجبة للإخلال بالجزء أو بالشرط أو الإتيان بالمانع أو القاطع، كما إذا كانت التقية موجبة لترك مسح الرجلين والغسل بدل المسح في باب الوضوء أو غسل اليد منكوساً ومعكوساً أو التكتف أو قول آمين في الصلاة. وأمّا إذا كانت التقية موجبة لترك الواجب رأساً كما في الإفطار في يوم الشك من آخر رمضان إذا حكم قاضيهم بكونه يوم العيد، فإنه لا مجال لتوهم الإجزاء بعد ترك العبادة رأساً. وعليه فالحكم بالقضاء في مثله لا يستلزم الحكم بعدم الإجزاء في محلّ البحث. كما في مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: دخلت على أبي العبّاس في الحيرة، فقال: يا أبا عبدالله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا. فقال: يا غلام عليَّ بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان، فكان
(الصفحة 96)
إفطاري يوماً وقضائه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله.(1)
فمحلّ الكلام ما ذكرنا وحينئذ إن قلنا بأن الضابطة في المسألة الأصولية التي يبحث فيها عن إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الإضطراري وأنه يجزي عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الإختياري ـ كما هو الظاهر ـ أم لا بالاجزاء، فاللازم هو القول بالإجزاء في امقام لانّ التقية من موارد الإضطرار، وقد عبّر عنها به في بعض الروايات الصحيحة المعروفة بصحيحة الفضلاء، قالوا سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن التقية في كل شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له.(2)
وإن لنا بعدم الإجزاء في المسألة الأصولية، فاللازم هو القول بالإجزاء في خصوص المقام لا لما ذكره صاحب الجواهر من انّه لا يبعد القول بالإجزاء هنا إلحاقاً له بالحكم للحرج، واحتمال مثله في القضاء. قال: وقد عثرت على الحكم بذلك منسوباً للعلامة الطباطبائي (قدس سره) ولكن مع ذلك فالإحتياط لا ينبغي تركه.
بل لأنّه قد مضى على الائمة (عليهم السلام) وشيعتهم ما يزيد عن مأتي سنة كان ثبوت الهلال مرتبطاً بحكم الحاكم وقاضيهم ولم يكن مورد واحد ولو إشارة وإشعاراً حكموا فيه ببطلان الحج، بلحاظ كون الوقوف مستنداً إلى حكم قاضي النّاس مع عدم ثبوته عند الشيعة. وكون مقتضى الإستصحاب العدم. ومن الواضح ثبوت الإختلاف كثيراً بهذه الكيفية الراجعة إلى الثبوت عندهم والشك عند الشيعة. ولا مجال لدعوى عدم وقوع الاختلاف أصلا في هذه المدة الكثيرة، خصوصاً مع ملاحظة مثل موثقة
- (1) وسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع والخمسون، ح
- (2) وسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع والخمسون، ح
(الصفحة 97)
أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) وكان بعض أصحابنا يضحي، فقال: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يصوم الناس.(1)
كما أن دعوى إن ذلك من جهة عدم تمكن الشيعة من الوقوف الثاني مدفوعة بمنع عدم التمكن دائماً، لا مكان الوقوف في برهة من الزمان، ولو مرّة واحدة في طول هذه المدّة، ولو بعنوان آخر بحسب الظاهر. فلا وجه لذلك غير الإجزاء وكفاية الوقوف الصّادر تقيةً.
مع أنه هنا شيء آخر ينبغي الإلتفات إليه وهو أنّ الأئمّة (عليهم السلام) وشيعة المدينة كانوا يحجون من المدينة وهم باعتبار قرب بلدهم إلى مكة لم يكن اللازم عليهم الخروج عنها قبل هلال ذي الحجة. فالقاعدة تقتضي الخروج بعده وإن كانت المراكب السابقة غير المراكب الفعلية، لكنه مع ذلك لم يكن الخروج قبله بلازم وحينئذ في مورد الشك وعدم الثبوت لو كان الحج كذلك غير صحيح. ولا محالة لا يكون مستحبّاً أيضاً. لأن العمل الباطل لا يتصف بشيء من الوجوب والإستحباب، لما كان وجه للخروج إلى الحجّ، خصوصاً بعد وضوح عدم اختلاف أفق مدينة ومكة، وكون حكم القاضي في الأولى نافذاً بالإضافة إلى الثانية أيضاً، مع أنه لم يعلم ولو مرة واحدة إمتناعهم عن الخروج لأجل ذلك. وتبيين هذه العلة ولو لخواصّ أصحابهم مع التعرض لمثله في موارد كثيرة، فلا مجال لاحتمال عدم الإجزاء مع التوجه إلى ما ذكرنا في صورة عدم العلم بالمخالفة.
وأمّا في صورة العلم بالمخالفة وعدم موافقة حكم القاضي للواقع قطعاً، فقد نفى
- (1) وسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع والخمسون، ح7.
(الصفحة 98)
البعد في المتن عن الحكم بالصحة فيها، ولكنه ذكر بعض الأعلام (قدس سره) في مناسكه انه في هذه الصورة لا يجزي الوقوف معهم. فإن تمكن المكلف من العمل بالوظيفة ـ والحال هذه ولو بان ـ يأتي بالوقوف الإضطراري في المزدلفة دون أن يترتب عليه أيّ محذور ـ ولو كان المحذور مخالفته للتقية ـ عمل بوظيفته. وإلاَّ بدّل حجه بالعمرة المفردة ولا حج له. فإن كانت استطاعته من السنة الحاضرة ولم تبق بعدها سقط عنه الوجوب، إلاَّ إذا طرأت عليه الإستطاعة من جديد.
أقول: الظاهر هو الحكم بالصحة في هذه الصورة أيضاً، لأن تحققها في ذلك الزمان الطويل الذي أشرنا إلى أنه يزيد عن مأتي سنة، وإن كان قليلا بالإضافة إلى صورة الشك وعدم العلم بالمخالفة، إلاَّ أنه لا مجال لإنكاره. وقد مرّ في مرسلة رفاعة، أن الإمام (عليه السلام) حلف بأن اليوم الذي أفطر فيه تقية كان من شهر رمضان، وإنه كان عالماً بذلك حين الإفطار، ومع ذلك أفطر كذلك. فيدل ذلك على وقوع هذه الصورة أحياناً. ومع ذلك لم نر ولم نعهد منهم (عليهم السلام) الإشارة إلى عدم الإجزاء ولزوم التطرق إلى طريق صحيح، ومع عدم إمكانه لزوم تبديل الحج بالعمرة المفردة، ولو في مورد واحد مع كون فريضة الحج من الفرائض المهمة الإلهية.
ودعوى كون السيرة العملية من الأدلة اللبية التي لابد فيها من الإقتصار على القدر المتيقن ـ وهي صورة الشك وعدم العلم بالمخالفة ـ مدفوعة بأنه مع ملاحظة ما ذكرنا لا يكون شمولها لصورة العلم مشكوكاً حتى لا يجوز الإستدلال له بها. بل الظاهر إنه لا شك في الشمول نعم ربما يستدل على عدم الإجزاء ـ كما في تقريرات بعض الأعلام (قدس سره) في شرح المناسك ـ بأنه بعد عدم ثبوت السيرة في هذه الصورة