(الصفحة 283)في من قصد الإقامة في مكة في هذه الأيام
مسألة 24 ـ من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة، فالظاهر جواز صيام السبعة بعد مضي مقدار الوصول معها إلى وطنه. وإن كان الأحوط خلافه. لكن لا يترك الاحتياط بعدم الجمع بين الثلاثة والسبعة . [1]
الظاهرة في جواز الصوم ببغداد بعد السفر إليه من الكوفة التي هي محله ووطنه ظاهراً. ولأجله صار بصدد السؤال والاستفهام عن الإمام (عليه السلام) فلا إشكال في هذه الجهة أيضاً.
نعم قد عرفت الفرق بين صيام الثلاثة وصيام السبعة من جهة جواز وقوع الاُولى في السفر، مع عدم قصد الإقامة. لدلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن الأفضل في هذا الصوم وقوع صيام اليوم الثالث في يوم عرفة. مع أن الحاج في ذلك الزمان كان مسافراً فيها. وأما السبعة فيعتبر فيها ما يعتبر في سائر الصيام الواجبة من اشتراط صحتها في السفر بكونه مقروناً بقصد إقامة عشرة أيام ـ كما لا يخفى ـ .
[1]
من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة الموجبة لإمكان الرجوع إلى البلد في يوم واحد أو أقل، هل يجوز له صيام السبعة بعد مضي هذا المقدار فيجوز له الشروع في صيام السبعة بعد مضي يوم واحد ـ مثلا ـ؟ استظهر في المتن الجواز.
والوجه فيه صدق عنوان «بقدر مسيره إلى أهله» الذي كان مختلفاً في تلك الأيام
(الصفحة 284)في أنه هل يعتبر أن يكون صيام الثلاثة في مكة؟
مسألة 25 ـ لو لم يتمكن من صوم ثلاثة أيام في مكة ورجع إلى أهله، فإن بقى شهر ذي الحجة صام فيه في محله. لكن يفصل بينها وبين السبعة، ولو مضى الشهر يجب الهدي يذبحه في منى ولو بالاستنابة . [1]
والأزمنة أيضاً بلحاظ الاختلاف في المراكب الموجودة فيها. فإن مقدار المسير إلى الأهل في هذه الأيام ربما يكون أقل من يوم واحد ـ كما إذا كان مركبه الطيارة مثلا بالنسبة إلى بعض البلاد ـ ولكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلافه. خصوصاً بعد ملاحظة أن العدل الآخر هو مضي الشهر الذي لا يناسب التخيير بينه وبين مضي يوم واحد ـ كما في المثال ـ .
وأما عدم الجمع بين الثلاثة والسبعة، فسيأتي البحث عنه في المسألة الخامسة والعشرين الآتية، إن شاء الله تعالى.
[1]
ينبغي قبل الورود في هذه المسألة، التعرض لجهة اُخرى. وهي أنه هل يعتبر في صيام ثلاثة أيام في حال التمكن والاختيار أن يكون مكانه مكة أم لا يعتبر، بل يجوز وقوعها في غيرها مثل الجدّة وغيرها بعد عدم قدح السفر فيه؟
قال بعض الأعلام (قدس سرهم) : لم أر من تعرض لذلك نفياً وإثباتاً سوى شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في مناسكه صرّح بعدم الاعتبار وأنه يصح مطلقاً. نعم لابد من وقوع صيامها في ذي الحجة وقبل الرجوع إلى بلاده. ثم استظهر نفسه من جملة من الروايات اعتبار صومها في مكة، وقال بعد الاستدلال بها: «لا قرينة لرفع اليد عن ظهورها، ولا
(الصفحة 285)
تصريح في الروايات بجواز الإتيان به في غير مكة» قال: «ولا ندري أن الاستاذ النائيني (قدس سره) استند إلى أي شيء؟».
والروايات التي استظهر منها ذلك، منها:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان متمتعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله. الحديث(1).
والظاهر أن المراد من قوله (صلى الله عليه وآله) «فإن فاته ...» هو عدم الإتيان بصيام الثلاثة في أيام التروية وعرفة ـ على ما تقدم ـ كما أن المراد بالصدر هو الرجوع بعد تمامية الأعمال إلى مكة. ومستند الظهور هو قوله «صام ثلاثة أيام بمكة» مع أنه من الواضح أنه لو كان إيقاعه في مكة واجباً لما كان وجه للتعليق على إرادة الإقامة في مكة بعد الرجوع إليها وأنه مخير بين إرادة المقام وعدمها. فالعبارة ظاهرة في الخلاف لا في اعتبار الوقوع في مكة ـ كما هو واضح ـ .
ومنها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هدياً، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها، وسبعة إذا رجع إلى أهله. وذكر حديث بديل بن ورقا(2).
ومنها: صحيحة ابن مسكان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع والأربعون، ح4.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح1.
(الصفحة 286)
هدياً، قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له: أفيها أيام التشريق؟ قال: لا، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا(1).
هذا والظاهر عدم ظهور الروايتين في اعتبار وقوع صوم الثلاثة في مكة وإن كان ربما يؤيده بادي النظر، وذلك لأنه بعد ملاحظة ما تقدم من أن الوقت الأصلي له ما يكون متضمناً ومشتملا على يوم عرفة الذي لا يكون الحاج فيه في مكة بل في عرفات; والإتيان به بعد العود من منى إلى مكة ـ خصوصاً بعد عدم كون أيام التشريق منها ـ يكون في المرتبة الثانية التي عبّر عنها بالفوت في الرواية المتقدمة، وبعد ملاحظة أن الحاج بعد العود إلى مكة لا يكون له حاجة إلى غيرها، بل تكون الإقامة فيها مقدمة للرجوع إلى الأهل والوطن، لا يستفاد من ذكر عنوان «مكة» خصوصيته، وأنه يعتبر أن يقع صيام ثلاثة أيام في خصوص مكة، بحيث لم يجز وقوعها في غيرها ولو في حواليها.
ويؤيده عدم التعرض لهذه الجهة في كلمات الأصحاب في مقابل إطلاق الآية الشريفة، مع أنه لو كان لمكة خصوصية لكان اللازم التعرض له في الكلمات والفتاوى، فالإنصاف أن القول بالاعتبار لا يكون له مستند واضح.
ثم إنه يقع الكلام بعد هذه الجهة في جهة اُخرى قبل الورود في أصل المسألة. وهو إنه لو لم يتمكن من صيام الثلاثة في مكة، هل يكون مخيراً بين الإتيان به في الطريق وبين الإتيان به بعد الرجوع كصيام السبعة، أو يتعين الثاني؟
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح2.
(الصفحة 287)
نسب الأول إلى المشهور، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة آنفاً، لظهورها في التخيير بين الصيام في الطريق والصيام بعد الرجوع إلى الأهل; لكن في مقابلها روايتان صحيحتان:
إحديهما: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: الصوم الثلاثة الأيام، إن صامها فأخّرها يوم عرفة، وإن لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في أهله ولا يصومها في السفر(1).
هذا ولكن مفادها مقطوع البطلان، لدلالة الروايات المتضافرة على جواز إيقاع صوم الثلاثة في السفر، سواء أتى به في الوقت الأول أو بعد الرجوع إلى مكة، ضرورة عدم اعتبار قصد إقامة العشرة في مكة، ولا مجال للنهي عن إيقاعه في السفر; ولو كان المراد من النهي هي الكراهة ـ كما لا يخفى ـ .
ثانيتهما: صحيحة ابن مسكان المتقدمة(2) الظاهرة في تعين إتيانه بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يستطع المقام بمكة. لكن مقتضى الجمع الدلالي بينها وبين صحيحة معاوية بن عمار هو رفع اليد عن ظهور رواية ابن مسكان في التعين، لصراحة رواية معاوية في عدمه; فالأمر في هذه الرواية محمول على الوجوب التخييري، فلا يبقى إشكال من هذه الجهة.
وأما من جهة السند، فقد نقلها في الوسائل عن الشيخ الطوسي (قدس سره) في بابين:
أحدهما: الباب الواحد والخمسون من أبواب الذبح، بهذه الكيفية: محمد بن
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس والأربعون، ح10.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد والخمسون، ح2.