(الصفحة 8)بسمه تعالى
هذا هو الجزء الخامس من كتاب الحج من تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة للامام الخمينى (قدس سره) و كان الشروع فيه ليلة الثامن من شهر ربيع من شهور سنة 1416 من الهجرة النبوية و كانت مصادفة لليلة ولادة الامام الحسن العسكرى صلوات الله عليه و على آبائه و على ابنه المهدى المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
(الصفحة 9)القول في السعي
مسألة 1 ـ يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا و المروة، و يجب أن يكون سبعة اشواط، من الصّفا إلى المروة شوط، و منها إليه شوط آخر، و يجب البدأة بالصفا و الختم بالمروة، ولو عكس بطل و تجب الإعادة أينما تذكر ولو بين السّعي. [1]
[1] لاخلاف بين المسلمين في وجوب السعي و كونه جزء من الحج و العمرة. قال الله تعالى:
(إنّ الصفا و المروة من شعائرالله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما) و ظاهره الوجوب و الجزئيه و التعبير بقوله: لاجناح انّما هو كالتعبير بمثله قصر الصلاة في السفر، كما أن التعبير بالطواف لا دلالة له على أزيد من السعي و الإتيان بالشوط. خصوصاً مع التعدية بالباء المضافة إلى الجبلين مع أنه هنا روايات مستفيضة تدل على وجوبه في الحج و العمرة بتعبيرات مختلفة. والعمدة أن وضوح المطلب كان بحيث لايحتاج إلى بيانه في الروايات، بل هي غالباً واردة في بعض الفروع و الخصوصيات مثل نقصان السعي أو زيادته أو البدأة بالمروة قبل الصفا أو ترك السعي متعمداً و أنه يجب عليه إعادة حجّه.
كما انّ لزوم كونه بعد ركعتي الطواف و كونه سبعة أشواط، و انّ المراد بالشوط
(الصفحة 10)
ليس مثل الطواف الذى تتوقف تمامية الشوط فيه على جعل الكعبة بأجمعها داخلة في الطواف. بل من الصفا إلى المروة شوط، و من المروة إلى الصفا شوط آخر. و لذاتتحقق السبعة بالشروع من أحدهما و الختم بالآخر.
و أمّا لزوم كون البدأة بالصفا و الختم بالمروة فالمحكي عن الحلبي أن السنة فيه الإبتداء بالصفا و الختم بالمروة. لكنه ليس خلافاً مع قوة احتمال أن يكون مراده بالسنّة هو الوجوب ـ كما ربما يعبّر بها عنه ـ نعم حكي عن أبي حنيفة جواز الإبتداء بالمروة و لكنّه ذكر في الجواهر أنه مسبوق بالاجماع و ملحوق به.
و الروايات الواردة في هذه الجهة انّما يظهر منها المفروغية و كون لزوم البدأة بالصفا امراً مسلّماً عند السائل. و السؤال إنّما وقع عن بعض الفروع، و كيف كان فقد وقع الإشكال بل الخلاف فيما لو بدأ بالمروة قبل الصّفا واللازم فرض الكلام فيما لو تحقق ذلك نسياناً أو جهلاً، فإن العالم العامد القاصد الإمتثال الأمر بالحج أو العمرة لايكاد يتحقق منه قصد القربة بالسعي الذى ابتدأ به من المروة بعد فرض علمه باعتبار كون البدأة من الصّفا; فاللازم فرض الكلام في غير العالم العامد، فنقول:
تارة يتحقق زوال عذره قبل تمامية الشوط الأوّل و أخرى بعد تماميّته والإتيان ببعض الشوط الثاني أو أزيد. ففي الفرض الأوّل يجب عليه طرح ما أتى به وإلغائه و الإبتداء بالسعي من الصّفا. و يدل عليه مضافاً إلى أنه مقتضى القاعدة، لأن المفروض عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، إطلاق الروايات الآتية.
و في الفرض الثاني وقع الإشكال بل الخلاف في أنه هل يجب عليه طرح جميع ما أتى به من أجزاء السعي و لو كان أشواطاً متعددة، أو يجب عليه طرح خصوص
(الصفحة 11)
الشوط الأوّل و يجتزي بما وقع من الصفا من الشوط الثاني بعنوان الشوط الأوّل و يصح و مابعده؟ و منشأ الإشكال اشتمال بعض الروايات الواردة في المسألة على التشبيه بمسألة الوضوء فيما لو ابتدأ بغسل اليسرى قبل اليمنى، و اللازم ملاحظة جميع روايات المقام، فنقول: هي على طائفتين:
الطّائفة الأولى: ما تكون خالية عن التشبيه المزبور، و يكون مفادها لزوم الطرح و الإعادة. مثل صحاح معاوية بن عمّار و هي: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة.(1)
و ما رواه أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى وبالصّفا.(2)
و ما رواه الكليني عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح و يبدأ بالصفا.(3)
و الظاهر اتحاد هذه الرّوايات و أن جعلها في الوسائل روايات متعددة و تبعه صاحب الجواهر و بعض آخر. خصوصاً مع كون الراوي عن معاوية في السندين هو صفوان، فتدبر. كما انّ الظاهر ان مورد هذه الطائفة بعد الاختصاص بصورة الجهل أو النسيان ما ذكرنا أعم من الفرضين المذكورين، لأنه قد يصدق في كليهما إن
- (1) وسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 1.
- (2) وسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 2.
- (3) وسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 3.
(الصفحة 12)
بدأ بالمروة قبل الصفا لامجال لدعوى أن المراد بطرح ما سعى هو طرح ما بعده من الأشواط، و إلاّ فالشوط الأوّل ملغى و مطروح بنفسه; لأنه على خلاف المأمور به، و ذلك لأنه بعد فرض كون المورد غير صورة العلم و العمد يكون الدليل على البطلان نفس هذه الروايات الدالة على الطرح. و إلاّ فمن المحتمل اختصاص اعتبار البدأة بالصفا بخصوص الصورة المذكورة، فهذه الروايات دليل على البطلان في صورة الجهل أو النسيان و لانضايق من كون مقتضى القاعدة أيضاً ذلك. لأن موافقة الرواية للقاعدة لاتقدح في الأخذ بظهورها.
كما أن ظاهر الجواب لزوم طرح جميع ماتحقق من أجزاء السعي، سواء كان في الشوط الأوّل أو فيما بعده من الاشواط. فالروايات تدل بإطلاقها على بطلان جميع أجزاء السعي في كلا الفرضين و لزوم الاستيناف من رأس و الإبتداء من الصفا.
الطائفة الثانية: ماتكون مشتملة على التعليل و التشبيه المزبور. و هما روايتان:
إحديهما: رواية عليّ بن أبي حمزة، قال: سألت اباعبدالله (عليه السلام) عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألاترى أنه لوبدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء.(1) ولكنها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائنى المعروف.
ثانيتهما: رواية عليّ الصائغ، قال: سئل ابوعبدالله (عليه السلام) ـ واناحاضر ـ عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لوبدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله.(2) و في السند اسماعيل بن مراد الذى يكون موثقاً بالتوثيق
- (1) وسائل: ابواب السّعى، الباب العاشر، ح 4.
- (2) وسائل: أبواب السّعى، الباب العاشر، ح 5.