(الصفحة 430)في الصد عن الحج
مسألة 6 ـ يتحقق الصد عن الحج بأن لا يدرك لأجله الوقوفين لا اختياريهما ولا اضطراريهما، بل يتحقق بعدم إدراك ما يفوت الحج بفوته ولو عن غير علم وعمد. بل الظاهر تحققه بعد الوقوفين بمنعه عن أعمال منى ومكة أو أحدهما ولم يتمكن من الاستنابة، نعم لو أتى بجميع الأعمال ومنع عن الرجوع إلى منى للمبيت وأعمال أيام التشريق لا يتحقق به الصد، وصح حجه، ويجب عليه الاستنابة للأعمال من عامه. ولو لم يتمكن ففي العام القابل . [1]
[1]
المقصود من هذه المسألة بيان ما به تتحقق المصدودية عن الحج.
فنقول: لا ينبغي الاشكال في أنه إذا صار الصد موجباً لعدم إدراك الوقوفين لا الاختياري ولا الاضطراري الموجب لبطلان الحج، ولو لم يكن عن عمد والتفات، يتحقق به الصد عن الحج الموضوع لأحكام الصدّ عنه وآثاره.
كما أنه لا ينبغي الاشكال فيما إذا صار موجباً لعدم إدراك الحج من ناحية اُخرى، ويفوت الحج بفواته من الأقسام المتعددة المذكورة فيما سبق في مسائل الوقوف بعرفات. نعم في خصوص مسألة التقية المانعة عن إدراك الوقوفين كلام، تقدم في إحدى مسائله، فراجع.
وأمّا الممنوعية عن خصوص أعمال منى التي استظهر الماتن (قدس سره) تحققه بالمنع عنها فقط، أيضاً مع عدم التمكن من الاستنابة. فقد استشكلنا فيه في التعليقة على المتن،
(الصفحة 431)
فنقول:
لا ينبغي الارتياب في عدم تحقق الصد مع التمكن من الاستنابة في أعمال منى، لأنها كلها يكون قابلا لذلك.
أمّا الرمي، فلا إشكال فيه في الاستنابة، مع عدم إمكان حضور الرامي عند الجمار، وعدم تمكنه منه بالمباشرة.
وأمّا الذبح أو النحر، فتجوز الاستنابة فيه حتى في حال الاختيار، وعدم عروض عارض أصلا، كما أن الحلق أو التقصير لا ينحصران بمنى. وقد مرّ بعض الكلام في ذلك.
وأمّا مع عدم إمكان الاستنابة، فقد نقل صاحب الجواهر (قدس سره) عن صاحبي المسالك والمدارك وكذا عن غيرهما: البقاء على الإحرام وأن أدلة الصدود تشمله، لاختصاصها بالصد عن أركان الحج. لكن المحكي عن المحقق النائيني أنه حكي عنهم البقاء على الإحرام مع قيد «إلى أن يتحلل بمحلله» ويمكن أن يكون القيد من الحاكي إضافة توضيحاً بنظره.
واستظهر بعض الأعلام (قدس سره) أن كلا القولين ضعيف. ومحصل ما أفاده في وجه الضعف:
أن الرمي والذبح والحلق إن كانت شرطيتها للطواف والسعي بعدها شرطية مطلقة، فحينئذ يكون الصد عن أعمال منى صداً عن الأعمال البعدية أيضاً، لعدم تمكنه من الطواف المأمور به ـ مثلا ـ الصحيح، لأن الصد عن المقدمة صد عن ذيها بعد فرض الشرطية المطلقة.
(الصفحة 432)
وإن كانت شرطيتها شرطية اختيارية. ومرجعه إلى سقوط شرطية التقدم عند العجز وعدم التمكن ـ كما هو المختار ـ فلا يتحقق الصد حينئذ، بل يودع ثمن الهدي عند من يثق به ليشتري به الهدي، وعند عدم التمكن ينتهي الأمر إلى الصوم.
وكذا الحلق إنما يجب مع التمكن من إتيانه في منى ومع عدمه يسقط ذلك فيصح خارج منى.
وأما الرمي فإذا لم يرم نسياناً وتذكر في مكة وأمكنه الرجوع يرجع ويرمي، وإن تذكر في طريقه إلى بلاده فليس عليه شيء. فعدمه لا يكون مانعاً عن الطواف.
هذا، ولكن المسألة مشكلة، خصوصاً بعد كون أعمال منى يوم النحر من عمدة أعمال الحج ومظاهره. وخصوصاً مع قوله تعالى:
(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِاللهِ...) (1) و أيضاً مع مدخلية الحلق أو التقصير في حلية كثير من محرمات الإحرام، بل في جميعها عدا ثلاثة منها ـ كما عرفت ـ .
وأمّا مع الإتيان بجميع أعمال منى فلا يتحقق عنوان الصدّ مع الممنوعية عن المبيت بمنى ليالي التشريق، أو الرمي في اليومين أو الأيام. لما عرفت من عدم كونها من أعمال الحج ومناسكه. ولذا لا يقدح الإخلال بهما عمداً في صحة الحج وتمامية عمله، بل إن كان متمكناً من الاستنابة في نفس ذلك العام يستنيب، وإلاّ ففي العام القابل.
(الصفحة 433)في وجوب الحج في العام القابل على المصدود
مسألة 7 ـ المصدود عن العمرة أو الحج لو كان ممن استقر عليه الحج أو كان مستطيعاً في العام القابل، يجب عليه الحج، ولا يكفي التحلل المذكور عن حجة الإسلام . [1]
[1]
المستفاد من أدلة الصد أنها في مقام بيان طريق للمكلف إلى الخروج عن إحرام الحج أو العمرة. وأما كفاية عمل المصدود، وحصول التحلل المذكور له عن حجة الإسلام التي استقرت عليه أو تستقر عليه بالاستطاعة في العام القابل، فلا دلالة له على ذلك. بل يبقى حجة الإسلام على حالها، ويتحقق الوجوب بالإضافة إليها في العام القابل.
ومنه يظهر أنه مع حصول الصد في عام الاستطاعة، بالإضافة إلى العمرة التي يكون المراد بها هي عمرة التمتع لا العمرة المفردة، أو بالإضافة إلى الحج لا يتحقق منه الحج الواجب، ولا يكفي التحلل عنها، بل إن بقيت إلى العام القابل تبقى عليه حجة الإسلام. فلا يتخيل أن أدلة الصدّ إنما تكون بصدد رفع التكليف، بل ـ كما عرفت ـ تكون هي بصدد بيان الخروج عن الإحرام الذي ترتبت عليه محرمات كثيرة.
(الصفحة 434)في جواز التحلل للمصدود
مسألة 8 ـ المصدود جاز له التحلل بما ذكر، ولو مع رجاء رفع الصد . [1]
[1]
لا ينبغي الإشكال في تحقق الصد إن كان موجباً للقطع بعدم إمكان الإتيان بعمرة التمتع أو بالحج في وقته، كما أنه لا إشكال في عدم تحقق الصدّ مع القطع بارتفاعه بحيث يمكن له الإدراك من دون حرج ومشقة. فإذا صد يوماً واحداً وأمكن له الإدراك بعده، كذلك لا مجال لتوهم تحقق الصد الموضوع للأحكام المذكورة بالإضافة إليه.
وأمّا مع رجاء رفع الصد، فالذي ذكره في المتن جواز التحلل بما ذكر في هذه الصورة. والوجه فيه تحقق عنوان المصدود في هذا المورد. وقد ذكرنا في التعليقة أنه مشكل في بعض الفروض.
والمراد منه أن يكون الرجاء في مرحلة ضعيفة ومرتبة سفلى. فإنه لا يجوز التحلل حينئذ، بل الظاهر لزوم انتظار المستقبل، إما من حيث الزمان، وإمّا من جهة الأنصار والأعوان، وإمّا من جهة اُخرى، فتدبر.