(الصفحة 309)في زمان الحلق أو التقصير و مكانهما
مسألة 31 ـ الأحوط أن يكون الحلق والتقصير في يوم العيد، وإن لا يبعد جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق ومحلهما منى ولا يجوز اختياراً في غيره. ولو ترك فيه ونفر يجب عليه الرجوع إليه، من غير فرق بين العالم والجاهل والناسي وغيره. ولو لم يمكنه الرجوع حلق أو قصر في مكانه، وأرسل شعره إلى منى لو أمكن، واستحب دفنه مكان خيمته . [1]
لرأسه.
وأما عدم إجزاء حلق اللحية عن الحلق الواجب، فلأن حلق اللحية إما أن يكون حراماً، وإما أن يكون مخالفاً للاحتياط الوجوبي. وعلى كلا التقديرين لا يجتمع مع العبادية التي يتصف بها جزء العبادة أيضاً، مضافاً إلى بعض ما ذكر.
[1] وقع البحث في هذه المسألة في زمان الحلق أو التقصير ومكانهما.
أما الزمان: فالظاهر أن جميع مناسك منى الثلاثة لابد وأن يقع يوم النحر، وهو ظاهر المحقق في الشرايع، بل لا خلاف ظاهراً في عدم جواز التقديم، إلاّ لبعض الطوائف ـ كالنساء والخائف ـ نعم لا دليل معتبراً ولا صريحاً في لزوم الوقوع يوم النحر، وإن وقع التعبير في بعض الروايات به، إلاّ أنه لا صراحة في اعتبار يوم النحر بحيث لو لم يفعلهما في يوم النحر لما تحقق الإجزاء. ولذا نفى البعد عن جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق.
وأما المكان: فالظاهر أنه منى. وأنه لا يجوز إيقاعهما اختياراً في غيره.
(الصفحة 310)
والدليل على الأحكام المذكورة في المتن بعض الروايات والفتاوى، مثل:
رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: يرجع إلى منى حتى يلقى شعره بها، حلقاً كان أو تقصيراً(1).
ورواية مسمع، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر، قال: يحلق في الطريق أو أين كان(2).
ورواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقصر من شعره وهو حاج حتى ارتحل عن منى، قال: ما يعجبني أن يلقي شعره إلاّ بمنى، وقال: في قول الله عزوجل
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ...) (3) قال: هو الحلق وما في جلد الانسان(4).
ورواية أبي بصير التي رواها عنه علي بن أبي حمزة، قال: سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى، قال: فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره أو يقصره وعلى الصرورة أن يحلق(5).
وغير ذلك من الروايات الواردة. فالحكم هو ما في المتن.
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح2.
- (3) سورة الحج (22): 29 .
- (4) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح3.
- (5) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الخامس، ح4.
(الصفحة 311)في ترتب أعمال منى
مسألة 32 ـ الأحوط تأخير الحلق والتقصير عن الذبح وهو عن الرمي. فلو خالف الترتيب سهواً لا تجب الإعادة لتحصيله، ولا يبعد إلحاق الجاهل بالحكم بالساهي، ولو كان عن علم وعمد. فالأحوط تحصيله مع الإمكان . [1]
[1] يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: في أصل اعتبار الترتيب بين أفعال منى ومناسكه في الجملة.
والدليل عليه اُمور:
الأول: استمرار سيرة المتشرعة على ذلك عملا واعتقاداً.
أما العمل، فنرى بالوجدان التزام الحجاج في يوم النحر بهذه الأعمال مترتبة الرمي والذبح أو النحر والحلق أو التقصير. أما الاعتقاد، فلما نرى في بعض الروايات الآتية مما يدل على مفروغية هذا الأمر عندهم. وأن سؤالهم متفرع على هذا الأمر الاعتقادي مع تقرير المعصوم (عليه السلام) لهم بذلك، فانتظر.
الثاني: شهرة هذا الأمر بين الأصحاب. قال المحقق في الشرايع: وترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر، الرمي ثم الذبح ثم الحلق. وحكي ذلك عن النافع والقواعد والنهاية والمبسوط والاستبصار، بل نسبه غير واحد إلى أكثر المتأخرين.
الثالث: الروايات الدالة على ذلك:
منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إذا ذبحت أضحيتك فاحلق
(الصفحة 312)
رأسك واغتسل ...(1)
والاشتمال على بعض المستحبات لا يقدح في الاستدلال بها على الوجوب فيما لم تدل قرينه على عدمه.
ومنها: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ...».
فإن القضية الشرطية وإن لم يكن لها مفهوم بحسب الظهور والقاعدة على ما بيناه في علم الاُصول، إلاّ أن دلالتها عليه في الجملة ومع القرينة مما لا مانع منه.
وبعبارة اُخرى، العرف ربما يستفيد منها في بعض المقامات ذلك، مع أنه ليس الكلام في وجوب التقصير عليهن مطلقاً، بل إنما هو في الترتب، فتدبر.
ومنها: صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً، ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه الناس يوم النحر، فقال بعضهم: يارسول الله إني حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي فلم تركوا شيئاً، كان ينبغي أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال: لا حرج.(2)
وفي رواية الشيخ والصدوق ذلك، إلاّ أنه قال: فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدموه إلاّ أخّروه. ولا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال (صلى الله عليه وآله) : لا حرج.
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الأول، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح4.
(الصفحة 313)
والاشتمال على كلمة «لا ينبغي» لا دلالة له على أن المراد به نفي الاستحباب. لأنه مضافاً إلى أن هذه الكلمة في الروايات وكلمات الأئمة (عليهم السلام) تغاير ما هو المصطلح في كلمات الفقهاء من أن المراد به هو الاستحباب نفياً وإثباتاً. أن في الرواية قرينة بل قرائن على الخلاف، كالتفصيل بين صورتي النسيان وغيره وكالرجوع إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) والاستفتاء منه، وقوله (صلى الله عليه وآله) «لا حرج» وغير ذلك من القرائن الدالة على ذلك. فالرواية تدل على أصل اعتبار الترتيب في الجملة.
ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن علي، قال: لا يحلق رأسه ولا يزور حتى يضحي فليحلق رأسه ويزور متى شاء(1).
وأورد على سندها بأن موسى بن القاسم لا يمكن له ولا يروي عن المعصوم (عليه السلام) بلا واسطة، فلا يمكن تعقيب علي بقوله (عليه السلام) كما في محكي استبصار الشيخ.
وإن كان المراد من علي غير المعصوم، بل علي بن جعفر أو غيره ممن يسمّى بعلي ـ كما في الوسائل والتهذيب وغيرهما ـ فالرواية تكون مقطوعة حينئذ.
وبالجملة فالأدلة على الترتيب كثيرة. وإن كان تجري المناقشة في بعض رواياته سنداً أو دلالة، فتدبر.
وفي قبال هذه الأدلة بعض الروايات التي ربما يستفاد من ظاهرها العدم، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن وهب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا اشتريت اُضحيتك وقمطتها في
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح9.