(الصفحة 225)في انه يعتبر أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة
مسألة 11 ـ الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة، والأحوط عدم التأخير من يوم العيد، ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق وإلاّ ففي بقية ذي الحجة، وهو من العبادات، يعتبر فيه النية ونحوها، ويجوز فيه النيابة وينوي النائب والأحوط فيه نيّة المنوب عنه أيضاً، ويعتبر كون النائب شيعياً على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة. وكذا في ذبح الكفارات . [1]
[1] قد وقع التعرض في هذه المسألة لاُمور:
الأمر الأول: الظاهر اعتبار أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة وأن جعله في المتن مقتضى الإحتياط الوجوبي. ويدل عليه مضافاً إلى الأخبار البيانية الحاكية لعمل النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع الدالة على تأخر النحر عن الرمي، مع أن الغرض من حكايته بيان الحكم بهذه الصورة لا مجرد الحكاية والنقل بعض الروايات، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر وإلاّ فاجعله كبشاً سميناً فحلا... الحديث(1). فإنها ظاهرة في ترتب اشتراء الهدي الذي يكون مقدمة لذبحه أو نحره على رمي جمرة العقبة يوم النحر.
وصحيحة سعيد الأعرج في حديث، أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن النساء، قال: تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فان لم يكن
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن، ح4.
(الصفحة 226)
عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن(1). وهي أيضاً ظاهرة في تأخر الذبح عن رمي الجمرة وانه مع عدم وجوبه تصل النوبة إلى التقصير.
وكذا الروايات الدالة على أن عدم رعاية الترتيب في صورة العذر لا يكون قادحاً في الصحة بوجه، وعليه فاعتباره إنما هو بنحو الفتوى.
الأمر الثاني: في جواز التأخير عن يوم العيد وعدمه وقد احتاط في المتن وجوباً بعدم التأخير، وأضاف اليه قوله «ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق، وإلاّ ففي بقية ذي الحجة».
قال المحقق في الشرايع: ويجب ذبحه يوم النحر مقدماً على الحلق ولو أخّره أثم وأجزأ. وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز.
وقد ذكر في الجواهر في شرح الفقرة الاُولى: أن المسلّم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الاجماع عليه كما ادعاه بعضهم. امّا عدم جواز تأخيره عنه فهو وإن كان مقتضى العبادة، لكن ستعرف القائل بالجواز صريحاً وظاهراً.
والقائل بالجواز صريحاً على ما ذكره بعده صاحب المصباح ومختصره حيث إن فيهما أن الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة، ويوم النحر أفضل. والقول به ظاهراً محكي عن النهاية والغنية والسرائر، حيث عبّروا بالجواز الظاهر في الحكم التكليفي، ويحتمل أن يراد منه الإجزاء كما في الشرايع.
وكيف كان فالقائل بالتعين لا يقول به بنحو وحدة المطلوب، بل بنحو التعدد،
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح2.
(الصفحة 227)
ولازمه أن الاخلال بالذبح يوم النحر ولو كان عن عمد واختيار لا يوجب سقوط أصل التكليف بالذبح. ولازمه حصول الإمتثال بعد يوم النحر أيضاً.
وقد استدل له أولا بالتأسي وقد أورد عليه مضافاً إلى المناقشة في الكبرى بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكاً ضرورة احتياج الذبح إلى وقت.
وثانياً ببعض الروايات، مثل: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة في الأمر الأول فانها ظاهرة بحسب المتفاهم العرفي في أن الإنتقال إلى التقصير ووصول النوبة اليه إنما هو بعد الذبح في مورد ثبوته ووجوبه.
ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل، وأن يرموا الجمار بليل، وأن يصلوا الغداة في منازلهم فإن خفن الحيض مضين إلى مكة ووكّلن من يضحي عنهن(1). نظراً إلى أن لزوم التوكيل والاستنابة في الذبح عليهن مع خوف الحيض المقتضي لتعجيل الطواف وصلاته دليل على تعين وقوعه يوم النحر. وإلاّ فمع جواز التأخير يؤخرن الذبح إلى بعده من دون لزوم التوكيل.
هذا ولكن الظاهر أن لزوم التوكيل لأجل ترتب الطواف على الذبح ولزوم تأخره عنه لا لأجل التعين المذكور. ولا أقل من احتمال كلا الأمرين. فلا مجال للإستدلال بها على التعين.
ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر الباب السابع عشر، ح3.
(الصفحة 228)
واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك(1). بناء على لزوم وقوع الحلق أو التقصير يوم النحر.
وبملاحظة هذه الروايات يظهر أن لزوم وقوع الذبح أو النحر يوم النحر لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الإحتياط الوجوبي كما في المتن.
وأما ما يدل على الإجزاء في أيام التشريق ثم في بقية ذي الحجة فقط في الجملة أو مطلقاً، فعدة من الروايات، مثل:
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث، قال: وقال إذا وجد الرجل هدياً ضالاًّ فليعرّفه يوم النحر والثاني والثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث(2).
وصحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزي عنه. فإن مضى ذو الحجة، أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة(3).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل نسى أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه(4).
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، وسألته عن الأضحى في غير منى، فقال: ثلاثة أيام،
- (1) وسائل: أبواب الحلق والتقصير الباب الأول ح1.
- (2) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والعشرون، ح1.
- (3) وسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع والأربعون، ح1.
- (4) وسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح5.
(الصفحة 229)
فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله أن يضحي في اليوم الثالث؟ فقال: نعم(1).
وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الأضحى بمنى، فقال: أربعة أيام، وعن الأضحى في سائر البلدان، فقال: ثلاثة أيام(2).
ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النحر بمنى ثلاثة أيام. فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام. والنحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد(3). لكن التفريع من جهة الصوم ربما يشعر بل يدل على أن المراد بكون الأضحى بمنى ثلاثة أيام، هي من جهة الصوم لا من جهة زمان الذبح أو النحر. فإن للأضحى خصوصيتين: الظرفية الزمانية للذبح أو النحر، وعدم جواز الصوم فيه.
نعم هنا رواية ربما يكون ظاهرها خلاف الروايات المتقدمة، وهي رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت(4).
واحتمل صاحب الجواهر فيها إرادة يوم النفر من مكة، وقد كان بعد ذي الحجة. ولعله لأن حملها على إرادة يوم النفر من منى إلى مكة الذي هو اليوم الثاني عشر نوعاً لا يجتمع مع مضي الأيام بصيغة الجمع، لأن أقلّها الثلاثة مع أنه حينئذ لم يمض إلاّ يومان لا الثلاثة. وحكي عن الشيخ أنه حملها على من صام ثلاثة أيام فمضى
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح1.
- (2) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح2.
- (3) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح5.
- (4) وسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع والأربعون، ح3.