(الصفحة 393)في ما يعتبر في الرمي
مسألة 2 ـ يجب في كل يوم رمي كل جمرة بسبع حصيات. ويعتبر فيها وفي الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة ـ على ما تقدم ـ بلا افتراق . [1]
غروبها، فلا ينفر، وليبت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس، فلينفر متى شاء(1).
وكيف كان، فالظاهر هو وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر إذا بات ليلته بمنى.
والدليل العمدة عليه، هي السيرة. ويؤيده التعبير به «كل يوم» في بعض الروايات المتقدمة. والحكم بالفرق بين النفرين، بالإضافة إلى قبل الزوال وبعده، مع أن الداعي إلى الكون في منى قلما يتفق إذا لم يجب الرمي، وإن صارت البيتوتة ليلة الثالث عشر واجبة عليه. مع أنه يبدو في النظر أن البيتوتة إنما هي مقدمة للرمي في النهار، وإن كانت واجباً مستقلا; فتدبر.
[1] قد تقدم البحث في هذه المسألة في شرح المسألة الاُولى، ولا حاجة إلى الإعادة. كما أنه يستفاد من إطلاق وجوب الرمي في يومين أو اليوم الثالث عشر، وعدم التعرض للكمية والكيفية أن الواجب هو السبع.وكذا رعاية الخصوصيات المعتبرة في رمي جمرة العقبة الذي هو أول مناسك منى يوم النحر وأعماله، وأنه لا فرق أصلا.
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح4.
(الصفحة 394)في وقت الرمي
مسألة 3 ـ وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب. فلا يجوز الرمي في الليل اختياراً، ولو كان له عذر من خوف أو مرض أو علة أو كان راعياً جاز في ليل يومه أو الليل الآتي . [1]
[1] يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين:
إحديهما: صورة الاختيار وعدم العذر. وقد ذكر في المتن أن وقت رميه من طلوع الشمس إلى الغروب. وفرّع عليه عدم جوازه في الليل اختياراً. وحكي عن الغنية والإصباح وجواهر القاضي: أن وقته بعد الزوال. بل عن الشيخ في الخلاف: إنه لا يجوز الرمي إلاّ بعد الزوال. مدعياً عليه إجماع الفرقة، مع أنه لا قائل به أصلا. بل ذكروا أن كلامه مخالف للإجماع. وعن مقنع الصدوق: إنه كلما قرب إلى الزوال فهو أفضل.
والدليل على ما اُفيد في المتن روايات معتبرة دالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.
منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إرم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(1).
ومنها: صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(2).
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح4.
(الصفحة 395)
ومنها: صحيحة زرارة وابن اُذينة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ياحكم أرأيت لو أنهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه احفظ علينا متاعنا حتى أرجع، أكان يفوته الرمي؟ هو والله ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(1).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك. وعليه فالأمر بالرمي في كل يوم عند زوال الشمس ـ كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ـ محمول على الاستحباب أو على التقية، لذهاب بعض فقهاء العامة بذلك.
ثانيتهما: صورة العذر ـ كالموارد المذكورة في المتن ـ فيجوز لهم الرمي في الليل. وقد وردت فيها روايات صحيحة:
منها: صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة(2).
ومنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلا(3).
ومنها: صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار في الليل ويضحي بالليل ويفيض بالليل(4).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على أن المعذور، ومن كان عليه المشقة ـ ولو من كثرة الزحام ـ يجوز له الرمي في الليل. فلا إشكال في أصل الحكم. إنما
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح5.
- (3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح2.
- (4) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح4.
(الصفحة 396)
الكلام في أن المراد بالليل، هل هو خصوص الليل السابق على يومه ـ كما عرفت في النساء بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة ـ أو الأعم من الليل السابق واللاحق؟
فيه وجهان: بل قولان: حكي الثاني عن كاشف اللثام وصاحب الجواهر (قدس سرهما) لإطلاق الليل. وذهب إليه الماتن (قدس سره) لكن المحكي عن صاحب المدارك هو الأول. واختاره بعض الأعلام (قدس سره) نظراً إلى أن الروايات المجوزة للرمي في الليل ناظرة إلى أن تقديمه على وقته إنما هو ممنوع في حق المختار. وأمّا المعذور فيجوز له التقديم. ولا نظر لها إلى مطلق الليل. ويؤكده ما ورد في النساء بالاضافة إلى رمي جمرة العقبة. فليس لكلمة الليل إطلاق يشمل الليل اللاحق.
ويشهد له أيضاً صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة. فإن الإفاضة بالليل والخروج من منى شاهد على أن المراد هو الليل السابق. وعليه فلا يجوز للمريض المعذور التأخير إلى الليل اللاحق.
أقول: ويؤيده أن مثل الخائف الذي يجوز له الرمي في الليل، يكون غرض الشارع الإرفاق والتوسعة له. والتأخير عن الليل السابق مستلزم لبقائه في منى أكثر. مع أن المقصود التوسعة له، وهي لا تحصل إلاّ بالليل السابق، فتدبر; فما اختاره هو الصحيح.
فــرع
لو فرض أنه لا يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق، فهل يجوز له رمي جميع الجمارات في الليلة الاُولى، أو أن رمي كل يوم يقدم في ليلته؟
(الصفحة 397)في وجوب الترتيب بين الجمار
مسألة 4 ـ يجب الترتيب بأن يبتدئ بالجمرة الاُولى ثم الوسطى ثم العقبة، فإن خالف ـ ولو عن غير عمد ـ تجب الإعادة، حتى يحصل الترتيب . [1]
حكي عن صاحب المدارك (قدس سره) نفي البعد عن جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، وقال: ربما كان في إطلاق بعض الروايات دلالة عليه. ولا بأس بما أفاده نظراً إلى خصوص صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة الدالة على جواز الإفاضة بالليل. فإن المتفاهم من ذلك أنه يفعل جميع أعمال منى ثم يفيض ويذهب إلى حيث شاء. وأمّا سائر الروايات فلا إطلاق له أصلا ـ كما لا يخفى ـ .
[1] يدل على أصل وجوب الترتيب ـ مضافاً إلى استمرار سيرة المتشرعة العملية على ذلك ـ روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إرم في كل يوم عند زوال الشمس، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، وابدأ بالجمرة الاُولى، فارمها عن يسارها من بطن المسيل، وقل كما قلت يوم النحر،ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله واثن عليه وصلّ على النبي وآله، ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضاً ثم افعل ذلك عند الثالثة واصنع كما صنعت بالاُولى، وتقف وتدعو الله كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار ولا تقف