(الصفحة 385)في عدم اعتبار شرائط الهدي في هذه الكفارة
مسألة 7 ـ لا يعتبر في الشاة في الكفارة المذكورة شرائط الهدي. وليس لذبحه محل خاص. فيجوز بعد الرجوع إلى محله . [1]
عرفت ـ .
وأمّا الراعي، فقد ذكر البعض المتقدم أن استثنائهم لعله غفلة من الأعلام. لأن الراعي شغله وعمله في النهار، وأمّا في الليل فحاله وحال بقية الناس سواء. ولذا استثني الراعي من الرمي في النهار. نعم قد يضطر الراعي من المبيت خارج مكة لحفظ أغنامه; وهذا عنوان آخر; يدخل بذلك في عنوان المضطر.
أقول: ما أفاده (قدس سره) بالإضافة إلى الراعي حق لا ريب فيه. وقد عرفت أن حديث الرفع كما يرفع الحكم التكليفي يرفع الحكم الوضعي أيضاً. فالحكم بثبوت الكفارة فيه مبني على الاطلاق، ورعاية الأدلة الأولية. وأما مع ملاحظة العناوين الثانوية، فلا وجه لثبوت الكفارة أصلا.
[1] وجه عدم اعتبار الأمرين، ان هذه الكفارة لا تكون هدياً، حتى يعتبر فيها شرائطه التي ذكرناها. ولم يقم دليل على اعتبار محل خاص لذبحه، بعد عدم ارتباط أصل الواجب الذي تحقق الإخلال به بالحج، بل هو أمر واجب بعد الحج. وليس لذبحه محل خاص. وإن قلنا به في الإخلال ببعض محرمات الإحرام الذي هو مرتبط بالحج أو بالعمرة، ولم يقم دليل على اتحاد حكم الكفارتين من جميع الجهات ـ كما لا يخفى ـ .
(الصفحة 386)في ما لو كان داخلاً في منى مقداراً من الليل
مسألة 8 ـ من لم يكن تمام الليل في خارج منى، فإن كان مقداراً من أول الليل إلى نصفه في منى، لا إشكال في عدم الكفارة عليه; وإن خرج قبل نصفه أو كان مقداراً من أول الليل خارجاً، فالأحوط لزوم الكفارة عليه . [1]
[1] الحكم في هذه المسألة مبني على مختاره الذي تبع فيه المشهور، من تعين النصف الأول من الليل للمبيت الواجب. وأمّا على مختارنا من ثبوت الحكم بنحو الواجب التخييري بين النصفين الأول والآخر،فيجري فيه حكم الواجب التخييري من ثبوت الكفارة على تقدير عدم الإتيان بكلا العدلين.
وأمّا مع الإتيان بأحدهما وترك الآخر فلا مجال لثبوت الكفارة بوجه. وهو الوجه في عدم ثبوت الكفارة في الفرض الأول الذي بقي في منى إلى نصف الليل. كما أن الوجه بناءاً على مبناه هو الإتيان بالواجب التعييني، وعدم الإخلال به بوجه أصلا. وأمّا في الفرض الثاني الذي خرج قبل نصفه أو كان مقداراً من أول الليل خارجاً، فالحكم فيه بناءاً على الواجب التخييري هو العدم; إن عاد إلى منى وبقي فيه النصف الآخر كلاًّ.
نعم في صورة التلفيق الذي بقي في منى وبات فيها بمقدار النصف، ولكن لم يكن أحد النصفين الأول والآخر، فالأحوط الوجوبي ثبوت الكفارة; لعدم تحقق الواجب التخييري; وإن بات في منى بمقدار أحد العدلين ـ كما لا يخفى ـ .
(الصفحة 387)في الفرق بين النفرين
مسألة 9 ـ من جاز له النفر يوم الثاني عشر، يجب أن ينفر بعد الزوال; ولا يجوز قبله. ومن نفر يوم الثالث عشر، جاز له ذلك في أي وقت شاء . [1]
[1] الفرق بين النفرين اللذين يعبّر ـ سيما في الروايات ـ عن الأول، وهو اليوم الثاني عشر بالنفر الأول; وعن الثاني، وهو اليوم الثالث عشر بالنفر الثاني; هو دلالة النصوص على ذلك.
منها: صحيحة الحلبي، إنه سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس، فقال: لا، ولكن يخرج ثقله إن شاء، ولا يخرج هو حتى تزول الشمس(1).
ومنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أردت أن تنفر في يومين، فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس; وإن تأخرت إلى آخر أيام التشريق ـ وهو يوم النفر الأخير ـ فلا شيء عليك أي ساعة نفرت قبل الزوال أو بعده;...(2).
ومنها: صحيحة أبي أيوب، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) إنّا نريد أن نتعجل السير ـ وكانت ليلة النفر، حين سألته ـ فأي ساعة تنفر؟ فقال لي: أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس; فأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على كتاب الله. فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول:
(... فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح6.
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح3.
(الصفحة 388)
إثْمَ عَلَيْهِ...) (1) فلو سكت لم يبق أحد إلاّ تعجل; ولكنه قال:
(وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ) (2).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على هذا التفصيل. وفي بعض الروايات إن الإمام يصلي استحباباً ـ في مكة الظهر يوم النفر الذي يكون ظاهره هو النفر الأخير. ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يصلي الإمام الظهر يوم النفر بمكة(3).
- (1) سورة البقرة (2): 203 .
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح4.
- (3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثاني عشر، ح1.
(الصفحة 389)
القول في رمي الجمار الثلاث
في وجوب رمي الجمار الثلاث
مسألة 1 ـ يجب رمي الجمار الثلاث، أي: الجمرة الاُولى والوسطى والعقبة، في نهار الليالي التي يجب عليه المبيت فيها، حتى الثالث عشر، لمن يجب عليه مبيت ليلته. فلو تركه صح حجه، ولو كان عن عمد، وإن أثم معه . [1]
[1] الكلام في هذه المسألة يقع في جهتين:
الجهة الاُولى: في أصل وجوب الرمي المذكور في نهار الليالي المذكورة. ولاخلاف بيننا، بل بين المسلمين كافة في أصل الوجوب. والتعبير بأنه مسنون ـ كما في بعض الكلمات ـ إنما هو لأجل ثبوت وجوبه بالسنة، مقابل ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز. ويدل عليه اُمور:
أحدها: السيرة القطعية العملية من المسلمين المتصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) نظير ما ذكرنا في المبيت، بل أولى منه; فتدبر.
ثانيها: الروايات المتعددة الكثيرة الواردة في بيان كيفية أصل الحج أو الدالة على