(الصفحة 256)في لزوم وقوع صيام الثلاثة في ذي الحجة
مسألة 17 ـ يجب وقوع صوم ثلاثة أيّام في ذي الحجّة، و الأحوط أن يصوم من السّابع إلى التاسع ولايتقدم عليه، ويجب التوالي فيها، و يشترط أن يكون الصوم بعد الإحرام بالعمرة ولايجوز قبله، ولولم يتمكن من صوم السابع صام الثامن و التاسع و أخّر اليوم الثالث إلى بعد رجوعه من منى، والأحوط أن يكون بعد أيام التشريق، أي الحادى عشر و الثاني عشر و الثالث عشر. [1]
[1]
قد وقع التعرض فى هذه المسألة لأمور ترتبط بصيام ثلاثة أيام:
الأمر الأوّل: في لزوم وقوع صيام ثلاثة أيّام في خصوص ذي الحجة و إن كان أشهر الحج ثلاثة و أوّلها الشوّال إلاّ أن المراد بقوله تعالى
(في الحج) هو خصوص ذي الحجّة قال صاحب الجواهر: و شهره، و هو هنا ذوالحجة عندنا و في بعض الروايات تفسير: في الحج بذي الحجة، فلا إشكال في هذا الأمر، كما أنه لاخلاف فيه بل الإجماع عليه.
الأمر الثاني: فى تعين اليوم السابع الى اليوم التاسع للصيام و عدم التقدم عليه و لا التأخر منه مع التمكن، و يدلّ عليه روايات متعددة:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن متمتع لم يجد هدياً، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوماً قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قال: قلت فإن فاته ذلك، قال: يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده. قلت: فإن لم يقم عليه جمّاله أيصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و
(الصفحة 257)
إن شاء إذا رجع إلى أهله.(1)
و يستفاد منها مضافاً إلى لزوم وقوع صيام الثلاثة في ذي الحجّة و إلى لزوم التوالي و التتابع و عدم التفريق في الثلاثة تعين الأيام الثلاثة المذكورة، فلايجوز التقدم عليها و لا التأخر عنها ولو كان في الجملة فى صورة التمكن و عدم العذر.
و منها: موثقة رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع لايجد الهدي، قال: يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قلت: فانه قدم يوم التروية قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت لم يقم عليه جمّاله، قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره، قلت: يصوم و هو مسافر. قال: نعم، أليس هو يوم عرفة مسافراً؟ إنّا اهل بيت نقول ذلك لقول الله ـ عزّوجلّ:
(فصيام ثلاثة ايام في الحج) يقول في ذي الحجة.(2)
و قوله: و يصوم قبل التروية و إن كان له إطلاق في نفسه يشمل اليوم المنفصل عن التروية بيوم أو أزيد أيضاً، إلاّ أن قوله: و «يوم التروية و يوم عرفة» بعده يوجب ظهوره في خصوص اليوم المتصل بيوم التروية ـ كما وقع التصريح به في الصحيحة المتقدمة ـ كما ان تحقق السفر في يوم عرفة عند الذهاب اليها انّما هو لاجل الخصوصيّة الموجودة فيها فى زمن صدور الرواية، و هي كون الفصل بينها و بين مكة أربعة فراسخ، و عليه فالصلاة فيها كانت قصراً سواءٌ كان قد قصد الإقامة بمكة عشرة أيام أم لم يكن قد قصد الإقامة. و أمّا في زماننا هذا فحيث إن بلد مكّة قد
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب السّادس و الاربعون، ح 4 .
- (2) وسائل: ابواب الذبح، الباب السادس و الاربعون، ح 1 .
(الصفحة 258)
توسّع في الأزمنة الأخيرة توسّعاً شديداً فلايكون الفصل بينها و بين عرفات أربعة فراسخ، بل نصفها أو أقل، فلا تكون الصلاة فيها قصراً لمن قصد الإقامة بمكة.
و منها: صحيحة حمّاد بن عيسى المروية في قرب الإسناد، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال على (عليه السلام) فى قول الله ـ عزّوجلّ ـ
(فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة) قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيّام فلينشئ يوم الحصبة، و هي ليلة النفر.(1)
و منها: غير ذلك من الروايات المتعددة الواردة بهذا المضمون.
و الإشكال في مفادها بأنه لامعنى للإتيان بالبدل و ثبوت الإنتقال قبل يوم النحر الذي هو زمان توجه التكليف بالهدي، لأنه من مناسك منى و واجباته مدفوع، مضافاً إلى أنه لامجال للشبهة في الأمور التعبدية مع قيام الدليل الواضح عليها، بأنه حيث يأتي البحث في أنه يجب أن يكون الصيام المذكور بعد التلبس بإحرام عمرة التمتع و إن لم يأت بجميع مناسكها، و انّه لايجوز الإتيان بالصوم قبل التلبس بإحرام عمرة التمتع، فلامحالة يصير وجوب جميع المناسك فعليّاً و إن كان الواجب معلقاً على زمان أو شيء آخر، من دون فرق بين كون التمتع واجباً او مستحباً، لوجوب الإتمام على كلا التقديرين ولامعنى للإتمام الاّ الإتيان بكل منسك في ظرفه، فالوجوب بعد التلبس بالإحرام متحقق بالفعل، كأصل وجوب الحج بعد تحقق الإستطاعة و إن كان قبل أشهره فالشبهة مندفعة.
ثمّ انّ في مقابل الروايات المتقدمة طائفتين من الأخبار:
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب السادس و الاربعون، ح 14 .
(الصفحة 259)
الطائفة الأولى: ماتدل بظاهرها على لزوم التأخير عن يوم النحر، و هي ما رواه الكليني عن بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن أحمد بن عبدالله الكرخي، قال: قلت للرّضا (عليه السلام) المتمتع يقدم و ليس معه هدي، أيصوم مالم يجب عليه؟ قال: يصبر إلى يوم النحر فإن لم يصب فهو ممّن لم يجد.(1)
والجواب عنها مضافاً إلى عدم اعتبارها من حيث السنّد انه يمكن أن يقال بأن موردها ما إذا احتمل وجود الهدي في يوم النحر. و يؤيده التعبير بالصبر. و قوله «فإن لم يصب» و مورد الروايات المتقدمة صورة إحراز عدم وجود الهدي في اليوم المذكور مع أنه على تقدير التعارض يكون الترجيح مع تلك الروايات لقيام الشهرة، بل الإجماع على مشروعية الصيام في الأيام الثلاثة المذكورة فيها و إن وقع الإختلاف في التعين و عدمه، فلامجال لهذه الرواية الدالة على عدم المشروعية، كما هو ظاهر.
الطائفة الثانية: ما تدل بظاهرها على جواز الاتيان من أوّل الشهر و هي روايتان:
احديهما: ما رواه عبدالله بن مسكان، قال: حدثني أبان الأزرق عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه قال: من لم يجد الهدي و أحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلابأس بذلك.(2) و أبان المذكور لم يوثق بالخصوص. بل له توثيق عام باعتبار وقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات.
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع و الخمسون، ح 2 .
- (2) وسائل: ابواب الذبح، الباب السادس و الاربعون، ح 8 .
(الصفحة 260)
ثانيتهما: رواية أخرى لزرارة، و قد رواها صاحب الوسائل في بابين: أحدهما: الباب السادس والأربعون، الحديث الثاني بهذه الكيفية، و عنهم ـ يعنى محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا ـ عن سهل عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبدالكريم بن عمرو عن زرارة، عن أحدهما (عليه السلام) انه قال: من لم يجد هدياً و أحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلابأس. ثانيهما: الباب الرابع و الخمسون، الحديث الاوّل بهذه العبارة، محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبدالكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) انه قال بنفس العبارة.
و انت ترى وجود سهل فى السند الأوّل منفرداً و في الثاني منضماً إلى أحمد بن محمد و هو يوجب الخلل في اعتبار الأولى دون الثانية، مع أنه لايكون في الكافي الذي نقل عنه صاحب الوسائل الاّ رواية واحدة لامتعددة.
مع انّ المراجعة إلي الكافي تبيّن عدم صحة نقل الوسائل عنه بوجه، فإنه قد عقد باباً بعنوان: «صوم المتمتع إذا لم يجدى» ثم ذكر في الحديث الأوّل هكذا: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً عن رفاعة بن موسى، ثم نقل رواية رفاعة بن موسى المتقدمة في الأمر الأوّل، ثم عقبه بالحديث الثاني بهذا النحو: أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبدالكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما (عليهم السلام) ثم نقل متن رواية زرارة.
و من الواضح ان الحديث الثانى لا ارتباط له بالحديث الأوّل، بل الظاهر انّ قوله أحمد بن محمد بن أبي نصر شروع في السند الثاني من دون وقوع عدة من أصحابنا